Al-Quds Al-Arabi

مارين لوبين وخيارها الخاسر

-

■ في فرنســا، وبشكل متواتر، يتردد حديــث عن احتمــال دخول ماريــن لوبــن بشــكل أقــوى على خط الانتخابات الرئاســية، بل عن إمكانية تحقيقها اختراقا يخلق المفاجأة. لا أعتقد ذلك. وليــس اســتنتاجي مجــرد صــادر عــن قــراءة لخلفية الانتكاســ­ة التــي منــي بها حزبها فــي انتخابــات الأقاليم والمقاطعــ­ات - فالانتخابـ­ـات المحليــة، في نهايــة المطاف، ليســت الانتخابات الرئاسية، فهي تتسم بطابع الاستفتاء لمعرفة ما إذا كان ســكان المنطقــة راضين عن أداء المنتخبين المحليــن انطلاقا مــن العمدة ومــرورا بالجهــة والمقاطعة، علمــا أن الأخيرتين لا تحظيان، رغــم أهمية دورهما المحلي، باهتمام كبير من الناخبين، وهو ما يطرح مشــكلة أعمق ألا وهي فعالية التربية المدنية في فرنسا )وفي دول أخرى(.

صحيح أن انتخابات الأقاليم الفرنسية الأخيرة اعتبرت مقياس حرارة ســليمة لرصد مدى تجــاوب الناخب معها، فقد ســجلت الرقــم القياســي للامتناع عــن التصويت منذ تأســيس الجمهورية الخامسة، ولا يســعنا إلا، رغم ضآلة الاهتمــام الذي ذكرنــاه، ربط واقع الامتنــاع عن التصويت بظاهــرة انحدار الثقة بالمســؤول­ين السياســيي­ن وبخطورة الأمر الذي يغذي الشعبوية.

هــذا الطرح معــروف. لكن لأن مارين لوبــن أخطأت في تحليله فقد يصبح أقل خطورة.

أجــل، ثمة جملــة نطقت بهــا مارين لوبــن أجهزت على حــزب التجمــع الوطني تقريبــا وقد كانت : «لــن نعود إلى الجبهة الوطنية .«

تنخرط هذه الجملة في محاولة نمذجة الحزب وتنميطه وفــق معاييــر حــزب «كلاســيكي» يحــدث القطيعــة مــع «أدبيــات» حزب جان ماري لوبين، «حزب الأب» كما يقال، التــي تقوم أساســا علــى اســتهداف الهجــرة والمهاجرين والوقــوف إلى جانب «المضطهدين» في وجه «الرأســمال­ية العملاقة .«

لقــد حاولــت ماريــن منــذ وصولهــا إلــى الحكــم تبني اســتراتيج­ية توســيع قاعــدة المتعاطفين بضم الشــريحة CSP( العليــامـ­ـنالطبقــة­المتوســطة )+واعتمــادخ­برة حقوقيــن واقتصاديين فــي ســعي للتجديد...والوصول إلى ما أجمع المحللون على تســميته بـ «نزع الشــيطنة» عن الحزب.

لكــن لا تجديــد دون إبداع، والإبداع سياســيا يعني أولا بلــورة سياســية اقتصاديــة جريئــة تراعــي التــوازن بين الرأسمال والعمل عبر خلق وظائف شغل ورفع الأجور.

لم يبدع التجمع الوطني في هذا المجال أبدا، بل انســجم تماما مع الخطاب الليبرالي لليمين التقليدي.

أما عن السياســة الصحية التي تطرح تحديا مســتقبليا لأي مســؤول سياســي في العالــم، فلم نســمع غير الكلام الشــعبوي الداعي إلى رفع الحجر الصحي دون أي تفسير علمي.

أمام هــذا الخطاب المكرر المكرور، رأينا طيفا واســعا من المتعاطفــ­ن مع حزب التجمع الوطنــي يمتنع عن التصويت فــي الانتخابــ­ات الأخيــرة. ولوكان هــذا الامتنــاع عرضيا وليــس إلا، لما هبــت مارين لتوجيــه نداء صــارم لناخبيها بالتحرك... من أجل رئاسيات 2022...

قناعتي أن حزب التجمع الوطني الفرنسي قوض نفسه بنفســه أصلا، فلا العودة إلى نســخة حــزب الأب مقبولة الآن لــدى قاعــدة ناخبــن أهدافهــم ومقاصدهــم مختلفة جذريا عن ســياق نشــأة «الجبهــة الوطنية» لكــن أيضا لا إطلاق الشائعات العائمة في الهواء يمكنها أن تجد صدى، فلــن تكون مســاعي «نــزع الشــيطنة» فاعلة طالمــا يختزل المشهد في إعادة استنساخ ركائز اليمين التقليدي المعروفة المطروقة المستساغة.

ولا تملك مارين غير هذا الخيار الخاسر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom