Al-Quds Al-Arabi

غرائب طقوس العيد في أفريقيا والصراع مع كورونا من أجل الاحتفال به

-

نواكشوط ـ «القدس العربي»: عبد الله مولود

عيد الأضحية هو العيد الكبير، وأصله رؤيا إبراهيم الخليل بذبح ولده إسماعيل وقـبـول إسماعيل لأمــر الـــرب ثـم فـداء إسماعيل بذبح عظيم: إنــه عاشر ذي الحجة حيث يكمل الحجاج الوقوف بعرفة ويتحللون من الإحــرام التحلل الأصغر ويـبـدأون معركتهم مع الشيطان برمي الجمرات في منى.

يحتفل بعيد الأضحية في مثل هذا اليوم من كل عام، وتذبح الأضاحي على غرار ما فعل أبو التوحيد إبراهيم عليه السلام.

وإذا كان المسلمون قد احتفلوا بالعيد الكبير في ماضي السنوات وهم مرتاحون، فإنهم يخوضون هذا العام للسنة الثانية معركة كبرى مع كورونا المتوطن والمتقلب والـذي تمنعهم إجراءاته الاحترازية من التمتع بالعيد بالطعم الذي ألفوه؛ فعيد الأضحية هذا العام يصادف رابع موجة لجائحة كورونا المنتشر تحت مسميات «ألــفــا» و«دلــتــا» وربمـــا تحـت مسميات متسلسلة أخرى.

وحتى العيد الكبير وطقوسه المتوارثة منذ الــقــدم، ضربها الـفـيـروس اللعين؛ فـا مـعـايـدات هــذا الـعـام ولا تجمعات استجمامية، وأسعار الخرفان لم تعد كما كانت، فقد أغلاها الفيروس، ولولا أنها من الفرائض لما ضحى أي موريتاني في هذه السنة الشهباء.

رغم وباء كورونا، فلا محيد في المجتمع المـوريـتـ­انـي الـــذي تعيش أســـره خــارج مداخيلها، عن شراء أفخم الثياب وأسمن الخراف بمناسبة العيد الكبير، ولا مناص من مواجهة الأسعار الباهظة في أسواق ينعكس عليها تضخم مزمن.

أما الموظفون الموريتاني­ون، وهم غالبية أصحاب الدخول المنتظمة، فحدث ولا حرج عن معاناتهم، كما أكد ذلك محمد سالم ولد سيدي، وهو معلم مدرسة ابتدائية في تصريح أدلى به لـ «القدس العربي» حيث قـال: «في موريتانيا، الحد الأدنى للراتب لا يتجاوز 4000 أوقية )حوالي 120 دولاراً( ومعلم المدرسة الابتدائية راتبه لا يكفي لإعاشة عياله مدة عشرة أيام، فماذا هو فاعل وقد انضافت لذلك الملابس والأضاحي؟».

لا تقتصر ضغوط العيد على جانب الأضاحي، بل إنها تشمل جانباً آخر هو توفير الملابس الجديدة الراقية لجميع أفراد الأسرة، وهكذا يكون على رب الأسرة أن يعمل لإرضاء أم العيال ولإرضاء الأبناء ولتوفير كبش الأضحية ولو تطلب الأمر أن يبيع نفسه.

ويـرجـع تجــار الأغــنــا­م فـي العاصمة نواكشوط ارتـفـاع أثمان الخـرفـان إلى عـوامـل كثيرة أخـــرى، أهمها أن تجار المـواشـي يفضلون عــرض أغنامهم في أسواق السنغال المجاورة حيث يبيعونها بأثمان غالية وبعملة الإفرنك الأفريقي القوية مقابل العملة الموريتاني­ة.

ويفضل السنغاليون خراف موريتانيا لكونها أضـخـم مــن خــرفــان السنغال الصغيرة وهم يبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها، فقد طلبت السنغال من موريتانيا تزويدها بأكثر من 300 ألف خــروف لتأمين طلبات مواطنيها الذين يعتبرون الأضحية واجباً مقدساً مع أنها مجرد سنة مؤكدة، ومع أنها كذلك مربوطة بقدرة صاحبها على تحمل ثمنها.

وينص المذهب المالكي، وهـو المذهب الفقهي السائد في المغرب العربي وغرب

أفريقيا، ذبح الأضحية من جميع أصناف المواشي المباحة؛ والمجزئ حسب الفقهاء هو من الإبــل، ما أكمل خمس سنوات، ودخـل في السّادسة ومن البقر والماعز ما أكمل سنتين ودخل في الثّالثة، ومن الضأن ما استكمل سنة.

وتتفاوت أسعار الخرفان المجزية في الأضحية بين 7000 أوقية )200 دولار( و10.000 أوقية )280 دولارا( أما الخرفان التي تولى المنمون تربيتها بالتعليف المنزلي والتي تستكمل الشروط الفقهية فسعرها لا يقل عن 150.000 أوقية )416 دولاراً(.

وإذا كـــان المــوريــ­تــانــيــ­ون يشترون أضاحيهم قبل العيد بيوم أو يومين فإن من السنغاليين من يشترون خروفاً صغيراً ويتولون على مدار السنة تربيته بعناية والسهر على تسمينه وربطه داخل المنزل إلى يوم العيد.

ويسود الاعتقاد بأن الكبش المربوط بالمنزل يحفظ أفراد الأسرة من العين لأن سموم عيون الزائرين سيمتصها الخروف عند دخول أي منهم إلى المنزل.

ومن أغرب العادات الأفريقية في عيد الأضحية أن بعض المضحين لا يأكلون يوم العيد سوى المصارين والكروش، أما بقية اللحم فيمنع أكله قبل اليوم التالي للعيد، ولهؤلاء في هذه العادة تجارب كثيرة منها أن الاقتصار على أكل المصارين يوم العيد يورث طول العمر وصحة البدن.

هكذا ستكون أجواء عيد الأضحية في موريتانيا والسنغال، وهكذا يختلط الدين في هذه المناسبة، بالطقوس والتجارب العجيبة والعادات الغريبة، وهكذا يفرض فـيـروس كــورونــا على الجميع إرادتـــه وقانونه ونواميسه.

أمام هذا الواقع المرير يردد الجميع مع أحمد بن الحسين المتنبي قوله «عيد بأية حال عدت يا عيد»؛ بل وقوله أيضا «فَلَيتَ دونَكَ )أيها العيد( بِيداً دونَهَا بِيدُ».

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom