Al-Quds Al-Arabi

الناقد الفني المغربي بوجمعة العوفي: التراجع في جودة العمل الفني سمة مهيمنة عربيا والمغرب جزء من هذه البنية المهلهلة

- الرباط ـ «القدس العربي»: عبد العزيز بنعبو

مع كثرة التفاهة في المشهد الفني، وتوالي رحيل جيل أسس للزمن الجميل في المشهد الغنائي والسينمائي والدرامي والمسرحي المغربي والعربي، تتوإلى دعوات نقاد الفن إلى إعادة بعض الاعتبار للجودة والإبداعية، من خلال مكافحة الــرداءة وعـدم تشجيع التفاهة خاصة تلك التي باتت مستشرية في مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات أخرى مثل يوتيوب.

«الــقــدس الـعـربـي» التقت نـاقـدا فنيا مغربيا من الأقــام الرصينة التي تحاول جهد استطاعتها تسليط الضوء على كل ما هو جميل وتقويم اعوجاج ما يحتاج إلى ذلك، وطبعا انتقاد كل ما يسيء إلى تراكم الإنتاجات الفنية المغربية والعربية الأصيلة والجيدة والمتميزة.

بوجمعة العوفي الذي يزاوج بين انكبابه على مجال النقد الفني والإبـداع في مجال القصيدة، هو من الأصوات الشعرية المغربية المميزة، في حــواره مع «القدس العربي» توقف عند الزمن الفني الجميل، وتعويض الجيل الراحل من رواده، كما تحـدث عن الجائحة وتداعياتها على المشهد الفني، ولم يغفل تأمل واقع حال المسرح، كما سبر أغوار الأغنية وما تعيشه من تراجع بات هو السمة الأســاس لها في وقـت غابت فيه الجدية والجودة وسطعت أضواء أخرى لها علاقة بنسب المشاهدة وكثرة «اللايكات».

○ نبدأ من حيث النهاية، نهاية أسماء بارزة فــي الميدان الفني رحلت عن دنيانا، آخرهم الفنان عبد المنعــم الجامعي، أمام هذه الخســارات، نســألك كناقد ومتتبع للمشــهد الفنــي المغربي، هــل هناك من يســتطيع تعويض مثل هــذا الفقدان من الجيل الحالي؟

• بـالـنـسـب­ـة لبعض المجـــالا­ت الـــفـــن­ـــيـــة، طـبـعـا هناك إحساس أو شبه اعتقاد عـام، وخـــصـــو­صـــا فـي مـجـالات الموسيقى والـغـنـاء والسينما العربية، بــأن هناك «زمــنــا فنيا جميلا» قد ولّـى واختفى الآن داخل هذه الفنون، وتم تعويضه بإنتاجات وأســـــمـ­ــــاء لــــم تـعـد إنتاجاتها الفنية ترقى، بـل تستجيب، إلـى ذلك الذوق الفني الرفيع الذي كـان سائدا في الماضي، بفعل التغيرات المهولة التي عرفتها مجلات وطبيعة الإنتاج الفني والتلقي على حد سواء، بحيث تم تسييد أشكال جديدة من الذوق أو التذوق الفني، تطبعه البساطة والاختزال وسرعة الاستهلاك، بل حتى السطحية والإسفاف والرداءة في غالب الأحيان.

أما مسألة «تعويض» ذلك الجيل السابق

والمميز من الفنانين، فالأمر يظل نسبيا في نظري، حتى أننا ربما لا يمكننا الحديث عن «تعويض» بالمعنى الحرفي للكلمة؛ على اعتبار أن جميع الإبــداعـ­ـات والإنجـــا­زات والتجارب الجـديـدة والمعاصرة والآنية، سـواء كانت في الفن وغير الفن، لا تقوم بتعويض مـا مضى، بـل تشكل نوعا من الامتداد والإضافة أو التطور والتجديد لما سبقها من تراكم، بغض النظر عن طبيعة وجودة ونوعية هذه الإبداعات والإنتاجات الجديدة والحالية.

○ خــال الجائحة توالــت النداءات المطالبة بفتح المســارح، والآن وبعد قرار إعادة الروح إلى الخشــبات، هل سنعيد المشهد نفسه، بمســرح لا إقبال جماهيري عليه، أم أن الأمر يجب أن يخرج من دائرة النخبة الضيقة؟

• الجائحة كانت تجربة مـريـرة بكل المقاييس عاشتها البشرية بكاملها في آخر المطاف، وقامت الجائحة بإغلاق كوكبنا الأخضر بشكل غير مسبوق، يكاد يكون تاما ونهائيا. وكان الفنانون والمشتغلون بالمهن الفنية وما جاورها من القطاعات ذات الصلة )قطاع الحفلات على سبيل المثال لا الحصر( من أكبر الفئات المتضررة من هذا الإغلاق الـذي سببته الجائحة، والمسرح، بطبيعة الحـال، هو جزء من هذا المستهلَك الفني، ومصدر رزق أيضا للعديد من الناس. لذلك أعتقد بأن الإقبال على المسارح والخشبات لن يتغير كثيرا، بل قد يتضاعف هذا الإقبال على العروض المسرحية، خصوصا وأن الجمهور يحتاج إلـى هـذا النوع من المتعة الفنية والتنفيس الـــذي يمنحه العرض المسرحي، كفرجة وكطقس واحتفال في نفس الوقت.

○ في رأيك، أين يكمن مشــكل الإبداع المسرحيفي المغــرب،هلفي المبدع أم المتلقي؟ • عــــــرف الإبداع المسرحي فــــي المـــغـــ­رب، فــــــي أغـــلـــب إنـــتـــا­جـــاتـــه، ومنذ سنوات لـــــيـــ­ــســـــت بــالــقــ­لــيــلــة، تــــراجــ­ــعــــا مــلــحــو­ظــا وكبيرا على مــســتــو­ى الجـــــود­ة، ســـــــــ­واء تـــعـــلـ­ــق الأمــــــ­ــر بـالـنـص ) التأليف للمسرح( أو العرض )الإخراج المسرحي على وجه الخصوص(. إذ يشكو هذا المسرح فعلا )مع بعض الاستثناءا­ت( من غياب مؤلفين مسرحيين موهوبين ومحترفين ومتمكنين من مهنة التأليف المسرحي، مثلما كان الحال عليه فيما يمكن نعتُه بـ «الحقبة الذهبية» للمسرح المـغـربـي، ســواء مـا كــان يُعرف

بتجربة «مسرح الهواة» أو بعض التجارب الواعية والمضيئة في المسرح الاحترافي المغربي )تجربة الطيب الصديقي على سبيل المثال(. ولو أن المشهد المسرحي المغربي يتوفر الآن على كفاءات وطاقات عالية من الممثلين والتقنيين والسينوغرا­فيين، إلا أن هذه الطاقات تجد نفسها في الغالب أمام نصوص مسرحية ضعيفة البناء الدرامي ومخرجين بدون رؤى فنية حقيقية، بل حتى عديمي الموهبة أحيانا.

أما بخصوص سؤالكم الهام والإشكالي: أيــن يكمن مشكل الإبـــداع المسرحي في المغرب، هل في المبدع أم المتلقي؟ فالمسألة، في نظري، مترابطة ومتشابكة الأسباب. إذ تكاد تكون هذه العلاقة بين الإبداع والتلقي علاقة جدلية بامتياز، إذ يكون التلقي والارتقاء بالذوق الفني شديد الارتباط بما يتم إبداعه وإنتاجه في المشهد المسرحي المغربي. فكلما ارتفعتْ جودة الإبداع الفني ارتقتْ كذلك الذائقة الفنية وأشكال التلقي لهذا الإبداع الفني، والعكس صحيح في ذلك تماما. وهذا ينطبق، بشكل عام، على جميع أشكال التعبير الفني، سواء كان مسرحا أو موسيقى أو سينما أو دراما تلفزيونية أو فنون بصرية أو غيرها من أشكال التعبير الفني.

بالنسبة للغناء ليس الحال أفضل منه بالنسبة للمسرح، كلاهما يعيشان التراجع، الفرق أن الأغنية تعيش تراجع القيمة الفنية والإقبال الجماهيري، بينما المسرح يعيش النقيض تماما.

○ هــل من وصفــة لمغــادرة المنطقة الرمادية وإعطاء الجمهــور إبداعا ممتعا ومفيدا وبجودة فنية عالية؟

• التراجع في جودة العمل الفني بشكل عـام، هي السمة الطاغية أو المهيمنة الآن على ما يتم إنتاجه في مجالات الموسيقى والمـسـرح والسينما على مستوى العالم العربي. والمغرب جزء من هذه البنية المهلهلة التي أصبحت محكومة بالسطحية والرداءة وضعف الإبداع الفني. وقد ساهم في ذلك «منطق» الربح المادي والتجاري لشركات ومؤسسات الإنتاج الفني في هذه المجالات، وشهدتْ هذه الساحات أو المشاهد غياب الأعمال الفنية الجــادة، انطلاقا من رداءة النصوص )سواء بالنسبة لكلمات الأغاني، أو النصوص المسرحية أو الـقـصـص والـسـيـنـ­اريـو المخــــــ­صــــــص للأفلام والدراما الـتـلـفـز­يـونـيـة( وصــــــــ­ولا إلـــى غــيــاب الملحنين والمخـــــ­ــرجــــــ­ـن المـوهـوبـ­ن مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك في هذا الحوار. أصـبـح المشتغلون بهذه المجالات الفنية يسعون إلــى الربح فقط ويتنافسون على الرداءة إن صح القول؟ أمـا من حيث إمكانية اقتراح أو وجـود «وصفة سحرية» قادرة على إخراج هذه الفنون من ضحالتها، فالأمر مرتبط، في نظري، بحجم ونوعية الوعي والــذوق الـذي ينبغي أن يمتلكه الجمهور والمتلقي ومَـن يستهلك هذا الُمنتَج الفني، حينها يكون بوسع هذا الجمهور أو المتلقي أن يعمل على رفض كل ما هو ضحل ورديء، ويطالب بمستويات أعمق وأكثر جودة لما يتم تقديمه له كماد فنية للاستهلاك. أصبحت الأجــيــا­ل الجــديــد­ة مـن حـقـوق الإنـسـان، تتجاوز في شكلها ومضمونها المطالب والحقوق «الخُبْزية»، إلى الحق في جودة المادة الفنية المقدمة له. وهذا حق أساسي أيضا، على الجمهور والمتلقي أن يطالب به وينتزعه في آخر المطاف.

○ كثيــرا مــا يســأل الجمهور، أمــام هــذا الكــم الهائل من التفاهة والــرداءة إلــى أين نســير، وهو الســؤال الــذي نطرحه عليك؟ • نسير نحو تسييد الــرداءة والـــتـــ­فـــاهـــة وتـــســـط­ـــيـــح الُمـنـتَـج الفني )شـــــــكـ­ــــــا ومــحــتــ­وى( فـــي الكثير مــن أنمـاطـه وتمظهراته ا لتعبير ية

بوجمعة العوفي

في آخـر المطاف، يعني أننا نحو اختزال التعبيرات الفنية وتكييفها حسب منطق العولمة وقوانين الاستهلاك الرقمي التي فرضتها التكنولوجي­ا الحديثة بشكل رهيب. إذ تقلصتْ أيضا لدى المتلقي هذه المساحة من الوقت والصبر لمشاهدة أو الاستماع إلى الأعمال الفنية المغناة في دقائق أو ثوان مـعـدودة. وهـذا ما أصبحنا نـراه ونلمسه على منصات التواصل الاجتماعي، عليك أن تحكي قصتك في بضع ثوان فقط. هكذا غيرتِ التكنولوجي­ا والعوالم الرقمية عادات الإنسان وسلوكاته وأنمـاط عيشه وتلقيه كذلك لما يُبَث أساسا على هذه المنصات.

○ الفنانون غالبا ما يلقون المسؤولية على عاتق الجمهور الذي يشجع الرداءة، والجمهور مــن جهته يتهــم الفنان بعدم الرقي بإبداعاته لتجسيد همومه ومشاكله اليومية، كيف تبدو لك هذه المعادلة؟

• هذه المعادلة صعبة ومتعددة المقاربات كذلك، لا يمكن الجـزم بشكل كلي وقاطع في نصيب أو حجم مسؤولية هذا الطرف او ذاك فيما وصلنا إليه الآن من مستويات غير مسبوقة تتعلق بــرداءة الُمنتَج الفني. المسؤولية متاقسَمة ومشتركة في نظري. والمعادلة ينبغي حلها داخــل هـذا الوعي المـطـلـوب فــي صناعة المحـتـويـ­ات الفنية بشكل عام. ففي غياب معاهد ومؤسسات التكوين الفني، وإصرار التلفزيونا­ت العربية ومنصات البث الرقمي على تقديم الإنتاجات والمحـتـوي­ـات الفنية الـرديـئـة، لـن نتوقع الوصول إلى حلول ممكنة لهذه المعضلة في المدى القريب، وستظل نفس الاتهامات قائمة ومتبادلة بين من ينتج الفن ومن يستهلكه.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom