الأردن من «الفتنة» إلى «لقاء حار» مع بايدن... هل تتحقق «استجابة فعالة»؟
عندما زرع نتنياهو الأشجار في الأغوار لتسويق مشروع ضمها
همستان بالغتا الأهمية يمكن رصدهما في مستويات أعمــق من دوائر القــرار والدولة الأردنيــة، لكن بصوت خافــت جداً، مــع مضي الســاعات قبل اللقــاء المرتقب للعاهل الملــك عبد الله الثاني مــع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
لا أحد يعلم بطبيعة الحال ما الذي ســتقوله بشــكل محدد القيــادة الأردنية لــإدارة الأمريكيــة بعد مرحلة اســتهداف أصبحــت اليــوم علنيــة لــأردن ودوره في مواجهة تحالــف اليمين العربي مع نظيره الإســرائيلي تحت مظلة اليمين الأمريكي بتوقيع الإدارة السابقة في عهد الرئيس الراحل دونالد ترامب.
عــزل الأردن تمامــاً في عهــد ترامب، وضغــط عليه بقسوة بســبب صفقة القرن، وذلك الاستهداف بدأ من مؤتمر المنامة الاقتصادي الشــهير وانتهى على الأرجح بتداعيات ما ســمي بملف الفتنة التــي يعالجها القضاء الأردني الآن.
في العمق محلياً همســة تعرض الاتفاقية العسكرية التي تندد بالمعارضــة الأردنية مع الأمريكيين باعتبارها منجــزاً ذكيــاً جداً فــي مرحلة حساســة، فمــا لا يعلمه الكثيــرون هو الانطباع الأمريكي بأن هذه الاتفاقية التي انتهــت بنقــل منظومة عســكرية أمريكية قتاليــة كاملة بشكل دائم للأراضي الأردنية، توفر حماية للأردن ليس فقط من الإرهاب ومنظماتــه، ولكن أيضاً من طموحات اليمين الإسرائيلي بنســخته المتجددة جداً، التي تجلت في أواخر عهد ترامب بمشــاهدة بنيامــن نتنياهو على الأقــل يــزرع الأشــجار بالقرب مــن حدود نهــر الأردن لتسويق مشروع ضم الأغوار.
يميــل خبــراء عميقون إلــى اعتبار حمايــة الأردن من سيناريو الوطن البديل عند اليمين الإسرائيلي المتطرف أحــد الأهداف لعبــور الاتفاقية الأمنية العســكرية التي وقعت صمتاً مع الأردنيين ودون المرور في البرلمان، كما يطالب القطــب المعارض في البرلمــان صالح العرموطي وهــو يعيد أمام "القدس العربي" التأكيد على أن اتفاقية نقل القــوات الأمريكية إلى الأردن غير دســتورية وغير
شرعية.
تلك همســة سياسية بامتياز، حيث لا يخطر في ذهن المعلقين الأردنيين بأن وجود ثقل عســكري أمريكي في الأرض الأردنيــة يســاهم في الحــد من مخاطــر اليمين الإســرائيلي عندما يفكر بالعبث فــي الأردن وتحت أي غطاء.
قد تبقــى تلك أقرب إلــى هواجس لا تمثــل الوقائع. لكن على الأقل يمكن القول بأن مؤسســة القرار الأردنية مؤمنة بأن الاتفاقية العســكرية الأمنيــة مع الأمريكيين تســاعدها في إعــادة ضبط إيقــاع اليمين الإســرائيلي المتطــرف، بدليل أن نتنياهو نفســه هاجــم بغلاظة قبل أيام سلفه في رئاسة الوزراء لأنه وقع فوراً اتفاقية لبيع المياه إلى الأردن.
الأكثــر أهمية فقط بالنســبة لخبراء القــرار الأردني فيــا يســمى بالاتفاقيــة الأمنيــة مــع الأمريكيــن، أنها تبرر للحــزب الديمقراطــي الحاكم اليوم في واشــنطن استمرار تدفق المســاعدات الاقتصادية والمالية للأردن، لا بل زيادة تلك المســاعدات إذا مــا وصلت الكيمياء بين البيت الأبيــض والقصر الملكــي الأردني إلــى تفاهمات استراتيجية على أولويات المرحلة المقبلة.
هنا تبــرز تلك النصيحــة التي قدمها خبيــر أمريكي فلســطيني محــب للأردن هو الدكتور ســنان شــقديح، تحــت عنــوان توفر فرصــة نــادرة اليوم في ظــل إدارة بايدن لكي يتمتع الأردن بمزايا صفة الحليف المميز جداً في الشرق الأوسط. هل يعني ذلك شيئاً محدداً؟ أغلب الظن أن الإجابة على مثل هذا الســؤال ليســت مرتهنــة فقط بما ستســفر عنه ترتيبات القمــة الأردنية - الأمريكية التي ســتعقد في غضون ســاعات، ولكنها مرتهنة بمــا يســتطيع الأردن تقديمه لخدمــة مصالحه الحيويــة ضمن تلــك المعايير التي تطالب بها واشــنطن وضمن سياق تصوراتها، حيث الاعتقاد كبير بأن مقدار المكاسب السياسية والمالية التي يمكن لعمان الحصول عليها رهن بقدرتها على الاســتجابة في الاســتراتيجي وليس التكتيكي فقط.
المعنى هنا أن حكومة الأردن هي التي تحدد مقدار ما يمكــن أن تحصل عليه من الامتيــازات الناتجة عن صفة حليــف متقدم، حيــث لا يقــدم الأمريكيون المســاعدات
مجانــاً بعــد الآن، وحيــث مســتوى تلــك المكاســب والامتيازات مربوط تماماً بسلسلة شروط واستجابات لم تعد ســرية، فالاهتمام الأمريكي كبيــر جداً بالأردن، كما يقدر وزير البلاط الأســبق الدكتور مروان المعشــر، مقترحاً بأن المصالح الأردنية أمام الاختبار.
التهامــس العميــق فــي إطــار الدولــة العميقــة فــي الأردن يعلــم تمامــاً ما هــو المطلوب أمريكياً بعد حســم مخــاوف الأردن باتجاهــن رئيســيين وبضمانة بايدن شــخصياً، وهمــا الأمــن الاســتراتيجي الأردنــي بكل معانيــه، خصوصاً ضــد طموحات اليمين الإســرائيلي والأمن الاســتراتيجي الاقتصادي الــذي يبقي خيارات المساعدات فعالة وقائمة.
لــم يعد ســراً هنــا أن مطالب محددة خلف الســتارة قدمهــا الأمريكيــون تصريحــاً وتلميحــاً، وســمعها الأردنيــون، وأهمها جرعــة ديمقراطية أكثــر والتحول، ولــو بالتدريج، إلــى دولة مدنية بهويــة وطنية موحدة، وبينهــا أيضاً وضــع حد نهائي لملفات الفســاد والعمل على التجديد ليس فــي البرامج فقط، ولكن في الأدوات والنخبة والطبقة السياسية.