Al-Quds Al-Arabi

العراق: التيار الصدري ولعبة الانسحاب

- ٭ كاتب عراقي

■ في لقاء أجرته صحيفة الشــرق الأوسط مع السيد مقتدى الصدر نشــر بتاريخ 14 تشــرين الأول/ أكتوبر 2013، وردا على السؤال الآتي: «ما قصة اعتزالكم للعمل السياســي، ومن ثــم عودتكم عن هذا القــرار؟» أجاب: «هــذا اليأس، ليس اعتزالا من العمل السياســي، بل من اليأس... انا أســمع الكثير من الملاحظــا­ت والتعليقات ضــدي... أو يصفوننــي بأنني امشــي خــارج القواعد السياسية والقانونية. انا أمشي مع القواعد الشعبية، مع القواعد الإلهيــة، الذي أجده يمليه علي ضميري وقواعد الشعب ومخافة الله أنفذه.»

وفي 16 شباط/ فبراير 2014 قرر السيد مقتدى الصدر أيضا أن يغلق مكاتب التيار وبرر ذلك بقوله «من المنطلق الشــرعي، وحفاظا على ســمعة آل الصدر، ومن منطلق انهاء كل المفاســد التي وقعــت أو التي مــن المحتمل أن تقع تحت عنوانها وعنوان مكتب الســيد الشــهيد داخل العــراق وخارجه، ومن باب انهاء معاناة الشــعب كافة والخروج من أفكاك السياســة والسياسيين أعلن إغلاق جميــع المكاتب وملحقاتها وعلى كافــة الأصعدة الدينية والاجتماعي­ة والسياسية وغيرها». وبناء على ذلك فانه «لا كتلة تمثله بعد الآن، ولا أي منصب في داخل الحكومة وخارجها، ومن يتكلم خلاف ذلك يعرض نفسه للمساءلة الشرعية والقانونية .»

وفي تموز/ يوليو 2016 أصدر الســيد مقتدى الصدر بيانا يأمر فيه مدير مكتبه الخاص « بتشكيل لجنة تتولى إخلاء كافة مكاتب التيار في محافظات العراق باستثناء مكتب النجف». وان «مكاتب التيار ســيتم تحويلها إلى دور سكنية لتسكين الفقراء وذوي الدخل المحدود فيها.»

أمــا في كانون الأول/ ديســمبر 2019 فقد أعلن المكتب الخاص للســيد مقتدى الصــدر أنه قد «وجــه بإغلاق كل المؤسســات التابعة للخط الصدري لمــدة عام كامل» باستثناء: مرقد والده وشقيقيه ومكتبه الخاص. ترافق

ذلــك حينها مع إغــاق صفحتي محمد صالــح العراقي )وزير الصدر( على فيسبوك وتويتر.

واليوم مــرة أخــرى يعلن الســيد مقتــدى الصدر الانســحاب من العمل السياسي، فقد قال في كلمة مقررة مســبقا ألقاها يوم أمس الخميس 15 تمــوز/ يوليو، إنه «حفاظاً على ما تبقى من الوطن الذي أحرقه الفاســدون وما زالوا يحرقونه، وإنقاذاً له، نعلمكم بأنني لن أشترك فــي هذه الانتخابات.. فالوطن أهم مــن كل ذلك ». وبانه سيســحب يده عــن «كل المنتمين إلــى الحكومة الحالية واللاحقة» من المحســوبي­ن على التيار، وقــال إن «الكل تحت طائلة الحساب .»

وحقيقــة، بعيدا عــن إمكانية تأويل عبــارة المنتمين إلــى «الحكومــة اللاحقة» فــإن اعلان الســيد مقتدى عن عدم المشــاركة فــي الانتخابات القادمــة، بعد تنبؤ التيار الصــدري بيقينه فــي الحصول علــى 100 مقعد في الانتخابــ­ات القادمة، و طموحه إلــى الفوز بمنصب رئيــس مجلس الوزراء. ثم الحديث عن تقصير وفســاد من يدعون الانتماء إلى التيار الصدري بعد 17 ســنة من المشاركة السياســية للتيار في الحكومات المتتالية بداية مــن حكومة إبراهيم الجعفري الانتقالية في العام 2005 إلى حكومة الكاظمي، يبدو أمرا غير مفهوم على الإطلاق!

فمنذ عام 2005 كان التيار الصدري يمارس في علاقته مع الســلطة «لعبــة «باتت واضحة اليــوم؛ ففي الوقت الــذي كان يجاهر فيه بموقفه ضــد الاحتلال الأمريكي للعراق، كان لــه ممثلون في الحكومــة الانتقالية التي شكلها إبراهيم الجعفري عام 2005، ثم في حكومة السيد المالكي الأولى فــي العام 2006 وهي حكومات تشــكلت تحت الرعايــة الأمريكية الكاملة، وقد كان نصيب الصدر فيها حينها 4 وزراء )ســام المالكي، يعــرب العبودي، علي الشمري، لواء سميســم( قبل أن يقرر وزراء التيار الصدري الاســتقال­ة بعد احداث «صولة الفرسان» التي

شنها المالكي ضد جيش المهدي في حكومة المالكي الثانية، وبعد ممانعــة طويلة في القبول بولايــة ثانية للمالكي، توصــل التيار إلى «صفقة» مع المالكي بوســاطة إيرانية جعلــت الســيد مقتدى الصــدر يتراجع عــن ممانعته، ويصوت لصالح المالكي في مقابــل حصوله على ضعف حصته من الوزارات؛ وبالفعل فقد حصل التيار الصدري فــي تلك الانتخابات علــى 40 مقعــدا، وكان يفترض أن يحصــل علــى 4 وزارات فقط لكنه تمكــن من الحصول على 8 وزارات بموجب تلــك الصفقة! )الوزراء هم محمد الدراجي، نصار الربيعي، عادل مهودر، لواء سميســم، مهند السعدي، علي شــكري، ضياء الأسدي، عبد المهدي المطيري( والمفارقة هنا أن الأمريكيين كانوا الأكثر حرصا هذه المرة على عودة المالكي لولاية ثانية!

وقد كان الصدريون حاضرين بقوة في حكومة حيدر العبادي عام 2014، من خلال دعم الانشقاق الذي حصل في حزب الدعوة، ثم استحواذهم على مناصب رئيسية في الحكومة )بهاء الأعرجي، نصير العيســاوي/ محمد الدراجي، محسن الشمري، طارق الخيكاني(

قبيــل انتخابات عــام 2018 طــرح الســيد مقتدى الصدر ما ســماه «الحكومة الأبوية» وبعد إعلان نتائج الانتخابات وحصول التيار الصدري على 52 مقعدا )من مجموع 54 مقعــدا حصل عليها تحالف ســائرون( كرر السيد الصدر اســتخدام هذا التعبير في معرض حديثه عن تشــكيل الحكومة. ولم يشرح السيد الصدر مفهومه الخاص لهذا التعبير، ولكن من خلال متابعة الســياقات التــي ورد فيهــا علــى لســانه، وجدناه يتــرادف مع توصيفات اخرى مثل: حكومة قوية، حكومة تكنوقراط لا تحزب فيها، حكومة تقدم الخدمات للشــعب، حكومة تعبر عن تطلعات الشعب المشــروعة، حكومة وطنية لا تفرق بين مكونات الشعب.

لكن التيار أبرم بعد ذلــك صفقة مع تحالف الفتح في

أيلــول 2018 نســفت مجموعة الشــعارات التي انضوت تحت مســمى )الحكومة الأبوية غير المتحزبة( ومنحت التيار منصــب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، ثم اتفق بعد ذلك مع الفتح على تســمية الســيد عادل عبد المهدي رئيســا لمجلس الــوزراء دون إعــان الكتلــة الأكبر في مجلــس النواب فــي انتهاك للدســتور العراقي، وأثمر الاتفاق أيضــا على حصول التيار على منصب الأمين العام لمجلس الوزراء، وكالعادة بدت مفــردة «الأبوية» مجردة من أي معنى ما عدا معنى الهيمنة على مجلس النــواب وعلى الحكومة في الوقت نفسه!

لقد تعلم الســيد مقتدى الصدر، مــن خلال مواجهته الثلاثــة مع الدولة فــي الأعــوام 2004 و 2007 و 2008، بأن وجوده في الســلطة هــو وحده الضامــن للإبقاء على التيار الصدري ككيان سياســي من جهة، والضامن الوحيد أيضا لتأمين الموارد الضرورية لإدامة تياره عبر «لجان اقتصادية» داخل الوزارات ومؤسســات الدولة المختلفة. وأنه يجــب أن يعتمد نوعا مــن المواءمة فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، من خلال اســتدعاء لخطاب وموقف السيد محمد صادق الصدر المعادي للأمريكان، مع ســلوك مهــادن تفرضه الضرورة، وعدم القطيعة مع إيران من جهة ثانية تحسبا لما يمكن أن يســببه ذلك من انشــقاقات داخل التيار، مع إبقاء مسافة لا بأس بها بينه وبين السياسة الإيرانية في العراق. وهذه الاســترات­يجية هي نفسها التي ستجعل، بالضرورة، الســيد الصدر يتراجع عن قراره المتخذ يوم أمس، ولكن من خلال توقيت يختاره هو شخصيا ليحول الأمر مرة أخرى إلى أداة للتحشيد الانتخابي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom