Al-Quds Al-Arabi

إثيوبيا: مستعدون لاستئناف مفاوضات سدّ النهضة حين تدعو لها قيادة الاتحاد الافريقي

انخفاض متوقع لرقعة الأراضي الزراعية في صعيد مصر بنسبة 29.47٪

- القاهرة ـ «القدس العربي» من تامر هنداوي:

ما بــن رســائل الطمأنــة والاتهامــ­ات لمصر والســودان بعرقلــة التوصــل لاتفــاق مرحلي بشأن ســد النهضة، جاءت تصريحات المسؤولين الإثيوبيين بمناســبة اكتمال المــلء الثاني لخزان السد، فيما تمسكت مصر بضرورة التوصل لاتفاق ملزم، معتبــرة أن أديس أبابا تخدع شــعبها بعد أن فشــلت في إتمام الملء الثاني، كما كان مخططا لــه، واكتفت بحجز 3 مليارات متر مكعب من المياه بدلا من 13 مليارا ونصف مليار متر مكعب، بسبب تأخر الإنشاءات في السد.

المتحدث الرسمي باســم الخارجية الإثيوبية، الســفير دينا مفتي، قال أمــس الخميس إن بلاده أنهت الملء الثاني لسد النهضة بنجاح قبل الموعد المحدد له.

وأضاف فــي تصريحــات نشــرتها الصفحة الرســمية لــوزارة الخارجيــة الإثيوبيــ­ة على «فيســبوك» أن «الإثيوبيــ­ن لا يحتفلــون لأنهم يملأون الســد وإنمــا لإظهار أن الحقيقة ســادت للعالم كله».

وزاد: «الحقيقــة هــي أن ملء الســد لن يضر بشــكل كبير ببلدان المصب، والمــلء الثاني أنقذ السودان من الفيضانات المفرطة، ولو كانت مصر والسودان تتفاوضان بحســن نية، لكنا توصلنا إلى اتفاق مربح منذ زمن بعيد».

لكن مفتــي أكد «رفض بــاده التوصل لاتفاق نهائــي» قائــا: «لا نمانع التوصــل لاتفاق مربح بشــأن ســد النهضة حول الملء والتشــغيل لكن لا يمكن أن نوقــع اتفاقا نهائيــا، ولا يوجد اتفاق قانوني شامل ونهائي في العالم».

وزاد أن تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيســي الأخيرة بشأن ســد النهضة إيجابية، قائلاً: «نحن مع التعاون والتنمية المشــتركة التي دعا لها».

وتابع: «اللعبة السياســية لبعــض الفاعلين الدوليين نحــو إثيوبيا تغيرت بعــد إنجاز الملء الثاني لسد النهضة وإجراء الانتخابات، وإنجاز الملء الثاني لســد النهضة غير الكثير من المواقف السياسية للدول نحو إثيوبيا».

مفاوضات الاتحاد الأفريقي

واختتــم مفتــي تصريحاتــه: «مســتعدون لاستئناف المفاوضات بشأن ســد النهضة في أي وقت تدعو لها قيادة الاتحاد الأفريقي».

وكان السيسي قال في خطاب الخميس الماضي، إن «مخاوف المصريين بشأن أزمة المياه مشروعة، وأكدنا على ضرورة عدم المساس بحصة مصر من المياه».

وتابع: «أكدنا دائما اســتعدادن­ا لنقل الخبرات في مشــاريع الكهربــاء والإنتــاج الزراعي لكل أشقائنا في القارة الأفريقية».

وشــدد على أن «تحرك مصر في مجلس الأمن الدولي بشــأن قضية ســد النهضة الإثيوبي جاء لوضع القضية على أجندة المجتمع الدولي» مضيفا أن بلاده «طالبت باتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة».

ويوم الإثنين الماضي، أعلنت أديس أبابا اكتمال الملء الثاني لسد النهضة، وســط رفض القاهرة والخرطوم للخطوة.

في الســياق، وجه رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، رســائل إيجابية لدول المصب في أزمة سد النهضة، مؤكدا أنه لن يؤدي إلى أي ضرر.

وقال: «إلى أخواتــي وإخواني في دول المصب لقد تم الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي العظيم على نهر أباي في العشــرين من شهر يوليو/ تموز الجاري، وكما وعدتكم ســلفا في التاسع من شهر يوليــو الجاري، لقــد قامت إثيوبيا بملء ســدها أثناء موسم الأمطار بحذر وبطريقة مفيدة لنقص الفيضان من دولة المصب المباشرة».

وتابــع: «أود أن أطمئنكم مــرة أخرى بأن هذا الملء ســوف لن يؤدي الى ضــرر لأي من بلداننا، وســيظل ســد النهضة الإثيوبي العظيم مكســبا ورمزا حقيقيا للنمو والتعاون المشترك».

وســبق أن أكد عضو فريق التفاوض الإثيوبي في سد النهضة، يلما سيليشــيل، أن الملء الثاني لســد النهضة أزال كل الالتباســ­ات التي أثارتها مصر والسودان فيما يتعلق بتأثير السد على دول المصب.

وأضاف أن اســتكمال المرحلة الثانية من ملء الســد هو فصل كبير لتحقيق الأهــداف النهائية للمشــروع، لافتا إلى أن الجولــة الثانية من ملء الســد إنجاز كبير، ولها دور في إزالة الالتباسات التي أثارها بعض الفاعلين الدوليين ودولتا المصب بأن إثيوبيا لا تستطيع ملء السد بنجاح.

إلى ذلك ســيطرت عناوين فشــل الملء الثاني على تعليقات خبراء المياه المصريين.

نادر نور الدين، خبير الميــاه المصري، قال إن «إثيوبيا فشلت فشلا ذريعا في أمرين هامين خلال عملية المــلء الثاني، دون أن تســتطيع مصارحة شعبها بهما».

وأضــاف أن «إثيوبيا فشــلت فــي تحقيق ما اســتهدفته من الملء الثاني لخزان ســد النهضة بتخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه هذا العام، ثم فشــلت في تحقيق الاختبار الثاني الذي أعلنه وزير المياه والطاقة الإثيوبي باســتهداف تخزين 6.9 مليار متر مكعب، بعد الفشل في تعلية الحاجز الأوســط للســد إلى ارتفاع 30 متــرا، وإعلانهم الوصول به إلــى 13 مترا فقط، ثم تبين عدم صحة هذا الارتفاع حيث لم تستطع إثيوبيا إلا تخزين 3 مليارات متر مكعب فقط هذا العام، بما يعني تعلية الحاجز الأوسط بارتفاع 8 أمتار فقط، وعدم صحة ما تعلنه إثيوبيا من أرقام بهذا الشأن».

«فشل ذريع»

وتابــع: «الفشــل الثانــي الذريع هو فشــل توليد الكهرباء بفشــل عملية تشغيل التوربينين الســفليين للســد، التي تحتاج تخزين 4 مليارات متــر مكعــب فقط مــن المياه لبــدء تشــغيلهما، حيث يقعان على منســوب 542 متــرا، والمطلوب لتشغيلهما الوصول إلى منسوب 560 مترا، ورغم وصول التخزين إلى منسوب 573 مترا بإجمالي 8 مليارات متر مكعب حتى الآن، إلا أن إثيوبيا فشلت في تشــغيل التوربينــ­ن وتوليــد الكهرباء التي وعدت شعبها بها، لمشــاكل في تركيب التوربينين ومشاكل أكبر في إنشاء محطة الكهرباء وكابلات

وشــبكات نقل الكهرباء، فهل يصارح المسؤولون الإثيوبيون شــعبهم بهذا الفشل المزدوج، بدلا من قلب الحقائق والادعاء بنجاح الملء الثاني للسد، على غير الحقيقة ؟».

آثار الملء الثاني

في الموازاة، أعدت مؤسســة «ماعت» للســام والتنمية دراسة عن آثار الملء الثاني لسد النهضة على دول حوض النيل، وذلك على هامش مشاركة المؤسســة في المنتدى السياســي رفيع المستوى .2021

وتناولت الدراسة مخاطر للسد الإثيوبي على مصر والســودان، مؤكدة أن «بناء ســد النهضة كمشــروع تنموي قــد لاقى ترحيــب كل من مصر والســودان، باعتبار أن لكل دولة الحق في تنمية مواردها، ولكن شرط عدم الإضرار بمصالح باقي الدول، الأمــر الذي يتفق مــع المواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة».

وأضافــت أنه «بنــاء على ذلك وقعــت الدول الثــاث اتفــاق مبادئ فــي مــارس/آذار 2015، كرغبة صادقة من مصر والسودان لدعم المشروع الإثيوبي في حالــة ضمان عدم المســاس بالأمن المائي لهذه الدول، وبما لا يتسبب في أي أضرار».

وأشارت إلى أنه «بعد اقتراب إثيوبيا من إكمال بناء الســد، ظهرت نوايا أخــرى مغايرة للاتفاق

إثيوبيون يحتفلون بالملء الثاني لسد النهضة الثلاثي، بشكل يهدد دولتي المصب على مستويات عدة، خاصة مــا يتعلق برفــض إثيوبيا التوقيع على اتفاق ملزم بشأن الحفاظ على حصص مصر والســودان من المياه، وكذلك الاتفاق على قواعد ملء وتشــغيل الســد، الأمر الذي قد يتسبب في كوارث غير محدودة على دولتي المصب.»

شحّ مائي

وأضافت أن «هناك العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعي­ــة والأمنية التي قــد تؤثر على الأمن والسلم الإقليميين، ويأتي منها تأثير سد النهضة على الزراعة، فتعاني مصر بعيدا عن سد النهضة من فقر مائي، حيث تحصل ســنويا على حصتها المحددة باتفاقية 1959 بينها وبين الســودان على نحو 55.5 مليار متر مكعب، وهي النســبة التي لم تتغير رغم زيادة عدد الســكان بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى وجود عجز مائي لمصر يبلغ 22 مليار متر مكعب ســنويا، وهو ما يمثل حوالى 40٪ من حصتها المقررة».

وحسب الدراســة: «انخفض نصيب الفرد في مصر إلى ما يقرب من 625 مترا مكعبا ســنويا من المياه العذبة المتجددة بعد أن وصل تعداد السكان إلــى 100 مليون نســمة في عام 2017 والمرشــح للزيــادة، وهــو انخفاض دون حد الشــح المائي والذي يقدر حسب المؤشرات العالمية بحوالى ألف

متر مكعب سنويا».

وأكدت أن « القطاع الزراعي يعد أحد أهم موارد الاقتصاد المصري، حيث يساهم في نحو 15٪ من إجمالي الناتج المحلــي الإجمالي، وحوالى 20٪ من الصــادرات، كمــا يعمل بالزراعــة 30٪ من إجمالي قوة العمل المصريــة، ويعيش في الريف نحو 60٪ من السكان. وتســتورد مصر سنويا منتجات زراعية لتغطية حاجة الســكان الغذائية بنحــو 90 مليار جنيه ســنويا» مضيفة أنه «وفقا لبعض الدراســات، ســيؤدي ســد النهضة إلى انخفاض رقعة الأراضي الزراعية في صعيد مصر بنسبة 29.47٪، وفي الدلتا بنسبة 23.03٪».

وتابعــت: «يعمل بقطــاع الزراعــة أكثر من 6 ملايين شــخص، وســيؤدي انخفاض مليار متر مكعــب فقط من حصة مصر المائيــة إلى تأثر نحو 200 ألف أســرة، وبالتالي في حالة استمرار الملء الأحادي لإثيوبيا، من المتوقع أن تخسر مصر نحو 10 مليــارات متر مكعب، الأمر الــذي يعني تضرر نحو مليوني أسرة مصرية «.

وزادت الدراسة: سيمنع ســد النهضة وصول طمي النيل إلــى الأراضي الســوداني­ة، مما يهدد بتراجــع جــودة تربــة الأراضي الزراعيــة، كما سيؤثر سد النهضة على مدى فاعلية سدي مروي والروصيرص وبالتالــي تقليل تدفقات المياه الى الأراضي الزراعية الســوداني­ة، فضلاعما سوف يتســبب به الســد من وجود برك ومســتنقعا­ت تعيق عملية الزراعة. وتوقعت الدراســة، حدوث فجوة غذائية، خاصة في ظــل التضخم الموجود بالسودان والذي من المتوقع أن تزداد نسبته الى 500 ٪، وما يقارب من 20 مليون نســمة مهددين بالتأثر بتلك الأزمة والدخول في خطر المجاعة.

واختتمت الدراسة: تتعارض إجراءات إثيوبيا في هذا الشــق مــع الاتفاقيات الدوليــة المتعلقة بحمايــة الحق فــي الغــذاء، والذي نــص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته رقم 25، كما تعرقــل الهدف الثاني من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المســتدام­ة والمتعلق بالقضــاء التام على الجوع.

وأثار الســد الذي تشــيده إثيوبيا على النيل الأزرق مخــاوف بشــأن الأمــن المائــي في مصر والســودان اللتين تعتمدان على النيل في توفير احتياجاتهم­ــا المائية. ولجأت مصر والســودان إلى مجلــس الأمن بعد اتخاذ إثيوبيا قرارا أحاديا بالملء الثاني للسد دون التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث بشــأن عمليات الملء والتشغيل، ووصفت إثيوبيــا دخــول الأمم المتحدة على خــط النزاع المزمن حول سد النهضة بـ«غير المفيد .»

ومنذ عــام 2011، تتفاوض مصر والســودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء وتشــغيل سدّ النهضة المعد ليكون أكبر مصدر لتوليد الطاقة الكهرومائي­ة فــي أفريقيا بقدرة تصــل إلى 6500 ميغاوات.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom