Al-Quds Al-Arabi

فلسطين: مأزق «الحوار الداخلي» وكارثية سقوط السلطة

- سعيد أبو معلا

تبرز الانتخابات بصفتها بندا أساسيا على أجندة أي حوار فلسطيني، فهي مطلب بعض فصائل منظمة التحرير ومؤسسات المجتمع المدني والحراكات الشبابية وحركة حماس.

هناك ما يشبه الإجماع على أن الحوار الفلسطيني الفلسطيني أصبح اليوم حاجة ماسة، إنه الحل لتجاوز الأزمات المركبة والمعقدة. هذا الحوار الذي يبدو بمثابة «فريضة غائبة» يواجه مأزقا كبيرا، رغم كونه تجاوز حاجة فعلية لأكبر فصيلين فلسطينيين، فهو مطلب لحالة وطنية عامة بعد تأجيل الانتخابات ومقتل المعارض السياسي نزار بنات والعدوان على غزة.. الخ، وكل ما ترتب على ذلك من تأزيم للواقع السياسي الفلسطيني.

حركة فتح وبعد تعاليها عـن مطالب وأصــوات حقوقية ومؤسسات أهلية وفصائل منظمة التحرير وحالة من الاحتكام للشارع، دعت قبل أيام على لسان نائب رئيس الحركة محمود العالول للحوار.

وعلى إيقاع الأنباء القادمة من تصريحات أمريكية وتسريبات إسرائيلية تشير إلى أن هناك «خطوات بناء ثقة» بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيل­ي جاء بيان «الملتقى الوطني الديمقراطي» الذي يرأسه الدكتور ناصر القدوة ليؤكد أن «الأولوية الفلسطينية يجب أن تكون باتجاه الحوار الفلسطيني-الفلسطيني، والعمل على إعـادة بناء المنظومة السياسية الفلسطينية بما يخدم المصالح الوطنية، ويعزز الصمود».

وجاء في البيان أن ذلك لا يتم إلا «عبر تشكيل جبهة إنقاذ وطني عريضة يقودها جسم انتقالي يوحد الكيان السياسي وتنظم الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتعيد تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني من خلال الانتخابات لضمان أوسع تمثيل ممكن لشرائح الشعب الفلسطيني».

الأكاديمي والباحث في قضايا التنمية السياسية الدكتور إبراهيم ربايعة يرى أن أبرز ما يعيق الحوار الفلسطيني الداخلي، وتحديدا في الضفة الغربية وعلى خلفية الأزمة التي نشبت بعد مقتل المعارض السياسي نزار بنات، هو مسألة حضور الانقسام السياسي بين فتح وحماس فيه، فرغم دعـوات الحـوار، اليوم، لكن غياب الأرضية التي يقوم عليها هذا الحوار مشكلة بحد ذاتها، فليس هناك من وضوح لدى الأطراف المختلفة والمتناقضة حول ما هي أجندة هذا الحوار ولا ما هي غاياته.

ويضيف: «هل دعوات الحوار اليوم تتصل بمسألة أكبر من الأزمة الأخيرة، بمعنى هل فكفكة الملفات العالقة بين فتح وحماس بشكل كامل جانب من الحوار، أم هو حوار متصل بقضايا محددة؟».

ويــؤكــد بعض مطالب الحــراكــ­ات والمـؤسـسـ­ات الحقوقية لا تقوم على أساس جذري في التعامل مع جذور أزمة النظام السياسي الفلسطيني، هناك تكلس بالحالة الفلسطينية وهي مسألة تشمل كل النظام السياسي وبالأساس منها الصراع بين حماس وفتح.

ولا يرى ربايعة في خروج فتح للشارع في الضفة الغربية، خـال الفترة الماضية، بالأمر الموجه إلى الحراكات الفلسطينية الشعبية والشبابية وإنما موجه بالأساس لحركة حماس التي تتصارع على الشرعية مع حركة فتح، حيث يطفو الحديث عن الثقل الجماهيري ومن يمتلك الشرعية.

ويؤكد أن خلف دعوات الحوار التي لم تترجم علنا حتى اللحظة حوارات بين حماس وفتح، «لكنها حوارات خلف الكواليس وبعيدا عن الأضــواء، وفي حال تم الوصول إلى نتائج إيجابية يمكن أن نشهد حلحلة في الملف الفلسطيني الداخلي برمته. الأمر يعتمد إلى ما ينتج عن هذه الحوارات غير المعلنة».

ويستبعد ربايعة قدرة توافقات حماس وفتح في إنقاذ الحالة الوطنية الفلسطينية، فالأساس من وجهة نظره عملية «إدارة الانقسام التي تعتبر السيناريو الأقرب على المدى المنظور، لأن فكفكة الحالة الفلسطينية تعني خسارة فتح لمنظمة للتحرير، وخسارة حماس لقطاع غزة وهذا ما لا يقبله الجانبان».

ويتابع: «كل يريد أن يظهر على أنه يملك الشرعية، ويريد استخدامها لتقوية موقفه وتأكيد حضوره، حماس مثلا تحاول إسناد الحراكيين والقوى الحقوقية في الضفة الغربية في مطالبها بقضية نزار ومسألة الانتخابات، وهي أمور تخدم مصالحها في إضعاف فتح والسلطة بشكل عـام، والسلطة وفتح تحاولان كسب الشارع عبر إظهار قوتها فيه، كي لا تنكسر أمام هذا التيار الكبير».

«إنها عقدة حماس وفتح ما زالت الأساس، ولن ينجح أي حوار بدون حل هذه العقدة المستعصية» بحسب ربايعة، الـذي يشير إلى أن «أزمــة النظام السياسي الفلسطيني بنيوية والتحلل منها يتطلب تفكيك شبكة معقدة من المصالح والترسبات والتكلسات التي خلقها الانقسام طوال أكثر من 15 عاما».

على حافة الهاوية

وعن الدور المصري وقدرته على التعامل مع هذا الملف بنجاح يؤكد ربايعة أن الدور المصري يقوم على أساس «إدارة ملف العلاقات الفلسطينية الفلسطينية وليس على أساس حلحلة هذا الواقع، وفي حال تحققت فإن ذلك يعني فقدانها جانبا من أوراقها».

الجهود المصرية بحسب ربايعة تبقي «الواقع على حافة الهاوية، هذا أمر يخدم النظام المصري، ولن تدفع الإدارة المصرية بالواقع الفلسطيني إلى حلحلة شاملة حتى لو قدرت على ذلك».

وتبرز الانتخابات بصفتها بندا أساسيا على أجندة أي حوار فلسطيني، فهو مطلب بعض فصائل منظمة التحرير ومـؤسـسـات المجتمع المـدنـي والحــراكـ­ـات الشبابية وحركة حماس، حـول ذلـك يقول ربايعة: «نقرأ نزول فتح للشارع على أنها محاولة لاستعادة الشرعية التي تم تهديدها والتشكيك بها مؤخرا، ولا أتصور أن حركة فتح ترغب بانتخابات في ظل الوضع الحالي إلا في حال حدوث تحول وتكافؤ في القوة بينها وحماس».

وتحاول فتح جاهدة تصعيد خيار المقاومة الشعبية في الضفة الغربية في محاولة تعدل كفة شعبيتها في مقابل حماس، عن ذلك يؤكد ربايعة أن فتح أمام فرصة لتغييرات إيجابية في جزء منها تعتمد على المقاومة الشعبية التي أضحت خيارا جديا والزاميا لها، لكن وفي صورتها الأكبر تحتاج وتتطلب تغييرات بنيوية وإعادة تعريف لعلاقة فتح بالسلطة وهذا يمكن ان يقود لتحولات في الرؤى والبرامج».

ويتابع: «تماما كما هو الحــال مع حماس والتي تعتمد على شرعية المقاومة لبناء شعبيتها، فهي تحتاج لإجابات ملحة على أسئلة اجتماعية اقتصادية في القطاع تحديدا، وهذا ما يعطي فرصة لفتح في القطاع لاستعادة قاعدتها في حال تفكفكت أزماتها الداخلية».

إسقاط النظام غير مقبول

المحلل السياسي هاني المصري، يرى أن عملية تغيير السلطة وتحويلها لأداة في البرنامج الوطني لا يكون من خلال الإسقاط أو الحل، فهذا الطريق سيؤدي لتعميق الانقسام وسيفتح الطريق للفوضى والفلتان الأمني، فعملية تغُلّب الصراعات الداخلية لن يستفيد منها أحد

سوى الاحتلال.

ويؤكد المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيج­ية-مسارات، أن الحديث عن إسقاط النظام غير مفهوم ولا مقبول، كون السيادة في أيدي الاحتلال الذي لن يعود إلى أي عملية احتلال مباشرة، فإذا انهارت السلطة، سيعمد إلى تنفيذ خططه لإقامة إمـارات في الضفة ضمن خطة شهيرة وضعها الباحث الصهيوني مردخاي كيدار.

ويؤكد المصري أنـه لا يجب التغاضي عن فساد السلطة واستبدادها وقمعها وتبعيتها وتعاونها مع الاحتلال، لكن الكفاح ضدها يجب ألا يكون الأولوية، ويجب أن يرى تناقضها مع الاحتلال، بدليل وقف تحويل أمــوال المقاصة المتكرر لإبقاء السلطة/تين ضعيفة في الضفة والقطاع، ويجب أن يكون فقط عبر وسائل سلمية وجماهيرية وقانونية، وعبر الضغط من أجل إجراء الانتخابات على كل المستويات وفي كل القطاعات، وخصوصًا الانتخابات العامة )الرئاسة، المجلس التشريعي، المجلس الوطني(.

وتابع المصري قائلا: «طريق ذلك بلورة جبهة وطنية عريضة تستند إلى برنامج وطني وديمقراطية توافقية، توفر أساسًا للتوافق الوطني الذي يعبّر عن مختلف ألوان الطيف».

ويقر المصري أن «إنجـاز الوحدة والشراكة هدف صعب التحقيق، ولكنه قابل للتحقق، وطرحه لا يهدد بخسارة كل شيء».

والتغيير الممكن والمطلوب برأي المصري، يكون من خلال «إعطاء الأولوية للمقاومة، وبعد ذلك الكفاح لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، عبر إعـادة بناء وتغيير مؤسسات السلطة والمنظمة، على أساس المبادئ والمصالح وتـوازن القوى، وبرنامج القواسم المشتركة وأسس الشراكة والتعددية».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom