Al-Quds Al-Arabi

وبرشلونة يتفادى مرتع العنصرية!

-

لكن توجه برشلونة للأراضي المحتلة ليست خطوة مستغربة، فـالـنـادي الكتالوني يحمل لقب الأعلى مديونية بين أندية العالم، وهو بحاجة ماسّة لضخ المال بأي وسيلة، إذ ما زالـت إدارة النادي الجـديـدة تحــاول معالجة كـوارث الحـالـة الاقتصادية المستعصية الـتـي خلفتها الإدارة السابقة وجائحة كورونا. فبعدما خفضت راتــب نجمها الأول ميسي لأكثر مــن الـنـصـف فــي عـقـده الجـديـد، ورواتب معظم النجوم وبيع عددٍ من اللاعبين، توجه النادي إلى إقامة موسمه التحضيري في الدول التي توفر العائد المــادي الأكبر. فكان الكيان الصهيوني من السبّاقين في دفع المال الأوفر لتنظيم العديد من المشاريع للنادي الكتالوني في الأراضــي المحتلة، بُغية استخدام كـرة القدم واســم الـنـادي لتبيض صورته السوداء أمام العالم.

كانت البداية بإعلان برشلونة عــن إقــامــة مـعـرض تعريفي عن الــنــادي فــي مستوطنة حـولـون جنوب تل أبيب في منتصف الشهر الجاري. تبع ذلك الإعلان عن مباراة «كلاسيكو الأساطير» بين أساطير برشلونة وريــال مدريد في ملعب «بلومفيلد» في تل أبيب بتاريخ 20 الجـــاري. وكانت النهاية في نية إقامة مـبـاراة وديــة مع بيتار في القدس والتي ألغيت تحت الضغط الجــمــاه­ــيــري الفلسطيني قبل الإعلان الرسمي عنها. ورغم إلغاء المباراة بشكلٍ رسمي، إلا أن الأخبار تتحدث عن استمرار المفاوضات بين رئيس النادي الكتالوني خوان لابورتا مع المنسقين من الاحتلال للخروج بالحل الأمثل للطرفين. إذ يمكن إقامة المباراة في تل أبيب مع نادٍ ليس اسرائيلياً على سبيل المــثــال. لكن مهما كـانـت صيغة الاتفاق أو الحل الجديد، فالأعذار ستبقى مرفوضةً رفضاً قاطعاً. فالجائحة طغت بعواقبها على الجميع، والمديونية العالية ترافق جميع الأندية العالمية. فالتعاطي مع الاحـتـال وشـعـارك الأول هو 'أكثر من مجرد نادٍ' هو خيانة لذاتك ولهويتك التي ترافق مشجعيك. إذ لطالما عرفنا أن مدرسة وأكاديمية برشلونة «لاماسيا» والتي أنجبت ثلةً من أعظم لاعبي التاريخ كميسي وتشافي وإنييستا، تعلم الأخلاق والاحــتــ­رام والإنسانية قبل لمس الكرة، وهو ما رأيناه طيلة مسيرة هؤلاء الأساطير. فمن يغلف نفسه بـهـويـة الإنـسـانـ­يـة ويعلمها في منهاجه يجب ألّا يخالف مبادئه ويتعامل مع احتلالٍ غاشم يقتل ويــأســر ويصيب أطــفــالاً أبـريـاء يوماً تلو الآخـر. لكن العالم اليوم مرٌ بطبعه، فالمال يحرق أكبر مبدأ وأكبر هوية. والمؤسف أن الجهود الـتـي بـذلـت لـم تتمكن مـن إقناع برشلونة بإلغاء المعرض وكلاسيكو الأساطير والمباراة الودية بشكلٍ نهائي. إذ يبدو المردود المادي عاليا جـــداً، لـدرجـة أن إدارة برشلونة نـسـيـت مـبـادئـهـ­ا والمـــايـ­ــن من جماهيرها التي تعارض هذا القرار.

لكن لا بد من الثناء على الجهود الجبارة التي بذلت لقتل فكرة إقامة برشلونة مباراةٍ وديـة مع النادي الـــذي يفخر بعنصريته الأعـلـى بالعالم، آملين بضخ كامل الجهود لقطع علاقة النادي بالكيان المحتل قطعاً تـامـاً. فــإن أقيمت المـبـاراة على أراضي العاصمة الفلسطينية المحتلة ومـع هـذا النادي بالذات، ستشكل صاعقة غير مسبوقة على الساحة الرياضية العالمية، ولكانت حركةً في قمة السذاجة مــن الــنــادي الـكـتـالـ­ونـي، إذ كان سيحظى بالمال الذي يريده لفترةٍ وجـيـزة، لكنه سيخرج من قلوب الملايين من الجماهير التي رافقت هوية وشـعـارات النادي الوهمية والكاذبة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom