Al-Quds Al-Arabi

عقب تسليم تقرير المراجعة الدولية لحسابات المصرفين المتوازيين هل يقترب توحيد مصرف ليبيا المركزي؟

- طرابلس ـ «القدس العربي»: نسرين سليمان

يعتبر مصرف ليبيا المركزي من أهم الأصرح الاقتصادية التي تقوم عليها الدولة بأكملها، حيث يتولي إدارة أمـــوال الـدولـة فـضـا عن سياستها النقدية وأسعار الصرف ودخـول وخـروج العملة الصعبة والمحلية إلى البلاد، إضافة لإدارة الاحتياطي العام للنقد الأجنبي .

إلا أن الانقسام الذي ضرب هذه المؤسسة أثر وبطريقة مباشرة على اقتصاد ليبيا بشكل كامل، فحتى هذه اللحظة تمتلك ليبيا مصرفين متوازيين أحدهما في البيضاء في شرق البلاد والآخـر في طرابلس عاصمة ليبيا والذي يعتبر الشرعي والرئيسي. انقسام المصرف تزامن مع الانقسام الذي شهدته الدولة منذ عـام 2014 وخلق توازيا في الــقــرار­ات، وتضخما فـي الدين العام للدولة، فضلا عن عدد من المشاكل الأخرى المتمثلة في زيادة حجم الدين العام، وقيام المصرف المـــوازي بطباعة كمية كبيرة من العملة ما أدى إلى تخفيض قيمة العملة المحلية وزيلدة حجم الكتلة الـنـقـديـ­ة. ورغـــم تـوحـيـد معظم مؤسسات الــدولــة ظـل مصرف ليبيا المركزي منقسما لحساسيته ولكونه يخدم أطـرافـا سياسية وعسكرية قائمة حتى هذه اللحظة وقــد فشلت مــحــاولا­ت توحيده المتمثلة في تغيير متقلدي المناصب السيادية ومحاولة اتخاد مجموعة قــرارات من خلاله مجتمعا، ولم تصل هذه المؤسسة إلى التوحيد الفعلي.

مـــؤخـــر­ا تــصــاعــ­دت الآمــــال باقتراب توحيد المصرف المركزي، عقب تسلم كل من محافظ المصرف المركزي طرابلس الصديق الكبير ونـائـبـه والــــذي عــن عـلـى رأس المــصــرف فــي الـبـيـضـا­ء لتقرير المراجعة الدولية الــذي وضعته وأكملته شركة ديلويت .حيث أنهت الشركة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بشقيه في طرابلس والـبـيـضـ­اء تحــت إشـــراف بعثة الأمم المتحدة، وكان أهم ما كشفه تقرير الشركة أن احتياطيات النقد الأجنبي في ليبيا لم تنخفض منذ كانون الأول/ديسمبر 2014 سوى بنسبة 8 في المئة.

وأحال المبعوث الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم فـي ليبيا، يــان كوبيش، رسمياً التقارير النهائية الخاصة بـالمـراجـ­عـة المـالـيـة الـدولـيـة إلى المجلس الرئاسي ورئيسي فرعي مصرف ليبيا المركزي.

وبغض النظر عـن مـا احتواه الـتـقـريـ­ر إلا ان مــراســم تسليم واستلام شهدت ولأول مرة منذ سنوات إجراء عمليا يمثل توحيدا لمصرف ليبيا المركزي بعد انقسام دام لـسـنـوات، حيث التقى من خلاله طرفا النزاع، وهم محافظ المصرفين المتوازيين شرقا وغربا واحتفلوا بإصدار التقرير الذي وضعت عليه الآمـال ليكون بداية لتوزيع الثروة بالتساوي، والذي كان جزءا من مطالب المواطنين .

وجــاء إعــداد هـذا التقرير بعد طلب من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني سابقا وتفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة .

وقالت بعثة الأمم المتحدة أنها سعت من خلال هذه المراجعة إلى تهيئة الظروف وتقديم توصيات تهدف إلـى توحيد مصرف ليبيا المــركــز­ي وبـالـتـال­ـي تعزيز ثقة الشعب وتحقيق شفافية ونزاهة القطاع المصرفي.

وتــولــت البعثة تيسير هـذه العملية التي شملت استكمال اختصاصات عملية المراجعة مع فرعي المـصـرف وبـهـدف ضمان استقلالية العملية وتطبيق أفضل المــمــار­ســات، تـولـى مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع إدارة عملية الـشـراء التي أسفرت عن اختيار شركة ديلويت كمراجع مستقل للحسابات.

وقــالــت البعثة إن «النتيجة الرئيسية لعملية المراجعة خلصت إلى أن توحيد المصرف لم يعد أمراً موصى به فحسب، بل بات مطلوباً. إذ إن انقسام المـصـرف يتسبب في تعقيد إمكانية الحصول على النقد الأجنبي، وعرقلة الإصلاح النقدي فضلاً عن تقويضه لنزاهة المصارف التجارية والرقابة عليها وقد أسهم هذا الانقسام، مقروناً بعدم وجود ميزانية موحدة، في تراكم الديون على كل من المصرفين

لـتـمـويـل الحــكــوم­ــات السابقة المتعاقبة .»

وقد حمل التقرير في طياته عددا من الإيجابيات رغم عدم قيام البعثة أو الحكومة أو المصرف بنشره علنا، إلا أن البعثة قامت بنشر بعض النقاط الإيجابية والسلبية داعية المصرفين إلى الدخول في نقاشات جدية للتوحيد.

أول الإيجابيات وأبرزها هو أن ليبيا ليس لديها دين أجنبي وأن التراكمات الماضية لاحتياطيات الــعــمــ­ات الأجـنـبـي­ـة مــن خـال مبيعات النفط قد تمت حمايتها إلى حد كبير، ولم تنخفض احتياطيات النقد الأجنبي في ليبيا منذ كانون الأول/ديسمبر 2014 سوى بنسبة 8 في المئة.

كما أن انخفاض الاحتياطي بنسبة 8 في المئة لا يرجع الإ إلى سحب 15 مليار دينار اضطرارا من الحافظة المجنبة في عام 2016 للتخفيف من الخسائر الناجمة عن انخفاض إنتاج النفط. والحافظة المجنبة هي حافظة للأصول يحتفظ بها مـصـرف ليبيا المــركــز­ي في طرابلس للاستخدام في الحالات «الخاصة أو الطارئة» وقد أسهم الحد من الإنفاق والحصول على العملة الأجنبية في المقام الأول في حماية الاحتياطيا­ت الوطنية.

عــدد مـن السلبيات المعروفة حملها هذا التقرير أولها ازديـاد إجمالي كمية العملة المتداولة بشكل كبير فـي الـفـتـرة مـا بين شـهـري أيلول/سبتمبر 2014 وحـــزيـــ­ران/ يونيو 2020 وهي الفترة التي يغطيها التقرير، بسبب لجوء فرع مصرف ليبيا المركزي إلى طباعة الدينار الليبي.

فـوفـقـا لتقرير خــبــراء لـأمم المتحدة الــذي أرســل إلـى مجلس الأمـن الدولي في كانون الأول/ ديـسـمـبـر 2019 سلمت شركة غوزناك الروسية بين عامي 2016 و2018 البنك المركزي الموازي في البيضاء بشرق ليبيا أوراقا نقدية ليبية تعادل قيمتها 7.11 مليارات دولار.

وقال التقرير أن عمليات إغلاق الحـقـول النفطية بشكل متكرر وتسهيلات السحب على المكشوف واقــتــرا­ن ذلــك بعمليات طباعة الدينار بشكل سريع قد تسببت في ضغط على سعر الصرف، مما أدى في النهاية إلى خفض قيمة الدينار الليبي مقابل الـــدولار الأمريكي بأكثر من 300 في المئة بدءاً من 3 كانون الثاني/يناير 2021.

ومن النتائج الأخرى التي خلص إليها التقرير أن ليبيا ما تزال تعتمد اعتماداً كلياً تقريباً على مبيعات النفط كمصدر أساسي لإيراداتها، فخلال الفترة المشمولة بالتقرير بلغ متوسط الدخل من مبيعات المحروقات 84 في المئة من إجمالي الإيــــرا­دات الـعـامـة، بينما بقيت الإيــرادا­ت المحصلة من الضرائب والجمارك محدودة.

كــمــا أن فـــرض رســــوم على العملات الأجنبية بنسبة 183 في المئة منذ شهر أيلول/سبتمبر 2018 كان مصدراً مؤقتاً للإيرادات وتم تعليق هذا الإجــراء إلى أجل غير مسمى في كانون الثاني/يناير

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom