Al-Quds Al-Arabi

توم بوير في «بوريس جونسون المقامر»: أجداد رئيس وزراء بريطانيا أتراك وسيادة النخبوية في قيادات بريطانيا

- سمير ناصيف ‪Tom Bower: “Boris Johnson:‬ ‪The Gambler”‬ ‪Random House, London, 2020‬ ‪594 pages.‬

يتواجد فـي الـتـراث الفكري الغربي عموماً نوعان رئيسيان في كتابة مذكرات المشاهير أحياء كانوا أو أمواتاً.

الأول، هـو مـا يكتبه صاحب الشأن بنفسه، ويُـشـمـل مــا يـرغـب أن يــورده فـي كتاب مـذكـراتـه. الـثـانـي، مـا يكتبه اختصاصيون يقومون بأبحاث ودراسات ومقابلات مع المقربين أو مع الخصوم لمن يكتبون عنه ثم ينشرون كتبهم بصرف النظر عما إذا كانت الشخصية المعنية بنتاجهم راضية أو غير راضية.

الكاتب البريطاني توم بوير، متخصص فــي الــنــوع الــثــانـ­ـي مــن كـتـابـة السيَر والمذكرات، وكتبه عموماً من الأكثر مبيعاً كونها تتضمن معلومات وافرة وفضائح مثيرة ولكنها أيضاً جدية ومفيدة للقارئ في الوقت عينه وخصوصاً لكونه يختار شخصيات هامة ومثيرة للفضول.

كتابه الأخير بعنوان «بوريس جونسون المقامر» ينضّم إلـى كتب أخـرى من هذا النوع كتبها منذ منتصف القرن الماضي عن شخصيات مثيرة للجدل في ألمانيا النازية وأوروبا ثم في بريطانيا كالناشر روبرت ماكسويل ورجل الأعمال المصري الأصل محمد الفايد وصاحب مؤسسة «فيرجن» ريتشارد برانسون، ورئيسي الحكومة العماليين البريطانيي­ن السابقين غوردون براون وتوني بلير وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وزعيم الحــزب العمالي البريطاني السابق جيريمي كوربن. وفي جميع هذه الكتب، يظهر بوير كناقد لاذع للشخصيات الـتـي يكتب عنها، ولكن قساوة نقده تأتي بدرجات متفاوتة.

المقاربة الأساسية في هذا الكتاب عن جونسون ان بوير يعتبره شخصاً لامعاً في ذكائه ومقدراته العقلية منذ صغره، ولكنه متردد في إتخاذ قراراته وانتهازي فــي تعامله مــع المـقـربـن منه وشــرس في مواجهة خصومه، حتى ان الكاتب يستشهد بقول لأحد كبار نواب المحافظين من أنصار جونسون بان رئيس الـوزراء البريطاني الحالي «ثعلب في ثوب حمل» يظهر للناس بانه صاحب النكتة وغير المكترث ولكن عند الحاجة يهزم خصومه بالضربة الـقـاضـيـ­ة. أمــا حــول مـا هي الحاجة لبوريس فكانت وما زالت الوصول للسلطة والـقـيـاد­ة، أكــان ذلـك فـي كلية «إيتون» حيث تابع دراسته الثانوية أو في قيادة نقابة الطلاب في جامعة أكسفورد حيث تخصص في دراسته الجامعية، أو في عمله في بريطانيا كصحافي متابع للشؤون الأوروبية، أو كنائب في حزب المحـافـظـ­ن نجـح فـي إقـصـاء منافسيه والوصول إلى رئاسة الحكومة، وما زال في هذا المنصب.

يعتبر بوير ان بوريس ورث كثيراً من المميزات )والأخطاء( المتواجدة والمستمرة في شخصية والــده ستانلي جونسون على الرغم من اختلافهما بالنسبة للانتماء الـبـريـطـ­انـي إلـــى المجـمـوعـ­ة الأوروبــي­ــة والاتحـاد الأوروبـي وتأييدهما للأحزاب البريطانية ومواقفها عموماً. ويبدأ الكتاب بتمهيد يشير فيه الكاتب إلى ان ستانلي جونسون شارك في 19 آب )أغسطس( 2019 في الاحتفال بتنصيب إبنه البكر بوريس زعيماً لحزب المحافظين في مبنى «تشيكرز» (بعد أربعة أسابيع من فوزه( بحجة ان بوريس أقام الاحتفال بمناسبة بلوغ والده التاسعة والسبعين من عمره، ولكن في الواقع كان ستانلي المحب للعظمة يستمتع بقضاء ليلة في ذلك الصرح الرسمي الذي أصبح نجله حامل مفتاحه على الرغم من خلافهما السياسي والشخصي. أي ان ستانلي كان بدوره غير متمسك بالمواقف والخيارات المتحجرة من حيث المبدأ في شتى الشؤون وخصوصاً السياسية منها.

كما ان ستانلي، أقام علاقات مع نساء معجبات بشخصيته خـال زواجــه من والـدة بوريس )واسمها تشارلوت( مما دفع جونسون الأبن )حسب المؤلف( إلى تكرار ممارسات والــده، إذ تزوج بامرأة من عائلة ثرية وهو في أوائل عشريناته، ثم من ثانية بقي متزوجاً بها لخمسة وعشرين عاماً وأنجبت له ثلاثة أولاد، وإسمها مارينا ابنة الصحافي الصديق لبوريس ولوالده، ولكنه أقام علاقة غرامية مع كاري سيموندز خلال زواجه. وكاري ظلت صديقته إلى أن أنجبت منه طفلاً، بعد وصوله إلى منصبه الحالي، فتزوجا مؤخراً. ومع ان نية الكاتب تُطرحُ التساؤلات حولها في وصفه لشخصية ستانلي، والد بوريس، وعلاقاته الغرامية والسياسية وإبـرازه كشخصية متنقلة من حزب إلى آخر ومن امرأة إلى أخرى، فالخلاصة ان ستانلي، شأنه شأن بوريس، كان، بنظر الكاتب، يسعى إلى المـال والمناصب من خلال علاقاته الشخصية والعامة. وهنا يظهر المؤلف منحازاً إلـى حـدٍ كبير، فلا يُظهر أي صفة إيجابية لستانلي سوى روحه الفكاهية وشخصيته المحبذة لإلقاء النكات في المناسبات، وهي صفة اكتسبها بوريس من والده أيضاً ولا يجدها الكاتب دائـمـاً مناسبة لرجل سياسة. علماً أن ستانلي ترشح لمناصب نيابية وعمل لفترة في الاستخبارا­ت البريطانية ولكنه كان ينتقل من منصب إلى آخر بسهولة بعد أن يفقد الحماسة لمثل هذه المناصب. ويشعر القارئ وكـأن بوير وفـي خلاصة كتابه يقول بان بوريس في المرحلة الحالية هو في حالة شبه يائسة إزاء المصاعب التي تتوإلى عليه، وقد يفقد حماسته لمنصب رئاسة الوزراء ويتركه لغيره إذا استمرت أزمة كورونا بفرض خيارات عليه لا يرغب بان يختارها فيما هو يسعى إلى عودة بريطانيا إلى حياتها الطبيعية اقتصادياً واجتماعياً.

غير ان بوير يُخطئ، بالقول إن من يريد ان يفهم بوريس جونسون عليه ان يتعمق في دراسة علاقته بوالده. ولعل الفصول التي يتحدث فيها المؤلف عن قدرة بوريس وشقيقته راشيل وشقيقيه الآخرين على تحمل الصعوبات العائلية والشخصية والتنقل من بلد إلى آخر بسبب وظائف والده وخلافات والديهما قد تكون شكلت جانباً إيجابياً ومنحت رئيس الحكومة الـبـريـطـ­انـي صـفـة الـصـمـود فــي وجـه الصعوبات في مواجهة كورونا الذي كاد ان يودي بحياته. وهذا جانب لم يركز عليه المؤلف كفايةً.

وهـنـاك مقطع فـي الفصل الأول من المفيد الإشارة إليه وذكره بوريس في أكثر من مناسبة وهو أن جدّه الأكبر من أصل عثماني ـ تركي وانه كان أحد المعارضين لسياسة القائد العلماني التركي مصطفى كمال أتاتورك.

والمقطع كما ورد في الصفحة الرابعة من الفصل الأول هو التالي: «ان جد والد بـوريـس كــان اسـمـه علي كـمـال، وكـان صحافياً تركياً شجاعاً معارضاً للدولة العثمانية في أزمانها الفاسدة الأخيرة. وبعد سقوط الإمبراطور­ية العثمانية، عام 1918 تم تعيين كمال وزيراً للداخلية، ولكنه كان خصماً لمصطفى كمال اتاتورك، فاستقال وعــاد إلـى الصحافة وتـرأس تحرير منشورة معارضة لاتاتورك. وفي تشرين الثاني )نوفمبر( 1922 تم اختطافه من قبل خصومه وشنقه بقساوة وتعليقه على شجرة. غير ان ابنه عاش مع جدته البريطانية في بريطانيا، علماً ان الأم كانت تحمل جنسية بريطانية ـ سويسرية. وكانت قد أنجبت طفلاً لعلي كمال في مستشفى بريطاني في بورنموث وتوفيت بعد انجابه فعاش مع جدته من والدته مارغريت جونسون )المسيحية الانتماء( التي تبنت حفيدها. ومن هناك أصبح اسم الطفل: ويلفرد جوني جونسون. وتوجه ويلفرد في شبابه إلى سويسرا ثم مصر حيث بقي حتى عام 1932. وهناك تزوج بأمرأة إنكليزية اسمها ايرين ويليامز، كان والدها غنياً ووالدتها من عائلة فرنسية مـن النبلاء تابعة لـلـبـارون دي فيفيل وأنجبا ستانلي، والــد بـوريـس» (ص 4 و5(. وقد أُطلِقَ على بوريس عندما ولد في التاسع عشر من حزيران )يونيو( 1964 في نيويورك اسم اليكسندر بوريس دي فيفيل.

غير ان الأصدقاء في كلية إيتون في بريطانيا أعادوا إطلاق اسم بوريس على رئيس الــوزراء البريطاني الحالي، وذلك على الرغم من ان والـده كان يسعى إلى إعطاء ابنه أصــاً نبيلاً بسبب اكتراثه بــالأصــو­ل الـعـريـقـ­ة والـــثـــ­روة )حسب المؤلف(.

لعل هــذه التفاصيل ليست شديدة الأهمية للكثيرين مـن الــقــراء، إلا أنها تلخص احدى سلبيات الحياة الاجتماعية والسياسية في بريطانيا التي تناولها الكاتب والأســتــ­اذ الــراحــل فـي جامعة ساسكس البريطانية توم توتومور في كتابه «النخب الاجتماعية والمجتمع» الذي كتبه أواخر ستينيات القرن الماضي وهو أن أشخاصاً على شاكلة ستانلي جونسون

وابنه بوريس ينجحون في التنقل من منصب هام إلى آخر بشكل رئيسي بسبب أصولهم الاجتماعية وزواجاتهم وإرسال أبنائهم إلى كليات كـ»إيتون» و«هـارو» ثم «أكسفورد» و«كيمبردج» وبعد ذلك يصبح الآباء والأبناء رؤساء وزراء ووزراء خارجية يتخذون قرارات مصيرية بشأن سياسات بريطانيا الداخلية والخارجية. وبين هؤلاء مارك سايكس الذي وضع هو وفرنسوا جورج بيكو اتفاقية «سايكس بيكو» بشأن التقسيم الجغرافي لمنطقة الــشــرق الأوســـط بعد الحـــرب العالمية الأولى، وآرثر بلفور وزير الخارجية الذي قــدّمَ للورد روتشيلد «وعـد بلفور» على طبق من فضة والذي وعدت فيه بريطانيا بإنشاء دولـة صهيونية ـ إسرائيلية في فلسطين. ثم يرسل هؤلاء أولادهم إلى هذه الكليات والمعاهد النخبوية نفسها ويعيد التاريخ نفسه.

مــارك سايكس رسـم خريطة الشرق الأوسط أمام وزراء بريطانيين من خريجي هـذه الكليات والمعاهد، وتمـت الموافقة عليها. ويذكر أنه من السهل دخول الأبناء والأحفاد إلى هذه المــدارس والجامعات «المتفوقة» على غيرها والتي تحضّر الأبناء من جيل إلى آخر لتسلم المناصب المصيرية بالنسبة لبريطانيا والعالم كما يقول بوتومور ويؤكده بوير في الكتاب.

ستانلي جونسون، تأكد برغم ميوله الأنـانـيـ­ة الشخصية بــان ابـنـه بوريس سيدخل هـذه المعاهد النخبوية، وتابع تدرجه فيها وبالتالي أمّـن له ان يحظى بمنصب قيادي في بريطانيا.

وكــذلــك يفعل قــيــاديـ­ـون أمريكيون بالنسبة لأبنائهم ودخولهم إلى جامعات «هارفرد» و«برينستون» و«إم أي تي». وبين هؤلاء «المختارين» جورج بوش الابن المـعـروف بانجازاته )الخــارقــ­ة( والـذي تخرج من جامعة هارفرد.

ولعل هـذا السرد للوقائع من أهـم ما يتميز به كتاب توم بوير، فالقارئ يشعر ومن خلال قراءة فصوله المختلفة بان بوير يفهم هذه القضية الاجتماعية­ـالإنسانية في المجتمعات الغربية فهماً عميقاً ولعله مر فيها ولذلك يفهمها أكثر من غيره.

الانتفاضات الأخــيــر­ة فـي بريطانيا الشاجبة للتنكيل بالشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرضه وللمعاملة السيئة من الـدول الغربية الاستعماري­ة لشعوب آسيا وأفريقيا، تفهم بـدورهـا خطورة النخبوية والعنصرية المتمثلة بقيادات العالم، خصوصاً في العالم الغربي وفي بعض دول العالم الثالث والشرق الأوسط التابعة له، وبأن القضايا الأساسية لن تعالج بجدية وفعالية من قبل قادة يسعون قبل أي شيء للوصول إلى السلطة والبقاء فيها إلى أطول حد ممكن وتكديس الأموال. وفي هذا المجال يطرح كتاب بوير قضية جديرة بالمتابعة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom