Al-Quds Al-Arabi

العالي ولا بردود الفعل ولن أبيع نفسي لأي مشروع مشبوه

-

مشبوه. وهكذا تقدّمت بطلبي المرفق بأغنية «نيترات» التي أنجزتها مع الرابر أسلوب، وقُبلت كما هي. ومع بدء التعاون بتّ أقـدّر عالياً عملهم الإحترافي، ومصداقيتهم. ○ هذا يعني أنك بتّ تملك الشــجاعة في البحث عن الصناديق النظيفة لتقديم مزيد من الأعمال؟

• ليست القضية في الصناديق النظيفة بقدر ما تكمن في تحقيق التوازن لدى الشخص نفسه. لن أترك دعماً وإنتاجاً لأي من أعمالي حين يحقق طموحي. وسأبقى حريصاً على شخصيتي الفنية التي بنيتها بجهد كبير وإنطلاقاً من مبدأ لن يتغير ولن يُعرض يوماً للبيع.

○ قلت أن خروجك من منطقة الدمار بعد تفجير المرفأ اســتغرق بحدود الساعة. مع اقتراب السنوية الأولى لجريمة العصر هل تعافيت من الصدمة؟

• بل تضاعف عيارها. ما تلا التفجير قد يتساوى وقـعـاً معه. كثُر المـتـاجـر­ون بوجع الـنـاس ودمهم، وبالمنازل المدمرة. قبل أن يجفّ الدم بدأ التجار بالبحث عن منازل لشرائها. وصلت الدولة بعد سبعة أيام كنا حينها نكنس الزجاج من الطرقات ونساعد من يحتاج المساعدة. انتظرت الدولة الدعم الخارجي والتمويل، فأهل هذا النظام بكامله يتنفس ويعيش من الأزمات وبشكل رسمي. كذلك هو حال الأحـزاب عندنا التي كانت تنتظر سقوط شهيد، فبذلك مزيد من المال. ○ قلــت أنك كتبت «نيترات» قبــل تفجير المرفأ. كيف تطور التراك لاحقا؟

• لنتناول الموسيقى أولاً والتطور المسجل في هذا التراك. أسلوب فنان مبدع بالأساس، وإيقاع أغنية الــراب، مقسوم على أربعة، لكنه صار مقسوماً على ثلاثة. نعم «نيترات» تطورت تقنياً لجهة الموسيقى، وأسلوب الكتابة. وحجم الغضب والحقد الذي تفجّر بداخلي بعد تفجير المرفأ تـرك سقف الكلام أعلى. وحجم الضغط النفسي الذي حدث بعد التفجير نقل الأغنية إلى مكان آخر. سابقاً كنت أحسب كي لا يُجرح أحدهم من كلمة، وعزفت عن ذلك في «نيترات». في الجُرح أي كان، فهم فجّروا الناس وتركوهم لقدرهم. ○ وهل يكفي وصفهم بـ«عرصات»؟

• بل قليل عليهم. الأيــام تنتظرنا. لم ننته بعد. مكملين. ○ وهل اســتغرق عمل أســلوب على «نيترات» الكثير من الوقت؟

• بل أنجزها بسرعة قياسية. منذ سمع الكلمات بدأ العمل، وبحدود الأسبوع إتصل بي من باريس قائلاً: إسمع. فيما اعتدت أنتظاره لشهر أو شهرين كي ينجز الأغنية. دخلنا معاً مكاناً آخر من التعاون والعمل، كنّا في مرحلة التنين، والآن في مرحلة الأميرة. التنين والأميرة من مخزون ذاكرتي في الطفولة حين كنّا نلعب الأتاري. ○ جعفــر لا يــداري ولا يســتعمل الأقنعــة أو القفّازات. أن تسمي الأمور بأسمائها جرأة أم ماذا؟

• إنـه الموقف. مهدي عامل الـذي ورد اسمه في

إحـدى الأغنيات كان يعمل من أجل الناس، لم يكن يداري أو يخاف فهو من الناس الذين يطمح بمستقبل أفضل لهم. مهدي عامل وباسل الأعرج وجورج عبدالله ومؤخراً نزار بنات، جميعهم ضحوا بحياتهم في سبيل مستقبل أفضل لناسهم وأهلهم، ولهذا ليس لنا العودة إلى الوراء ولو خطوة واحدة والبحث في ما قد يشكله الموقف لآخرين. الموقف أساس في حياة البشر، لا اهتم نهائياً بردود الفعل على سقف الكلام. ولن أبيع نفسي لأي مشروع مشبوه، وبالتالي أعــرّض اسـم جورج عبدالله وباسل الأعرج اللذين أغني لهما لأي تساؤل. ولـن أدخـل في مشروع يخدم العدو. وهـذا فقط ما يشغلني. ○ الرابر المهموم بشــؤون وطنه وأهله وناسه هل يعيش معذباً أم يتآخى مع الهمّ؟

• إذا كنّا بشراً سيشعر أحدنا بالآخر. ويتابع ضاحكاً: أهل البقاع معذبون على الدوام فهم يُطربون حزين. يداهمنا الهم منذ الطفولة مع سماع نغمات أسماء الطوائف والمذاهب، والعجز بالإنفكاك عن هذا القدر الذي نجح النظام اللبناني منذ تكوينه في تغذيته. ومن ثمّ تبدأ الطوائف بكمش الأطفال دينياً، وتلاحقهم إلى الجامعة حيث تنتشر الأحــزاب. إنها ألعاب هذا النظام بقبحه الظاهر والمخفي. ○ ومــاذا أختــرت فــي مقابــل هــذه النمطية المفروضة؟

• أن لا أكون في أي من العلب. خرجت من العلبة التي وضعت تلقائياً فيها بحكم الإنتماء العائلي والمناطقي. واهتم بإصرار أن تتربى بنتاي على الدرب نفسه، وهذا بحد ذاته انتصار في لبنان. ○ ما الذي يفرحك؟

• قد تفرحني ضحكة أحدهم. الفرح غير مُكلف لكننا لا نشعر به. فهل يُعقل أن يشعر أحدنا بالفرح عندما «يفول» بنزين؟ وأن يفرح لغسل وجهه من ماء الحنفية؟ مفهوم الفرح لا يوضع في ميزان الأسعار، يكفي أن يكون أحدنا إنساناً يشعر بمن يراه أمامه، أو بذاك الذي يتقاسم الحياة معه. ○ لم أر صورة لك مع ابتسامة بل الجبين مقطب والشرود مسيطر وخلال الغناء. هل من بتفسير؟

• العقدة تحتاج إلى فك، وهي ترافقني حتى خلال الكتابة. أظن أن مكمن تلك «العبسة» أني أغني كلاماً أفكر به ملياً وأشعره. لست محترفاً في السيطرة على تعابير وجهي، وداخلي ينطبع سريعاً عليه. أحاول تدريب نفسي للسيطرة على تلك التعابير، وفي أعماقي أتمنى الفشل لنفسي، «هيك أريـــح». متعب تصنع الضحك لأحدهم قصُر الزمن أم طال. ○ كيف قرأت فــي تنوع الجمهور لجهة العمر في حفلة «جنينة لذيذة»؟

• كـان ممتعاً للغاية. وأكــد لي بـأن خياري في الخروج من العلبة صحيح. منذ الصغر نعيش تهديداً بأن لا نكون مثل هذا أو ذاك، وأن لا نقلد هذا الشكل أو ذاك، كمثل التاتو والقرط وما شابه. تلك الفئة من البشر صُنفت نمطياً بأنها بعيدة عن أي موقف سياسي

أو وطني، إنما هذا الحفل ثَبُتَ لي العكس. أنا في الخيار الصحيح، والشخص الذي لا يشبهني في الشكل قريب مني، فهو يحمل مفهوماً موحداً معي لما نعيشه من أزمات. وربما يكون موجوداً أكثر مني على الأرض في تحدي هذا النظام الأبوي، أو في موقفه من الاحتلال الإسرائيلي، أو موقفه من الشعب الفلسطيني أو أي شعب مظلوم آخر. وكذلك موقفه من أي أسير موجود على الكرة الأرضية. مجتمعنا يضع الناس ضمن عُلب، ويسعي لتقسيمه إلى كانتونات على صعيد الحريات البشر الشخصية. ومن يختلف بميوله الجنسية عني ليس عاجزاً عن إتخاذ موقف إنساني. أو عن تكوين موقف سياسي من الاحتلال الإسرائيلي. تنميط البشر ليس مقبولاً وليس عادلاً. ○ الحال أســود من محيط العرب إلى خليجهم هل لاح أمل من «سيف القدس»؟

• بالتأكيد. أعطت الأمـل للجميع، ولي شخصياً وبقدر ما أعطته لأهل غزة. ومن كان يشكوا من حماس قبل المعركة، ووقف معها خلالها، وليس لنا المزايدة عليه، بل نكون معه. لا شك أن تلك المعركة نثرت الأمل في كل فلسطين. نريد كلّ فلسطين لا غزة منفردة أو بحيرة طبريا أو الجليل. 27 ألف و27 كلم مربع والشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج كان يردد هذه المساحة ويقول إن أعطونا المزيد لن نرفض، فنحن فلاحون ونحب الأرض. ○ ســمعتك في حديقة لذيــذة تحيي الصامدين والأبطال في فلسطين. هل هي أغنيات جديدة؟

• فلسطين موجودة معي منذ أغنيتي الأولـى، ولا تزال وكذلك الأسرى. لست في وارد توجيه التحية، بـل هـو تذكير دائــم بقضية هــذا الشعب المغتصبة أرضه والمعتقل شعبه. والإيمان الثابت الذي نعبّر عنه الاحتلال إلى زوال. هذه الثوابت يجب أن نذكرها يومياً كما الصلوات.

○ ماذا عن تعاونك أسلوب رابر برج البراجنة؟

• مجمل أعمالي مع أسلوب، قليل من الأغنيات نفذتها سنة 2012 مع الرابر أحمد من سوريا والمعروف بــال»دوب سناكر». تعاونت معه في مشروعه «خط ثالث» العنوان الناتج عن تصنيفات الناس في سوريا مؤيدي النظام ومعارضيه بعد الثورة وبدء العمليات من قبل «داعش» وجبهة النصرة. نحن لا هذا ولا ذاك، بل في خط ثالث ومع الشعب. وكانت لي أغنيات مشتركة مع يوسف سيوف الشاب الذي لعب على الناي في حفلة لذيذة-مار مخايل. أذاً التجارب معدودة مع يوسف وتجربة يتيمة مع أحمد، وكـل ما تبقى مع أسلوب. ○ كنــت حاضراً فــي كافة ســاحات الانتفاضة الشعبية في لبنان سنة 2019 هل صدمتك النتيجة؟

• قبل أن نتمكن من استيعاب ما جرى «فجّرونا رسمي». نعم شكلت 17 تشرين أملاً لنا جميعنا، وأي نكسة هي جـرح. نعم صُدمت أولاً من كمية التجّار والـــ»عــرصــات» التي كانت معنا فـي الـشـارع فقط للوجاهات. صُدمت لكوننا لم نتعلّم في سنة 2011 من مظاهرات إسقاط النظام الطائفي. ولم نتعلم من مظاهرات «طلعت ريحتكم». صُدمت من حجم الملل الذي نخلقه لذاتنا قبل أن يصدمني أي آخر. والصدمة الأخرى كانت من تصنيف بعضهم للساحات بين نظيفة ووسخة رغم رفعهم لشعار نصرة المظلوم. والصدمة الأكبر إننا لم ننضج بعد ونحن في خوض دائم لمعارك الوعي. ○ هل وصلتك رســائل من سياسيين لبنانيين أو زعماء الطوائف كتعليك على فنك الجريء؟

• والحمد لله لا. ○ هل تعيش من فنك؟

• أتمنى أن يكون لي أستوديو خاص بي، وأن تكُبر إبنتي بقربي وهي تعزف البيانو.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom