Al-Quds Al-Arabi

وردة الجزائرية مُطربة تاجرت السينما بصوتها وسيرتها

- كمال القاضي

حين لاح نجم الُمطربة الجزائرية وردة في سماء الطرب والغناء إبان قدومها من العاصمة الفرنسية باريس إلى القاهرة، تهافت عليها منتجو السينما لتكون بطلة لعدد من الأفلام الغنائية الرومانسية، باعتبارها وجها جـديـدا يتسم أداؤهـا الغنائي بالصدق وتتمتع بقبول فائق على مستوى الشكل وتـتـمـيـز شخصيتها بـالـهـدوء والـرقـة. لـذا فقد أدرك المعنيون بصناعة السينما مـن المنتجين والمخـرجـن أن الـرهـان عليها لن يكون خاسراً، ولم تكن حسبتهم فــي ذلـــك حسبة تجــاريــة فقط، ولكن كان دافعهم الأول هو إثراء السينما الغنائية والنهوض بها بعد انقضاء فترة التألق لمطربات الجيل السابق، كأم كلثوم وليلى مراد وشادية وغيرهن.

وقد رأى المخرج حلمي رفله في صوت وردة وشخصيتها حضوراً قـويـاً يمكنه مـن صناعة سينما غنائية مختلفة فأسند إليها على الـفـور بطولة فيلم «ألمــظ وعبده الحـامـولـ­ي» أمــام المـطـرب عـادل مـأمـون فـي عــام 1962 وبالفعل قبلت المطربة الشابة آنذاك الدور واغـتـنـمـ­ت الـفـرصـة ، فـصـارت بين عشية وضحاها نجمة ملء السمع والبصر تتردد أخبارها في الصحف والمجـــات، وقــد شجع نجاح الفيلم المخرج نيازي مصطفى فأسند إليها للمرة الثانية بطولة فيلم «أمـيـرة الـعـرب» ومـن دلالة العنوان يمكن استنتاج المستوى الذي وصلت إليه ورده من الثقة والإعجاب لتُوصف بأميرة العرب في ثاني بطولة سينمائية لها. وقد فسر النقاد في حينه هذا الوصف بأنه درجـة ارتقاء مُنحت لنجمة الغناء الشابة في وقت مُبكر من مشوارها الفني ليتم تصعيدها فتُصبح فوق المنافسة فلا يباريها أحد في دورها ومكانتها وموقعها فوق القمة.

وبالفعل وصلت وردة الجزائرية في زمن قياسي إلى مستوى غير مسبوق مــن الـنـجـاح والشهرة فأثار ذلـك أحقاد الغير تجاهها فأطلقوا الشائعات وأحاطوها بالقصص والحــكــا­يــات الُملفقة ليسقطوها عن العرش الذي اعتلته وهي لا تزال في سن صغيرة، ولم تنل الشائعات من سمعة وردة الشخصية ولم تنتقص من قدراتها الفنية ولا ثقتها بنفسها، بل زادتها ثقة وإصرارا على النجاح والنبوغ.

ولأن لعبة السينما تعتمد بقدر كبير على الجانب الدعائي ويستفيد صُناعها بشكل كبير من أي ضجة تُثار حول الفنان، فقد زادت العروض السينمائية على وردة وأصبحت بالنسبة للمنتجين والمخرجين فرصة ثمينة لنجاحهم ونجاح أعمالهم، ولكنها لم تنخدع بهذه الحيل التجارية الانتهازية وبــاتــت تــدقــق فــي مــا يُـعـرض عليها من بطولات لتختار منها ما يُناسبها ويناسب أدائها كمطربة في المقام الأول قبل أن تكون ممثلة.

وبحسب خبراتها وبناءً على تجاربها السابقة رأت وردة أن الأفضل لها هو عدم الإسراف في الجانب السينمائي والتركيز في دورهــا الأصلي كمطربة على أن تأتي السينما في المقام الثاني، لا سيما أنها لا تحتاج لمزيد من الشهرة أو المال، كما أن الشائعات الـتـي لاحقتها فــي تـلـك الفترة جعلتها أكثر تأنياً في تعاملها مع الفرص الُمقدمة لها على طبق من ذهب، ولأنها استفادت من الدرس استطاعت أن تُقنن ظهورها على الشاشة الكبيرة كبطلة للأفلام. إلا أن الدور الذي عُرض عليها في فيلم «صــوت الحــب» مـع الفنان حسن يوسف جعلها تُعيد النظر لأن طبيعة الدور مُغرية بالقبول، فالبطلة ممرضة تربطها علاقة عاطفية بـأحـد أبــنــاء العائلات الارستقراط­ية فتواجه صعوبات ومشكلات في سبيل الاعتراف الـعـائـلـ­ي بـالـعـاقـ­ة العاطفية الاستثنائي­ة، لأن المجتمع يحظر على الممرضة البسيطة الارتباط بأحد أبناء الذوات.

وقد أعجبت ورده بهذه القصة وعمدت إلى قبول الـدور ودخول غمار التجربة المليئة بالتحدي لتغير مــن مـفـهـوم العنصرية والتمييز الذي يحكم على العلاقات العاطفية البريئة بالإعدام بدعوى عدم التكافؤ الاجتماعي، ولعبت المطربة الرقيقة دور الممرضة أمام حسن يوسف وواجهت غرور الأب الأرستقراط­ي عماد حمدي بالصبر واللين والتمسك بالقيم والأخلاق، حتى أثبتت لـه فـسـاد قناعاته الثقافية والاجتماعي­ة فاعترف بحبها لابنه وقبل زواجهما عن طيب خاطر.

وبناءً على ما تقدم من مُعطيات القصة العاطفية السينمائية تغيرت وجهة نظر وردة في مسألة المقاطعة وقبلت في غمرة النجاح الـــذي حققته الـقـيـام بالبطولة أمــام رشــدي أباظة في فيلم «آه يا ليل يا زمن» للمخرج علي رضا في عام 1977 ليتضاعف النجاح وتـــزداد الثقة فـي قــدرة الُمطربة العربية على تجسيد أنماط مختلفة مـن الشخصيات داخـــل الإطــار الرومانسي العاطفي، حيث أن دورهـــا فـي الفيلم المــذكــو­ر كان ميلودراميا إلـى حد مـا، فالبطلة الشابة خرجت من مصر حزينة مُنكسرة بعد قــرار التأميم إبان قـيـام ثـــورة يوليو 52 وسـافـرت إلى باريس لتُكمل حياتها هناك بعيداً عن الأنظار، لكنها صادفت الـرجـل الغامض رشـــدي أباظة الذي ربطتها به علاقة عاطفية على أثر إنقاذه لها من براثن البلطجي صاحب الكباريه عادل أدهم الذي يستغلها ويستغل صوتها في زيادة دخله ويحاول إرغامها على القيام بأعمال منافية لــآداب، ويُعاملها بقسوة لإرغامها على تلبية أوامره.

الفيلم اعتبرته ورده فرصة أخــرى للدفاع عـن حقوق المــرأة المـضـطـهـ­دة الـهـاربـة مــن جحيم الــقــســ­وة والاســتــ­بــداد بحسب السياق الدرامي للأحداث، فضلاً عــن أنــه يمثل مــبــاراة مهمة في الأداء التمثيلي أمـــام اللاعبين الُمحترفين، رشـدي أباظة وعادل أدهم، وبالتأكيد يعد أضافة فنية مهمة لمشوارها السينمائي القصير والمحـــــ­دود، إذ لــم يـــزد مجموع أعمالها على 6 أفلام كان من بينها فيلم آخر مع رشدي أباظة أيضاً بعنوان «حكايتي مـع الـزمـان» وهو تنويع على مأساة الخلاف العائلي ومُشكلات الحب والزواج وهو للمخرجين الكبيرين، حسن الإمام وسمير سيف اللذان حاولا أن يقدما نموذجاً مغايراً لطبيعة الأداء التقليدي للمطربة الكبيرة في أفلامها السابقة، وقد فلحت المحـاولـة بالفعل إذ تم الاهتمام بالجانب الغنائي والاستعراض­ي وتضمين الفكرة الدرامية العامة داخـــل هــذا الإطــــار، وربمـــا ذلك ما أدى إلـى نجـاح الفيلم وخلق تفاعلاً بين البطلة والجمهور الذي تأثر تأثراً بالغاً بالحالة الغنائية الاستعراضي­ة الإنسانية.

وقـد اختتمت وردة التي تحل ذكرى وفاتها هذه الأيام مسيرتها الفنية في عام 1994 بفيلم «ليه يا دنيا» مع النجمين الكبيرين محمود يسن وصـاح السعدني في دور من نفس النوعية التأثيرية، وكانت قد أمضت فترة طويلة من الابتعاد عن الشاشة الكبيرة فكان لظهورها مُجدداً وقعا إيجابيا على جمهورها الذي استقبل الفيلم بحفاوة وأعاد لها ذكـرى الأيــام الجميلة، حيث التألق والنجاح والتواجد الُمكثف على صفحات الجرائد والمجلات واحــتــال مساحات مطولة في البرامج التلفزيوني­ة، لذلك يُعتبر الظهور السينمائي الأخـيـر في فيلم «ليه يا دنيا» هو ختام المسك للنجمة الكبيرة التي احتفظت بمكانتها تحت الضوء حتى الأيام الأخيرة من حياتها وبقيت ذكراها مدعاة لاجترار سيرتها والحديث عـــن انجـــازات­ـــهـــا ونجــاحــا­تــهــا وأفلامها.

 ??  ?? وردة الجزائرية
وردة الجزائرية
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom