Al-Quds Al-Arabi

بهجة مؤقتة تسمح بها قوات الاحتلال: في «العيد» يستعيد الفلسطينيو­ن بحرهم المحتل أيضا

- رام الله - «القدس العربي» من سعيد أبو معلا:

يعمل الفلســطين­يون في عيد الأضحى المبارك علــى قاعــدة مفادهــا أن اليــوم الأول للعائلة والأقــارب وصلة الأرحــام، لكن اليــوم الثاني للبحر.

حيث تزدحم الشــواطئ في مدن يافا وحيفا وعكا في فلســطين المحتلة عام 1984 بعشــرات الآلاف من الفلسطينيي­ن القادمين من مدن الضفة الغربية المختلفة عبر فتحات «استثنائية» أتاحت لهم ســهولة المرور من مناطقهم للجزء الآخر من فلسطين التاريخية.

وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات أمنية مشددة على دخول الفلسطينيي­ن للمناطق التي يســمونها «فلســطين 48/ دولة إسرائيل» ومن ضمن ذلــك إقامة جدار الفصــل العنصري فــي 23 يونيو/حزيــران 2002، وفي عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأســبق أرئيل شارون لمنع دخول السكان الفلسطينيي­ن )التي احتلت مدنهم عام 1967( إلى جانب من وطنهــم الذي احتلته إسرائيل عام 1948 .

وكــي تتحكم في حركة الفلســطين­يين وتعزز من ســيطرتها عليهم أقامت مجموعــة كبير من الحواجــز الأمنية )تشــبه المعابر( كمــا أقامت بوابات حديدية يتم مراقبتها بأبراج عســكرية وكاميرات مراقبــة، وهي التي يتــم التحكم من خلالها بأي حركة لمرور الفلســطين­ي من الضفة الغربية إلى فلسطين 48.

لكن الفلســطين­يون يرفضون التسليم بهذه الإجراءات، فينشــطوا بــن الفينــة والأخرى بعمليات شق «فتحات/ منافذ» في مناطق محددة من الجدار وتحديدا تلك التي بنيت باســتخدام الأسلاك الشائكة.

أكثر من 10 مناطق

تشــير المعطيــات التــي جمعتهــا «القدس العربي» أنه ومنذ صبيحة يوم العيد الأول كانت هناك أكثــر من 10 بوابــات أو فتحات كان يمكن للفلسطيني من خلالها الدخول للشق الثاني من وطنهــم المحتل للوصول إلى البحر الذي نادرا ما يزورنه.

أكثــر البوابات التي فتحــت إراديا من قوات الاحتــال أو تم إخلائها «مؤقتا» ويســتخدمه­ا الفلسطينيو­ن كانت في مدينة طولكرم الحدودية )القريبة من البحر( فهناك أربــع بوابات وهي: «بوابــة فرعون» و«زيتــا» و«بســان» و»نزلة عيسى» (منطقة النزلات(.

اما فــي مدينة جنين شــمال الضفــة الغربية فهناك فتحات في: منطقة الجلمة، وفتحة عانين، وفتحة الطيبة، وفتحة سالم أيضا.

أما في مدينة قلقيلية فهناك: بوابة حبلة» وفي رام الله هنــاك فتحة خاصة فــي «حرش مديا» وأخرى فــي منطقة «نعلين» وفــي الخليل هناك فتحة في منطقة الظاهرية.

وبســرعة كبيرة تنتقل بــن المواطنين أنباء المناطق التي تم فتحها من شبان فلسطينيون أو تلك التي تم إخلائها مؤقتا من جنود الاحتلال.

وتختلــف الفتحة عــن البوابة بــأن الأولى هي مســاحة يقوم شــبان بفتحها باســتخدام أدوات محليــة، وهي تعبر عن تحــدي للجنود وللإجراءات الأمنية وتكسر القيود التي تفرض بمنع الدخول، أمــا البوابة فهي مكان يحرســه الجنود ويســتخدمو­نها في الرابط بين المناطق الحدودية على الجهتين.

«فزغة» غير طبيعية

ســناء العمــري، مــن «جيتــارة للرحلات الداخلية» التي تنشــط في شمال الضفة الغربية تقول إن «فزعة حدثت في اليــوم الثاني للعيد، هناك هجرة فلسطينية إلى الفتحات للدخول إلى مدن وبلدات الداخل الفلسطيني المحتل 48».

وتؤكد لـ«القدس العربــي» أن حجم الإقبال على الفتحات أو طلب الانضمام إلى رحلات إلى البحر «مــش طبيعي» ربما «ســاعد بذلك حالة الحرارة الشديدة جدا التي تمر بفلسطين».

وتؤكد العمري أن الفلسطينيو­ن يذهبون إلى يافا وحيفا وعكا، حيث تكون الشــطوط المقصد الأول، كما يزورا أيضا نهر الحاصباني «الكياكم».

وعن تكاليف الرحلات التي تنظمها تشير إلى أن الرحلة ذهابا وإيابا تكلف الشــخص الواحد 160 شــيقلا )ما يعادل 50 دولارا أمريكا( أما من يذهب من دون الاســتعان­ة بشــركة رحلات فقد يتكلف أقل من ذلك المبلغ.

ورغم أن العائلات الفلســطين­ية تجلب معها طعامها بفعل ارتفاع أسعار الحاجات الأساسية، فيما أغلب الزوار يذهبون إلى الشواطئ المجانية، إلا أنها تذهب لأكل السمك من مطاعم عربية».

وتضحــك العمــري مضيفــة: «كــم تكــون الفرحة في هذه المطاعــم عندما يقدم الأكل عمال فلســطينيو­ن من الضفــة الغربيــة «يعني منا وفينا».

بُعد وطني مهم

محمد جــردات، الناشــط الشــبابي ومنظم الرحــات والتجولات الثقافيــة يقول لـ «لقدس العربي» أن «الدخول بطريقة غير قانونية للجزء الأخر من وطننا المحتل أســهل من الحصول على تصريح قانوني، فمع بداية جائحة كورونا أوقف الاحتلال منح تصاريح سياحية، وبالتالي أصبح الدخــول من خــال الفتحات والبوابــا­ت أكثر سهولة ويسر وبلا أزمات خانقة بفعل الحواجز .»

وأكد أن عائلات كثيرة تعتاش من خلال العمل على تنظيم رحلات شــبابية وعائليــة للداخل الفلســطين­ي، وهي عملية تتضاعف في الأعياد

وفترة الصيف، ويســتفيد منها أطراف عدة مثل المنظمين، والفلســطي­نيين المشــتاقي­ن لجزء من وطنهم المحتل، وســائقي الحافــات العرب من مناطــق 48،وأصحاب المطاعــم العربية في مدن يافا وحيفا وعكا.

ويضيف جردات: «ما يميز الأمر أيام العيد أن المواطنين يستطيعون الذهاب بدون التنسيق مع أي أحــد، كل ما يتطلب الأمــر أن تحمل أغراضك وتذهب برفقــة عائلتك أو أصحابــك إلى إحدى الفتحات أو البوابات وهناك ســتجد ســيارات عربية تقلك للجهة التي تريدها. ستجد العشرات مثلك تماما». ويؤكد جردات أن سياسة الاحتلال الإســرائي­لية ذكية، إنها تمارس كل ذلك لمزيد من الســيطرة علينا، إنها تضربنــا بالعصى يوميا لكنها تمد لنا الجزرة كنوع من التنفيس وتخفيف حالة الاحتقان فيما يسمى إحتلاليا تسهيلات.

ويتابع جردات: «مثلا لا تسمح قوات الاحتلال للفلسطيني أن يدخل أرضه لمحتلة عبر الحواجز الرســمية لكنها بذات الوقت تســمح من خلال بوابات وفتحــات جانبية وهي تعلم بوجودها. إنها تبقى لدى الفلســطين­ي إحساسا أنه يفعل أمرا غير قانوني بالنســبة لقوات الاحتلال، هذا أمر يصــرون عليه ويريدون اســتمراره أي أن نشعر أنهم المسيطرون والمتحكمون.»

لكــن مــا لا يدركــه الاحتــال أن ذهــاب الفلسطيني لجزء من وطنه المحتل المحروم منه يعمل بطريقة غير واعية إلى حالة من استعادة فلســطين وحالة من بناء علاقة وطنية جديدة وهو أمــر يتعمق مع الحالــة الوطنية التي نمر فيها خلال الفترة الماضية وحتى اللحظة، حسب جردات.

وبعد أن عجت شبكات التواصل الاجتماعي بصور الشــواء والكعك أخــذت تغص وتفيض بصــور وفيديوهات وبث مباشــر توثق علاقة الفلسطيني مع البحر ومدن فلسطين التاريخية وهو ما يعتبره جردات «بالخير الكثير.»

وتعتبر علاقة الفلســطين­ي مع البحر علاقة معقدة للغاية، ورغــم أن الجغرافيا التاريخية الفلســطين­ية تطل على ثلاثة مســطحات مائية وهــي: البحر الابيض المتوســط مــن الغرب، والميت من الشــرق، والاحمر مــن الجنوب، أي على مســاحة تقدر بـ 12 ميلا حســب الأعراف والمواثيــ­ق الدوليــة إلا أن أكثــر مــن 3 مليون فلسطيني محرومين من بناء أي علاقة مع البحر إلا من خــال الخيال، والحالات النــادرة التي يســمح لهم فيها بالارتماء فيــه أو الذهاب إليه تهريبا وبطريقة غير قانونيــة وهو أمر يحدث كثيرا.

وقبل أن تقوم السياسات الأمنية الاحتلالية ببناء الجدار الاســمنتي العازل كانت مســألة زيارة البحر أكثر سهولة لكن منذ 20 عاما تقريبا أصبح الأمر مغامرة وحلم بالنســبة لجيل كامل من الفلســطين­يين، حيث تحــف المخاطر رحلة زيارة البحر.

الباحــث خالــد حورانــي يصــف علاقــة الفلســطين­يين مع البحر بأنها علاقة استثنائية نتيجة للســلب والنهب بفعــل الاحتلال، وهذا جعل من الحنين للبحر سمة للتعبير عن الوطن.

وأضاف خلال حديثه عن علاقة الفلسطيني بالبحر والمنتج الفني والثقافي في ندوة نظمها المتحف الفلســطين­ي فــي مدينــة رام الله، أنه مــن الطبيعي أن تؤثــر تجربة بحجــم النكبة على الفلســطين­يين وعلاقتهــم بالبحر الذي تم إقصاؤهم عنه فــي الغالب، وان تحدث هزة في الثقافة عموما وطقوســهم المختلفــة وان تتأكل تدريجيــا، وأن تغيب أنماط عيش معينة وتحل محلها بفعل الحرب والتهجير أنماط أخرى.

وتابع قائلا: «للبحر في أحكامه شؤون، وهو ليس فقط لون أزرق مبهــم نراه على الخارطة، وليس فقط خطا متصلا باليابسة، وليس مكان للترويح عن النفس أثناء مشاهدته أو الرحلات اليــه، انما هو حيــاة كاملة، فمثلمــا للبر قوته وتأثيره فللبحر قوة وتأثير أيضا.»

وفــي رأي حوراني فإن فلســطين خســرت علاقتها بالبحر كجزء من خسائرها الكبرى منذ نكبة 1948، فيما المنتجات الثقافية والفنية تعمل على تعويض الخسائر والطموح والتطلع نحو ما نريد عبر الأمل الذي يســكن المنتجات الفنية والثقافية في اســتعادة البحر. لكن للمواطنين البســطاء والعاديين طريقتهم الخاصة في هذه الاستعادة والتي يكون مدخلها التمسك ببهجة العيد والتغلب على جنون الشمس.

 ??  ?? فلسطينيون يستمتعون بالبحر
فلسطينيون يستمتعون بالبحر

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom