Al-Quds Al-Arabi

خليل الزاوية: الحكومة التونسية فقدت صلاحيتها... ولا يمكن تكرار تجربة التوافق بين الغنوشي والسبسي مع سعيّد

«النهضة تسعى للاحتفاظ بالسلطة... والعودة للنظام الرئاسي لن تحل مشكلات البلاد»

- تونس – «القدس العربي» من حسن سلمان:

قال خليل الزاوية، رئيــس حزب التكتل الديمقراطـ­ـي من أجل العمل والحريــات، إن الحكومة التونســية الحالية فقــدت صلاحيتها ولم تعد قادرة على إيجاد حل للمشكلات التي تعاني منها البلاد، ويتوجب عليها الرحيل كي تمكّن الأطراف الأساســية في البلاد من الاتفاق على تشــكيل حكومة جديدة عبر الحوار الوطني الشــامل، منتقــداً مبادرة "الحكومة السياســية" التي اقترحتها حركة النهضة، على اعتبــار أنها محاولة من الحركة للتشبث بالسلطة.

وانتقد الزاوية أداء رئيس البرلمان، راشــد الغنوشي، الذي اعتبر أنه غير موفق، كما اســتبعد حدوث توافق أو "صفقة سياسية" بين الغنوشي والرئيس قيس ســعيّد على غرار ما حدث بين الغنوشــي والباجي قائد السبسي، كما اعتبر أن العودة للنظام الرئاسي لن تحل المشاكل السياسية والاقتصادي­ة التي تعاني منها البلاد، مطالباً بالإسراع في تشكيل المحكمة الدستورية من أجل استكمال المسار الديمقراطي في البلاد.

وقال في حوار خاص مع "القدس العربي": "أداء حكومة هشام المشيشي رديء جــداً وهي حكومة غير قــادرة على اتخاذ القــرارات فيما يخص الجائحة الصحية التي تعيشها البلاد، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا وشــبه انهيار للمنظومة الصحية، وبالتالي هي تتحمل المسؤولية كاملة في البلاد على المســتوى الصحي، كما أنها -على المســتويي­ن الاقتصادي والاجتماعي- لا تملــك أي تصور أو برنامج أو اســتراتيج­ية للتفاوض مــع صندوق النقد الدولي، فهي حكومة فاشــلة على جميع المســتويا­ت، والشعب التونسي ينتظر مغادرة هذه الحكومة، كي تمكّن الحوار الوطني من الانطلاق للوصول إلى نتائج تُخرج تونس من عنق الزجاجة وتمكنها من الانطلاق مجدداً في بناء الدولة الديمقراطي­ة الاجتماعية".

كما رفض المقارنة بين حكومة المشيشي وحكومة إلياس الفخفاخ التي ســبقتها، معتبراً أن حكومة الفخفاخ "عرفت كيف تقاوم الجائحة وكيف تســترجع ثقة المواطنين، وكانت فترة حكم الفخفاخ هي فترة إعادة الأمل لدى المواطنين وجميــع المتدخلين الاقتصاديي­ن وعلى المســتوى الدولي، بينما حكومة المشيشي هي حكومة فاشلة كما أسلفت".

النهضة تتمسك بوقعها في السلطة

وفيما يتعلــق بمبادرة "الحكومة السياســية" التــي اقترحتها حركة النهضــة، قــال الزاوية "عقب فشــل حكومة المشيشــي وانتهــاء فترة صلاحيتها، تحاول حركة النهضــة القيام بلعبة جديدة من أجل المحافظة على موقعها في الســلطة ودورهــا المركزي ومكانة رئيســها على رأس البرلمــان، وبالتالي تفتــح باب التفــاوض لحكومة جديــدة -بوجود المشيشــي أو بمغادرته- أي أنهــا عملية محاصصة ضعيفــة وليس لها جدوى، وخاصة أن حركة النهضة فقدت ثقة جميع الأطراف التي تتعامل معها، لأنها تتعامل بمنطق ميزان القوى والمحافظة على المكاسب الحزبية".

وحول العلاقــة المضطربة حاليــاً بين الرئيس قيس ســعيد ورئيس الحكومة، هشــام المشيشــي، قال الزاوية إن الرئيس سعيد "يتصرف مع حركة النهضة والحكومة الحالية باعتبارهمـ­ـا طرفين خانا الاتفاق الذي وقع بينهما عندما تم تشكيل حكومة المشيشي، فالمشيشي ارتد على رئيس الجمهوريــ­ة، وبالتالي رئيــس الجمهورية رفض تزكيــة الوزراء الجدد لأنه اعتبر أن المشيشــي خان العهدة بينه وبــن الرئيس، فهذا التصرف خليل الزاوية السياســي منتظر من الرئيس ســعيد لأن كل من يخــون العهد لا يمكن التصرف معه إلا بهذه الطريقة".

ووصف أداء رئيس البرلمان راشــد الغنوشــي بأنــه "هزيل جداً على مســتوى البرلمان وهــو جزء أساســي من الصــورة الســيئة للبرلمان والديمقراط­ية التونســية لدى عموم الشعب، فهو لم يتمكن من السيطرة على أعمال العنف منذ انطلاقها داخل البرلمان كما لم يتمكن من إخماد هذه الحملات العنيفة. صحيح أن كتلتي الدســتوري الحــر وائتلاف الكرامة لهما نزعة عنيفــة ورغبة بإحــداث البلبلة في البرلمــان، لكن عدم قدرة الغنوشي على الإمســاك بزمام الأمور وتصرفه وفق منطق المغالبة داخل البرلمان هو ما مكن الكتلتين من التمادي في العنف اللفظي والمادي، كما أن ترؤسه للبرلمان كان خطأ جسيماً بالنسبة له وللبلاد".

وكان الغنوشــي تحدث في وقت سابق عن "توافق جديد" مع الرئيس قيس سعيد على غرار ما حدث مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وهو دفع البعض للحديث عن "صفقة سياسية" محتملة بين الطرفين.

لكن الزاوية اســتبعد هذا الأمر، فـ"رغم أن الغنوشي يبحث عن توافق مع الرئيس ســعيد، لكن علاقــة الثقة بين رئيســي الجمهورية والبرلمان

مفقودة حالياً، ولا أعتقد أنها سترجع على المدى القصير والمتوسط، فهناك تنافر حاد بينهما، ولا أعتقد أن الرئيس سعيد يجرؤ على القيام بصفقات سياسية مثلما فعل الباجي قائد السبسي، فهذا غير مطروح حالياً. قد يقع حوار وطني يــؤدي إلى توافقات عامة يكون رئيــس الجمهورية الفاعل الأساسي فيها، لكن حتى هذا الســيناري­و غير مطروح حالياً، لأن رئيس الجمهوريــ­ة غير مقتنع بالحــوار الوطني الجدي مع أطــراف مثل حركة النهضة".

وكان الرئيس قيس ســعيد وأطراف سياســية أخرى في تونس دعت في عدة مناســبات إلى تعديل الدستور التونســي والقانون الانتخابي في البلاد، علــى اعتبار أن نظام الحكم )برلماني معدّل( هو ســبب الأزمة السياسية القائمة في البلاد، وخاصة مسألة تنازع الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية، كما أن القانون الانتخابي تسبب في فسيفساء حزبية ســاهمت في تشــتت البرلمان وتعطل أعماله بســبب الخلاف المتواصل داخله.

ويرى الزاويــة أنه "لا يمكن النقاش فيما يتعلق بتعديل الدســتور إلا بعد قيام المحكمة الدستورية، فاكتمال النظام الحالي هو أساس الانطلاق

نحو النقاش حول تعديل الدســتور، ولا أعتقد أن مشكلة نظام الحكم هي الإشــكال الأساسي في تونس، وإنما الإشــكال الأساسي هو أن الأطراف السياســية غير قادرة على الاحتــكام إلى العمــل الديمقراطي واحترام الدســتور الحالي، والهدف هو المشــاركة والمحاصصة فــي الحكم بدون احترام للدستور والدفاع عنه، فالمدافعون عن الدستور حالياً هم قلة في تونس، لأن جميع الأطراف تبحث عن السلطة ولا يهمها الدستور، كما أن تعديل الدستور لن يغير الأزمة السياسية والاقتصادي­ة في البلاد، فنظام الحكم ليس هو الحل للمشاكل الاقتصادية التي تعيشها تونس".

ويضيف "تنــازع الصلاحيات بين رئاســتي الجمهوريــ­ة والحكومة لا يمكن حســمه إلا عبر المحكمة الدســتوري­ة، فبالتالي إرســاء المحكمة الدســتوري­ة الآن هو مهمة عاجلة من أجل اســتكمال مؤسســات الدولة الديمقراطي­ة. يبقى أن القانون الانتخابي مطروح للنقاش ومن الضروري تنقيحه فلا يمكن أن نســتمر بقانون انتخابي يفتت المشهد السياسي ولا يمكّن التونسيين من تصعيد حكومة لها أغلبية مستقرة وأطراف سياسية له من القدرة على الحكم وتنفيذ برنامجها الانتخابي".

الحوار والتوافق الوطني

ويؤكــد الزاوية أن النقــاش حول تعديــل الدســتور والقانون الانتخابي "لا يمكــن أن يتم إلا عبــر الحوار والتوافــق الوطني. إذ نلاحــظ الآن في البرلمان وجود محاولة لتعديــل القانون الانتخابي بمنطق المغالبة )الأغلبية والأقلية( وهذا غير ديمقراطي ولا يؤســس لانتخابات قادمة شفافة وديمقراطية ومعترف بها من الشعب، كما أن أغلب الأطراف السياسية ترفض الدخول في حوار وطني من أجل حل هذه الإشــكالي­ات والخروج بتوافق جديد يمكّن من انطلاقة جديدة للمســار الديمقراطي ومن تأســيس نظام ديمقراطي يمكّن البلاد من الخروج من أزمتها، ويفضي لحكومة مســتقرة وبرلمان مستقر ويُنهي الوضع الغوغائي الذي نعيشه".

لكــن الزاوية يرى أن العودة للنظام الرئاســي لن تحل إشــكالية تنازع الصلاحيات بين رئاســتي الجمهورية والحكومة، فـ"في جميع الأنظمة الرئاســية هناك برلمان فاعل ويصادق علــى القوانين ولكن إذا رفض هذا البرلمــان المصادقة على القوانين فلن يســتطيع رئيس الجمهورية فعل أي شــيء، فبالتالي الوضع الحالــي يتطلب حواراً وطنياً شاملاً فيما يخص الوضع السياسي وتنقيح النظام الانتخابي والبت في الصلاحيات وفي الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشــها البــاد، وبالخصــوص أزمــة المالية العموميــة وتمويــل الميزانية والإشكاليا­ت الاجتماعية المطروحة إثر أزمة كورونا التي تسببت في تعطيل الاقتصاد التونسي وخاصة الفترة الحالية التي تشهد تفاقماً في حالات الوفيات والعــدوى داخل المجتمع التونســي وتعطل آلة الإنتاج والاقتصاد بصفة عامة".

وفيما يتعلق بغياب حزب التكتل الديمقراطي -نسبياً- عن المشهد السياســي التونســي، قال: "الحزب لا زال موجوداً ويصدر بيانات ومواقــف وتموقعه واضح، وهو في نقاش مــع الأحزاب الاجتماعية الديمقراطي­ــة القريبــة منه مثل الحــزب الجمهوري وحــزب التيار الديمقراطي وعدد من المســتقلي­ن من أجل تكوين كتلة تاريخية تلتزم بالخــط الديمقراطي الاجتماعي وتدافع عن أهــداف الثورة وتحاول التصدي للتراجع في مكتســبات الشــعب التونسي، وتقديم برنامج إصلاح ذي توجه ديمقراطي اجتماعي يمكّننــا في المرحلة المقبلة من الصعود إلى السلطة".

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom