Al-Quds Al-Arabi

حرية الصحافة في المغرب تحت مجهر المنظمات العالمية والدول الحليفة وأصوات رسمية ترفض الاتهامات

- الرباط ـ«القدس العربي»: الطاهر الطويل

والمغرب على مشارف الاستحقاقا­ت الانتخابية التي ستجري فـي أيلول/ سبتمبر المقبل، ترتفع أصـــوات بعض الأحـــزاب والمنظمات مطالبة بانفراج ســيــاســ­ي وحـــقـــو­قـــي، وطــــيّ صفحة التشنجات بين سلطات الرباط والنشطاء الحـقـوقـي­ـن والـصـحـاف­ـيـن المـعـروفـ­ن بانتقاداته­م الحادة.

ويقصد بالانفراج الكفّ عن مضايقة بعض الصحافيين والنشطاء الحقوقيين ورمـوز الحـراك الاجتماعي، وكـذا إيجاد مـخـرج مـشـرّف للمتابعات والاعتقال والأحكام القضائية الصادرة في حق عدد من الأسماء التي تعدّت قضاياها الحدود الوطنية، لتتخذ بعدا عالميا، حيث دخل على الخط عدد من المنظمات الدولية ومراكز الـقـرار المــؤثــر­ة، مثل الــولايــ­ات المتحدة الأمريكية، الحليف التقليدي للمغرب.

والـــافــ­ـت لــانــتــ­بــاه أنـــه فـــي حـالـة الصحافيين الموصوفين بـ«المزعجين» فإنهم لا يتابعون بقضايا ذات صلة بعالم الصحافة والنشر، ولا بالقانون المتعلق بذلك، وإنما بالقانون الجنائي، في إطار ما يُسمّى بـ«الحق العام». بمعنى أوضح، تريد السلطات أن تؤكد أنهم يتابعون ليس بصفتهم صحافيين، وإنما باعتبارهم من عامة الناس، يرتكبون جرائم أو جنحا في علاقتهم مع غيرهم من المواطنين، مما يستوجب إنزال العقوبات في حقهم، وفق ما يقرره القانون.

لكن هيئات صحافية وحقوقية، ومن ضمنها «لجــنــة حـمـايـة الصحافيين» و«المـــرصــ­ـد الأورومــت­ــوســطــي لحقوق الإنسان» وغيرهما، ترى أن «تهم الجرائم الجنسية أصبحت أداة أخرى للسلطات لمعاقبة الصحافيين». والأدلــة على ذلك متعددة: فالصحافي توفيق بوعشرين )مؤسس صحيفة «أخبار اليوم» المغربية( يقضي عقوبة سجنية مدتها 15 عاما بتهمة «الإتجار بالبشر من خلال استغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والـنـفـوذ لـغـرض الاسـتـغـا­ل الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير»؛ والصحافي سليمان الريسوني )رئيس تحرير الصحيفة المذكورة( حُكم عليه أخيرا

بخمس سنوات سجنا نافذا بتهمة هتك عرض شاب مثلي؛ كما حُكم من قبل على ابنة أخيه، الصحافية هاجر الريسوني )التي كانت تعمل في الصحيفة نفسها( بالسجن لمدة عام بتهمة ممارسة الجنس خـارج إطـار الــزواج والإجـهـاض، قبل أن تستفيد من عفو ملكي.

لـــيـــس هـــــذا فـــقـــط، فــالــصــ­حــافــي الاستقصائي عمر الـراضـي معتقل هو الآخــر منذ سنة على ذمـة التحقيق، في قضية اتُّهم فيها بالاعتداء الجنسي على زميلة له، بينما يؤكد هو أن المسألة مجرد علاقة جنسية رضائية. كما وُجّهت له تهمة التجسس ضـد بـــاده، بـنـاءً على اتصالاته مع دبلوماسيين غربيين وعمله في شركة استشارات بريطانية. ووفقًا لتحقيق أجـرتـه هيومن رايـتـس ووتـش «لا يوجد دليل على أن الراضي فعل أي شيء مخالف للقانون، سوى قيامه بعمل صحافي عادي أو عمل خاص بالشركات والاحتفاظ بالاتصال بدبلوماسيي­ن، كما يفعل العديد من الصحافيين والباحثين بشكل روتيني».

وأدلى «المرصد الأورومتوس­طي لحقوق الإنسان» الذي يوجد مقره في سويسرا، بدلوه في الموضوع، حيث أصـدر حديثا تقريرًا حول «ملاحقة السلطات المغربية للنشطاء والحقوقيين والصحافيين» تحـــدث فـيـه عــن «تــفــاقــ­م الانـتـهـا­كـات والــتــجـ­ـاوزات التي تتسم بها سياسة الدولة تجاه حرية الرأي والتعبير والعمل الصحافي »، مشيرا إلى أن ذلك يتجسد ذلك من خلال استمرار السلطات المغربية في اللجوء إلى القانون الجنائي، عوض قانون الصحافة والنشر، لمتابعة الصحافيين والـنـاشـط­ـن فــي التعبير عــن آرائــهــم وتجريمها، بما في ذلك ما يجري نشره على منصات التواصل الاجتماعي. وذكر أنه في الوقت الراهن تحتجز السلطات وتحاكم ما لا يقلّ عن 21 صحافيا وناشطا مدنيا وسياسيا وحقوقيا وآخـريـن، متهمين بسبب تعبيرهم عن آرائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وفيس بوك وتويتر وغيرها.

ردود الفعل

وعقب صـدور الحكم على الصحافي

سليمان الـريـسـون­ـي بالسجن خمس ســنــوات، تــوالــت ردود الفعل المحلية والدولية، فيما هبّت أطراف رسمية للرد على تلك المواقف، فقد أصدرت «الجمعية المغربية لحقوق الإنـسـان» بيانا شديد اللهجة انتقدت فيه الحكم، معتبرة المسألة تتعلق بتصفية حـسـاب سياسي مع صحافي حر ومزعج، وجددت مناشدتها له بوقف الإضراب عن الطعام.

أما «النقابة الوطنية للصحافة المغربية» فأمسكت العصا من الوسط، معبّرة في بيان لها عن أسفها «لأن هـذه المحاكمة عرفت تأخرا في سريانها في المرحلة الأولى، في حين كان من الضروري تسريع أطوارها لتجاوز التداعيات التي ترتبت عن هذا التأخير» وذكرت النقابة بأنها طالبت منذ البداية بمتابعة الريسوني في حالة ســراح، مؤكدة أن حضوره في جلسات هـذه المحاكمة كـان ضـروريـا، وكــان من الواجب ضمان شروط هذا الحضور من لدن جميع الأطراف، سواء من طرف الجهة القضائية التي كان من مسؤوليتها ضمان شروط هذا الحضور، ومن جهة الطرف الثاني الذي كان مطالبا بالامتثال لظروف

المحاكمة.

وأشار البيان إلى أن غياب الريسوني عن الحضور حرمه من العديد من حقوقه القانونية ومن ضمانات المحاكمة العادلة، مشددا على أنـه من الـضـروري، أن تمر هذه المحاكمة في ظروف أحسن، وأجواء مناسبة كفيلة بإجلاء الحقيقة. وقالت النقابة إنها «إذ تعبر عن انشغالها وقلقها إزاء كل ما حدث، فإنها تتطلع إلى تصحيح جميع هذه المعطيات في مرحلة الاستئناف بما يضمن حقوق جميع الأطراف، في إطار محاكمة عادلة تستوفي جميع الضمانات القانونية». كما ناشدت سليمان الريسوني بالتجاوب الإيجابي مع مناشدات العديد من الأطراف بإيقاف الإضراب عن الطعام الذي امتد لفترة أضحت تمثل خطرا على سلامته وعلى حياته.

على المستوى الدولي، كان لافتا للانتباه الموقف الذي عبرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف التقليدي للمغرب، إذ قالت على لسان المتحدث باسم خارجيتها، نيد برايس، إنها أصيبت بـ«خيبة أمل» بسبب «تقارير حول حكم محكمة بالمغرب على الصحافي سليمان الريسوني بخمس سنوات سجنا». وأضــاف المصدر ذاته «نسجل أن السيد الريسوني زعم أن هناك انتهاكات لضمانات المحاكمة العادلة. ونعتقد أن المسار القضائي الذي قاد إلى الحكم عليه يتعارض مع الوعود الأساسية للنظام المغربي حول المحاكمات العادلة للأفراد المتهمين بجرائم، ويتعارض مع وعـد دستور 2011 ومـع أجندة إصلاح جـالـة المـلـك محمد الـــســـا­دس». وذكــر المـتـحـدث بـاسـم الخـارجـيـ­ة الأمريكية أن الـولايـات المتحدة لديها «قلق أيضا حول التأثير السلبي لهذه القضية على حرية التعبير، وحرية التنظيم بالمغرب» وتابع قائلا: «حرية الإعــام تأسيسية لمجتمعات مـزدهـرة وآمـنـة، ويجب على الحكومات ضمان أن يمارس الصحافيون بأمان أدوارهـــم الأساسية دون خوف من الاعتقال بغير موجب قانون، أو من العنف، أو التهديدات». وذكرت الخارجية الأمريكية أنها تتابع هـذه القضية «عن قــرب» مـع «قضايا صحافيين معتقلين آخرين في المغرب، من بينهم عمر الراضي». وسجلت أنه سبق لها أن تطرقت لـ«هذه التخوفات» مع الحكومة المغربية، قبل أن يجمل المتحدث باسمها قائلا: «سنستمر في القيام بذلك».

الموقف المغربي

لــم تمــر تـصـريـحـا­ت المـتـحـدث باسم الخارجية الأمريكية مرور الكرام، إذ تولت جهات رسمية فـي المـغـرب الــرد عليها، وكـان لافتا للانتباه أن أول المعقّبين هو مدير إدارة السجون، محمد صالح التامك، الـذي نشر تصريحا أعـرب فيه عن قلقه العميق بشأن الموقف الذي اتخذه الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، متمنيا أن يكون «نـوتـة نـشـاز» وإلا ـ كما قال المسؤول المغربي ـ فإن مجازفته هذه لا تبشر بالخير بالنسبة لمستقبل العلاقات الأمريكية المغربية. وتساءل قائلا: «لماذا كل هذا التكالب على المغرب في الظرفية الراهنة؟ أليس هذا تحيزا صارخا وغير مبرر لشرذمة من المتطرفين الإسلاميين واليساريين همّهم الواحد الأحد هو خلق البلبلة والجلبة، وذلك على حساب الغالبية العظمى الصامتة من المغاربة؟».

الرد الثاني جاء من «المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان» إذ أصدرت بيانا قالت فيه إن تصريح المتحدث باسم وزارة الخـارجـيـ­ة الأمريكية بـشـأن اثـنـن من المشتبه بهم، حُكم على الأول، ابتدائيا، بالسجن لمـدة خمس سنوات في قضية حـق عــام، فيما يوجد الثاني فـي طور المحاكمة، يستند إلى معلومات «منحازة» صـــادرة حصريا عـن داعـمـي المتهمين. وأضــافــت أن «هــذه المعلومات حجبت عن عمد وجهة نظر المشتكين ودفاعهم، وذهبت إلى حد إنكار وضعهم كضحية وحقهم المـعـتـرف بــه عالميا فــي تقديم شكوى». ولاحظت «بذهول» أن تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يشير فقط إلى مزاعم الشخص المدان، مع التركيز على وضعه المهني، وإلى مزاعم «انتهاكات المعايير المتعلقة بمحاكمة عادلة» في حين أكد بيان النيابة العامة المختصة الصادر في 12 تموز/ يوليو 2021 بوضوح الطابع العادل للمحاكمة المذكورة، وقدم شروحات وتوضيحات عن حقيقة مـجـريـات محاكمة المــواطــ­ن سليمان الريسوني المتابع من أجل جرائم الحق العام ولا علاقة لها إطلاقا بعمله الصحافي. وشــــددت المـنـدوبـ­يـة عـلـى أن «المـغـرب المتشبث بـاحـتـرام الحـقـوق الأساسية لجميع المتقاضين، مهما كـان وضعهم، وبالتالي فـإن استقلال القضاء، الذي كـرسـه دســتــور 2011 والــــذي أفـرزتـه الإصــاحــ­ات الجوهرية التي باشرتها المملكة منذ أكثر من عقدين، هو الضامن لاحـــتـــ­رام هـــذه الحــقــوق الأســاســ­يــة». الــرد الثالث صــدر عـن جمعية القضاة المـغـاربـ­ة الـتـي تحمل اســم «الــوداديـ­ـة الحسنية للقضاة» تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية حول «العدالة وحرية التجمعات والصحافة» في المغرب، مؤكدة أن استقلالية وسـيـادة القضاء المغربي خط أحمر لا يجب تجــاوزه من طرف أي جهة كانت.

ولـفـت البيان إلــى مـا خلفه تصريح الخارجية الأمريكية من «إســـاءة بالغة لحقيقة المجهودات الجبارة التي ما فتئت تبذلها السلطة القضائية المغربية بكل ثقة وثبات ونجاعة وفعالية من أجل تحقيق الأمــن القضائي وتعزيز ثقة المواطنين والمواطنات بعدالة بلادهم، إيمانا منهم بأن العدالة في أي بلد تعتبر عمادا للاستقرار والأمن ورافدا من روافد التنمية ومقياسا حقيقيا للحضارة والديمقراط­ية».

واعتبرت جمعية القضاة أن التصريح لا يسيء فقط إلــى السلطة القضائية المغربية ويمس باستقلاليت­ها المكفولة لها بمقتضى الدستور والقانون والمواثيق الدولية لاستقلال السلطة القضائية، بل يطال شعور وشــرف وكرامة جميع قضاة وقاضيات المملكة المغربية قاطبة وجميع العاملين والمشتغلين بحقل العدالة المغربية. كما يمس التصريح في العمق بثقة المواطنين والمواطنات في عدالة بلادهم، على اعتبار أن استقلالية القضاء ليست امتيازا أو تشريفا للقاضي، بل واجبا عليه وحقا للمواطن. وأكـد المصدر نفسه أنه «ليس من المتصور على الإطلاق أن تعلق على قضية من صميم اختصاص قضاء مستقل لدولة أخرى ذات سيادة، مشددة على أن لكل بلد شأن يغنيه، والحقيقة لا ترى من زاوية واحدة».

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom