Al-Quds Al-Arabi

من حقهم القلق

-

المحروسة تتألم

البداية بصحبة الدكتور محمود خليل في "الوطن" الخائف بشدة من المستقبل: أســتطيع أن أتفهم مسألة التبرك بمرور الأنبياء ووجــود الأولياء وأضرحة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فوق أرض مصر، كمسألة نفسية عاطفية، تعكس القيمة الأدبية لبلادنا، لكنني في حال لا أستطيع أن أستوعب مسألة الاستناد إليها كســبب من الأسباب، أو كعلة من العلل التي تحمي مصر من الجوع والعطش، كما ذهب الشيخ أحمد كريمــة في لقاء تلفزيونــي مؤخراً. فقد ســبق وجاعت مصر وعطشت، واضطر أجدادنا إلى أكل القطط والكلاب، بل تروي حكايات التاريخ ما هو أبشــع من ذلك، عندما كان يشــح ماء النيل، وربما تذكر أنني حكيت لك طرفاً من هذه الحكايات من قبل، وكانت حينها تحظى بمقامات الأولياء وآل البيت وعطر النبوة وغير ذلك من أمور. الانتصار في معارك الحياة أساسه التخطيط العقلانــي والتصرفات الواقعية التي تســتجيب لمتطلبات علاج المشــكلة، وغير ذلك من أحاديث تساق للتبرك والتهدئة النفســية وفقط، وليس للفت النظر إليها كوســيلة لمواجهة المشــكلات، لأن هذا الطرح يتصادم مع منطق الدين، بل مع تجارب الأنبياء والأولياء أيضاً، وهي تجارب مجللة في أغلبها بالنضال الواقعي والعقلاني من أجل مواجهة مشكلات الحياة. نبي الله يوسف عليه السلام، واجه الجفاف المحتمل في مصر بالتخطيــط ببناء الصوامــع وتخزين القمح خلال السنوات السبع الســمان، التي تدفق فيها ماء النيل بسخاء ورخاء إلى أرض مصر، بدون أن يحجزه حاجز أو يحول بينه وبين الأرض التي يحبها ويستقر فيها سد.

كي لا نموت

فى العصر الحديــث والكلام مــا زال للدكتور محمود خليل، كانت الأحاديث عن مرور الأنبياء بمصر واستقرار أضرحة الأولياء وأهل البيت متواترة على الألسنة أيضاً، لكنها لم تمنــع الوالي محمد علي مــن الاجتهاد في تأمين منابع النيل في مصر، فسيطر على السودان وزيلع وهرر، وتوغل في افريقيــا حتى حدود إثيوبيا، ومن بعده حاول الخديوي إسماعيل الســيطرة على الحبشة. كان التوجه في ذلك الوقت السيطرة على النيل من المنبع حتى المصب، حماية لمصالح الدولــة المصرية، وتوازى مــع ذلك جملة المشروعات التي شهدتها مصر حينذاك، من إقامة القناطر وحفر الترع، ثم كان إنشــاء خزان أســوان بداية القرن العشــرين، بعدها لم تعد مصر تعاني من أثر الجفاف، كما كان يحــدث في الماضي، وانتفى هــذا الأثر بصورة كاملة بعد بناء الســد العالي عقب قيام ثورة يوليو/تموز 1952. هــذه هي الأفعال التي وقعت علــى الأرض ومن غيرها لم يكن لمصر أن تنجو مــن خطر الجوع والعطش، رغم مرور الأنبياء وأضرحة الأولياء وأهل البيت فيها. هذه الطريقة في تناول الأمور ومعالجة المشــكلات تتصادم مع العديد من القيم الثابتة في الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم طالــب أقرب الناس إليه بالعمل والتقديم لأنفســهم، لأنه لن يغني عنهم من الله شــيئاً، كما أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة كما كان يقــول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. بصراحة هذه الطريقة في تناول قضية محورية وجودية لا تسمن ولا تغني من جوع أو عطش.

منكسرون للأسباب التالية

منذ العام الماضي، اكتشــف منتصر جابــر في "الوفد"، أننا في حالة انكســار من بعد قيــام إثيوبيا بالملء الأول، بدون اعتبار لمصر والســودان والمجتمع الدولي، وعشــنا سنة كاملة ندعو كالضعفاء والفقراء والمساكين عند أعتاب السيدة زينب، ألا يتم الملء الثاني قبل الوصول إلى اتفاق. على هذا الأســاس وتمسكاً بأمل ضعيف، استمر التفاوض في قضية لا ينفــع التفاوض فيها من الأول، ومع ذلك كانت هناك بارقة أمل وحيدة مع الإصــرار على التفاوض الذي لا ينتهي، بتحقيــق حلم تدويل قضية الســد، برفعها إلى مجلــس الأمن، وتصورنــا أو صُوّر لنــا أن مجرد وصول القضية للمجلس لن تتجرأ إثيوبيا على الملء الثاني، على الأقل، إن لم يقم المجلس بإجبارها بوقف البناء في الســد حتــى يتم الاتفاق بينهــا وبين مصر والســودان.. ولكن، وما أســوأها كلمة، جاءت جلسة مجلس الأمن التي حلمنا بهــا طويلا، وكأنها طــوق النجاة الأخيــر وكانت مخيبة لكل الآمال، وبانت ملامح قــراره، الذي لم يصدر بعد، أنه ســيكون لصالح إثيوبيا، فقد أقرت كلمات مندوبي الدول بما فيهــا الدول الكبــرى، أمريكا والصين وروســيا، حق إثيوبيا في أن تفعل ما تشاء في النيل الأزرق، سواء ببناء هذا الســد أو بناء مئة سد في المســتقبل. وكانت النتيجة أن إثيوبيا أكملت الملء الثاني ضاربة عرض حائط الســد الإســمنتي بكل ما قيــل، ولم يتبقَ لنا ســوى أن نرجوها أن تتفضل علينا بالاتفاق لتقليــل حجم الضرر علينا، من خلال العودة إلــى المفاوضات برعاية الاتحاد الافريقي، أو حتى الجن الأزرق، وكأن عشــر ســنوات من التفاوض لا تكفي لإضاعة مزيد مــن الوقت، حتى منحنا الفرصة كاملة لإثيوبيــا لإكمال الملء الثاني.. وما على مصر والســودان ســوى القبول بالأمر الواقع والارتضــا­ء صاغرين بتحكّم إثيوبيا فــي النيل.. ومن لا يعجبه يشــتري منها المياه أو يشــرب من البحر أو من مياه الصرف الصحي! مصر قبل الســد لن تكون هي نفسها بعد الســد.. والله وحده أعلم بحجم وتأثير هذا التغيير الذي سيحدث.. ولصالح من؟

هل يمكــن أن نلوم عمــوم المصريين لأنهم يشــعرون بقلق شــديد من تطورات قضية ســد النهضة؟ أم أن هذا أمر طبيعى نظرا لخطورة القضيــة على حاضر المصريين ومســتقبله­م؟ أجاب عماد الدين حسين في "الشروق"، أن قلق المصريين مشــروع تماما، وكلمة «مشروع» استخدمها الرئيس عبدالفتاح السيســي مســاء الخميس الماضي، حينما ارتجل كلمة على هامــش الاحتفال بإطلاق مبادرة "حياة كريمة" في اســتاد القاهرة. الرئيس ليلتها تحدث باســتفاضة عن قضية سد النهضة، وفي مسألة القلق قال نصا: قلق المصريين بخصوص موضوع ســد النهضة قلق مشروع، لكن مصر دولة كبيرة ولا يليق بنا أن نقلق» الذي يبدد القلق هو أن تتم إزالة أســبابه. الرئيس السيســي حينما تحدث مســاء الخميس ســاهم إلى حــد كبير في تهدئة مخاوف المصريــن، حينما قال بكلمات لا لبس فيها «المساس بأمن مصر القومي خط أحمر ولا يمكن اجتيازه، شاء من شــاء، وأبى من أبى، وممارسة الحكمة والجنوح للســام، لا تعنــي في أي شــكل من الأشــكال الســماح بالمســاس بمقدرات هذا الوطن، ولدينا في سبيل الحفاظ عليه خيارات متعددة، نقدرهــا طبقا للظروف والمواقف، ومصر لديها قدرة عســكرية تمكنها مــن حماية مقدراتها وإنفــاذ إراداتهــا». كلام الرئيس كان قاطعــا، وبالتالي فأغلب الظن أن من اســتمع إليه من المصريين تبدد معظم أسباب قلقه، لكن ما الذي جعل المصريين يشعرون بالقلق بهذه الصورة؟ الأسباب كثيرة لكن في مقدمتها أنها قضية حيوية وجوهرية ووجوديــة، وتتعلق بحياة كل مصري ومستقبله ومســتقبل أولاده وأحفاده. السبب الثاني أن وسائل الإعلام المصرية ومعها بعض المصريين مسؤولون عن هذه الحالة. على سبيل المثال فإن وزير الري الدكتور محمــد عبدالعاطي قال «إنه في حــال نقصان حصة مصر بمليار متر مكعب، ســيعني ذلك عــدم ري 200 ألف فدان وهو مــا يعني تأثــر 200 ألف مزارع أي 200 ألف أســرة، وبالتالي حوالي مليون مواطن. حدوث ذلك ســيعني أن المزارعين سيكونون أفقر شريحة في المجتمع، وقد يلجأون لهجرة غير شــرعية، بل قد تكون هذه الفئة فريسة سهلة للجماعات المتطرفة، وهنــاك 40 مليون مصري يعتمدون في دخلهم الأساسي على الزراعة.»

ليتهم يسمعون

أكد الدكتــور أســامة الغزالي حرب فــي "الأهرام" أن الرسالة التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشان التطورات الخاصة بإنشــاء ســد النهضة الإثيوبي، في الكلمات التــي ألقاها في افتتاحية المؤتمــر الأول لمبادرة "حياة كريمة"، انطوت على عناصر شــديدة الأهمية نأمل أن تصل بوضوح للحكومة الإثيوبية، وللشعب الإثيوبي، وللعالم كلــه! أولها أن مصــر تدير علاقاتهــا الخارجية إقليميا ودوليا بثوابت راســخة ومســتقرة، قائمة على الاحتــرام المتبــادل والجنوح للســام، وإعــاء قواعد القانون الدولي. ثانيها، إن المســاس بأمن مصر القومي، خط أحمر ولا يمكن اجتيازه، شــاء من شاء وأبى من أبى. وأن ممارســة الحكمة والجنوح للســام، لا يعني في أي شكل من الأشكال السماح بالمساس بمقدرات هذا الوطن، الــذي لن نســمح لأي مــن كان، أن يقترب منــه، ولدينا في ســبيل الحفاظ عليه خيارات متعــددة، نقررها طبقا للموقــف، وطبقا للظروف. ثالثا، وفي مــا يتعلق بقضية بناء سد النهضة الإثيوبي، ولدى حديث مصر مع الأشقاء الســوداني­ين والإثيوبيي­ن، فإنها تفصح عن الرغبة في أن يكون نهر النيل نهراً للشــراكة وللخير لنا جميعا، وأننا لا نريد الخير لنا فقط. هذا حديث قيل في جميع المناســبا­ت، وإذا كان ســد النهضة سوف يوفر التنمية من خلال إنتاج الكهرباء، فنحن معكم، ومستعدون للتعاون في كل شيء يؤدي إلى رفاهية الشــعب الإثيوبي والشعب السوداني، جنبا إلى جنب مع الشــعب المصري. هذا كان كلامنا، وهذا كان توجهنا...نقــدم الخبرات ونتعاون في مشــروعات الكهرباء ومشروعات الإنتاج الزراعي، وفي كل شيء. إن الأفكار التي طرحها الرئيس السيسي بقوة ووضوح، هي رسالة مصر إلى العالم بشأن سد النهضة، لعلها تصل إلى كل من يهمهم الأمر.

الوعي مطلوب

أما محمد أمــن في "المصري اليوم" فيرى أننا في حاجة إلــى فرق توعية مســاندة لمشــروع تنميــة الريف، تبث الوعي بين الناس وتعلمهم أنه مشــروعهم الذي يجب أن يحافظوا عليه.. وقد اقترح الكاتب تشكيل «مجلس أمناء» لكل قرية لدعم المشــاركة الشــعبية.. فلا يصــح أن تقدم الحكومة مشروعا بدون مشــاركة المجتمع، فيظل مشروع الحكومة، وشارع الحكومة، وترعة الحكومة. أتكلم كثيرا عن فكرة الشــراكة المجتمعية، ولا أمــلّ.. ليس كبديل عن الديمقراطي­ة، وإنمــا لدعم فكــرة الديمقراطي­ة في غياب المجالس المحلية.. وطرحت فكــرة «مجلس الأمناء» الذي يحمي المشــروع ويحافــظ عليه، ويتكون مــن الباحثين وكبار المتعلمين ورجال الأعمال والشــباب المحب لوطنه.. حتى لا تصبح الترع مقالب عمومية ولا نترك المخلفات في موســم الأضاحي لإلقائها في الترع أو تركها في الشوارع تهدد الصحــة العامة، وتملأ القرية بالناموس. مشــروع

مجــزر لكل قرية نوع من المســاعدة لكل قريــة، ونوع من وضعها على الطريــق.. ولا مانع أن يعمل فيه الشــباب، خصوصــا أن مهنة الجــزارة أصبحت تســتقطب أعدادا من الشــباب المتعلم ليدبر احتياجاته من المال في موسم الأضاحــي.. وبالمناســ­بة فهم يتميــزون بطريقة مختلفة ونظافة أعلى من طريقة الجزار القديم، كما أنهم يساعدون في تنظيف مكانهــم وتقطيع اللحوم وتكييســها بطريقة راقية. وأخيرا فهذه فكرة تقــاوم القبح، وتعيدنا للجمال الطبيعي.. وأتمنى أن يكون لها وجود في مشــروع تنمية الريف، فضلًا عن تشجير شوارع القرية بالأشجار المثمرة، لإتاحة مساحات خضراء إضافية، تساعد على الإقامة في الريــف.. وتعود القرية نافعة ومنتجــة، بعد أن أصبحت طاردة لأبنائها.

لم نعد فقراء!

قــال صالح الصالحي فــي "الأخبار" إن مــا يحدث في الريف المصــري من تنمية تســتهدف الإنســان المصري وصــون كرامته وإنســانيت­ه، يؤكد أن الخيــر بدأ ينبثق من الأرض، وســوف يستمر لمدة 3 ســنوات مقبلة، حتى يغطي كل الريف المصري. أســتطيع أن أقول إن أكثر من 4 آلاف قرية في مصر بدأت تتحرر مــن قيود الفقر والمرض والعــوز.. فالرخاء يفتح أبوابــه أمام أبنــاء الريف في بلدنا.. تخيل نفسك وقد مرت 3 سنوات هي فترة مشروع تطوير الريف.. فكيف تكــون حياة الفلاحين الجديدة في الريف؟ اســتطيع أن أجزم أنك لن تصــدق حجم التغيير الــذي حــدث.. فالتطوير لم يطل المســاكن والشــوارع والكهرباء والغاز والميــاه والصرف الصحي والمواصلات وغيرها.. القرى لم تعد نموذجيــة فقط، بل امتد التطوير للفلاح نفســه.. فعوضين وزوجته عزيــزة وأبناؤهما لم يعودوا كما هــم.. أصبحوا أكثر تطــوراً وانفتاحا ورقيا وتقدما وثقافة.. فعوضين نفســه لم يعد هذا الفلاح الفقير المريض الضعيف.. وإنما أصبح أكثر إشراقا وبهاء وقوة.. فهو تلقى العلاج في الوحدة الصحية ولديه عمل يكتسب منه.. كما أن أولاده أصبحوا متعلمين مثقفين، لديهم أحلام وطمــوح. أما عزيزة فهي أكثر نضجــا وتطورا ونضارة.. وأصبحت تعمل وتســاعد زوجها فــي توفير حياة كريمة لأســرتها، بعد أن التحقت بمركــز التأهيل فــي القرية.. استطيع أن أقول بكل ثقة وفخر إن مشروع تطوير الريف ليس مشــروع القرن، بل هو مشــروع كل القرون الماضية والمقبلة.. فهو الحلم الذي طال انتظاره وتحقق أخيرا على يد الرئيس عبدالفتاح السيسي.

حيرة جماعية

توقع سامي صبري في "الوفد" أن تثير نتيجة الثانوية العامة هذا العام جدلاً كبيــراً، ليس لصعوبة الامتحانات كونها جديدة على الطلاب شكلاً ومضموناً، ولكن لوجود حالة من الاحتقان والغضب لدى شريحة كبيرة من الطلاب وأولياء أمورهم، على كل نظام الثانوية. لا غرابة في ذلك، طالما بقى طلابنا وآباؤهم حقل تجارب في عيون المسؤول الأول عــن التعليم، الذي إذا سُــئل متى يســتقر نظامنا التعليمي، وتصبح له استراتيجية موحدة وأهداف ثابتة تعمل كل المؤسسات التربوية والتعليمية من أجلها؟ تأتي إجابته : «لا تتعجلوا »، متناسياً وعده إبان توليه الوزارة، بأنه سيقضي على مشاكل كل مراحل النظام التعليمي في أقل من ثلاث ســنوات، ورغم تقديرنا الكامل لنجاحه في إحداث تغيير جوهري تجاه النظــرة للتعليم، والتحول من نمطية وتقليديــة التفكير، إلى التفكيــر برؤية أخرى مختلفة تماماً تواكب متغيــرات العصر وتحديات الثورة التكنولوجي­ة الإلكتروني­ة الرقميــة والتعليم عن بعد، إلا انه لم يستطع منذ أدائه اليمين الدستورية في 18 فبراير/ شباط عام 2017، وضع نظام واضح ومستقر يُنهي مشاكل الثانوية العامة، وتلك المرحلة المفصلية في حياة كل شاب وشــابة. وإذا ما ســلمنا بأن النظام القديم ليس الأفضل، وكفى ما أحدثه من تبلد علمي ومعرفي لعدة أجيال، ولكن لا يعنــي هذا أن ما نحن فيه هو أقصى ما نتمناه، وإذا كان البحث الدائم عن الأفضل لتعليــم أولادنا يعد أمراً جيداً، إلا أن طــول مدة عملية البحث قد ينســف ما يتم إنجازه، ويحــدث ارتباكاً فــي العملية التعليميــ­ة برمتها، تفقدنا جميعاً الإجابة عن الســؤال.. ماذا نريد؟ ومتى نســتقر؟ وما النظام التعليمي الذي يناســبنا؟ وما الطريقة والآلية التي نقضي بها على «بعبع» الثانوية. وبعيداً عن المشاكل المزمنــة والمتراكمة، مثل: عــدم كفاءة البنيــة التحتية، ونقص عدد المدارس، وتكدس الطلاب، وتدني مســتوى المعلم وانخفاض مهاراته، وإدمانه للدروس الخصوصية، وغيرها من المشاكل المســتعصي­ة، تبقى طريقة الامتحان هي الأهم، باعتبارها الخطوة الضرورية لإحداث التغيير المنتظر. فما بــن الورقي والإلكترون­ي، مــا زالت الوزارة والأسرة والمجتمع كله تائهاً.

نشاط مريب

ونذهــب إلى "الوطــن" بصحبة محمد صــاح البدري ونشاط مريب: بعض الظواهر ربما تحتاج أن نلقي الضوء عليها بشكل أوضح.. ربما لأنها لا تخلو من الغرابة.. ولكن الأهــم أنها تحمل فــي طياتها الكثير من التســاؤلا­ت التي تحتاج إلى إجابات شــافية! منشــورات متناثرة بدأت في الظهور من فترة ليســت بالقصيرة علــى مواقع التواصل الاجتماعــ­ي المختلفة تدعو للتبرع لحفــر آبار مياه في دول افريقية وآســيوية مختلفة.. المنشورات كلها تشترك في أن التبرع يتم بشــكل فردي غير منظم.. دائمــاً ما توجد فيها وسيلة للتواصل مع شــخص بعينه لدفع قيمة التبرع.. أو رقم تليفون للتحويل على محفظته الإلكتروني­ة.. لا حساب بنكي ولا اســم لمؤسســة مجتمع مدني واضحة. الأمر أثار اهتمامي منذ فترة.. لأجد أن هناك من يســتجيب وبشــدة لهذا النوع من المنشــورا­ت، بل اكتشــفت أن الأمر منتشــر لدرجة أن هناك «جروبــات» عديدة تضم آلاف الأعضاء تم إنشــاؤها خصيصاً لهذا الغرض.. والتى تحمل العديد من الصور التي تظهر بعض البســطاء من أصحاب البشــرة الســمراء وهم يقفون أمام بئر مياه وبجوارهم تجد لوحة تحمل ما يفيــد أن البئــر تم حفرها كصدقة جارية باســم أحدهم.. الأمر لا يخلو من العديد من التساؤلات المشروعة.. فبمعزل عن فكرة أن تشارك في حفر بئر في مكان يبعد عنك آلاف الأميال وحولك من يحتاج لتلك التبرعات بشكل أكبر بكل تأكيد.. فالأمر كله لا يحمل دليــًا واحداً على أن البئر تم حفرهــا بالفعل، لا توجــد ضمانة واحــدة أن الصورة التي تراها تم تصويرها في المكان والزمان المذكورين بها.. ليس هناك دليل على أن الأمــوال التي يتم دفعها تصل إلى مقصدها كاملة.. هذا إن كانت تصل من الأساس.

خير ولكن

وأكد محمد صلاح البــدري، أن أكثر من أربعة مليارات جنيه ونصــف المليار هــو حجم تبرعــات المصريين لكل الجمعيات الأهلية ســنوياً، حسب دراســة أجراها مركز معلومــات مجلس الــوزراء حول العمل الخيري للأســر المصريــة، المبلغ الســابق يتدفق من 15.8 مليون أســرة مصرية.. الذين يشــكلون حوالي 86% من إجمالي عدد الأسر على مســتوى مصر. الأرقام الســابقة تثبت حجم الخيــر الذي لــم ولن ينتهي فــي قلوب المصريــن أبداً.. وتؤكــد أن التكافل صفــة متأصلة في داخلهــم، ولو أنكر البعض أنها موجودة. الفكرة أن الرقم - الذي يبدو مهولاً بالفعل - يخدم أكثر من عشــرة ملايين مواطن ســنوياً.. هؤلاء الذين لا تتمكن الحكومة من الوصول إليهم لأسباب يطول شــرحها.. وهو بهذا المنظور ربما لا يكفي لكل أوجه الصرف، بــل قد يحتاج إلــى ضعفه أو أكثــر.. لماذا يفكر البعض في إرســال تلك التبرعات إلى خارج البلاد؟ لماذا يقــرر البعض أن يذهــب بتبرعاته كل تلك المســافات ولا يبحث عمن يحتاج إليها حوله؟ يتحدث البعض أن الأمر إحياء للسنة النبوية الشــريفة.. يمكنك حفر البئر نفسها في أرضك أولاً قبل أن تذهب بعيداً.. وأعتقد أن الأمر برمته يحتاج للبحث مــن الجهات المعنية.. علــى الأقل ليضمن المتبرعون أنهم يشاركون في إحياء السنة بالفعل، وليس أمراً آخر يخفى عليهم وعلينا. لا أملك اتهاماً صريحاً يمكن التصريــح به.. ولكننــي أمتلك أطناناً من الشــكوك التي لا يمكــن تجاهلهــا.. ومثلها وأكثر من الدهشــة الممزوجة بالاســتنك­ار أن تذهب أموال الزكاة والصدقات بعيداً بهذا الشكل.. هناك من يحتاج للمياه في أعماق افريقيا والهند وغيرها مــن بلاد الله.. هذه حقيقة.. ولكن الأكيد أن هناك من يحتاج إليها داخل حدود هذا الوطن بشكل أكبر.. وهو ما ينبغي أن يمتلك الأولوية في هذا الشأن.. أو هكذا أفهم.

سلام غائب

رغم أننا فــي العيــد إلا أن تامر أفندي فــي "البوابة" أنتابه الحزن: العالم بات موحشــا للغاية، طبول الحرب تدق في كل مكان، أســلحة هنا وهناك توزع على الصبية، بدون ضابط حتى بــات القتل مستســاغا وباتت الدماء تهدر. حرمات دول تســتباح فــي لعبة الكبــار وقوانين مكبلة وشــرور تتعاظم وكأن الشيطان بات يحكم العالم. على طاولــة الكبار جميــع الأوراق مباحــة والبقاء هنا ليــس للأصلح ولكن للأقــوى والأكثر دهاء. ما ســقط لا يمكــن أن ينهض وما هدم لــن يعود بنــاؤه.. في منطقة الشــرق الأوســط الملتهبة تقــف مصر ممســكة بالجمر كحضارة بازغة بهوية ثابتة، أسســت على العلم والمعرفة لم تكــن يوما معتدية، بل كانت حصــن أمان وملاذ وقوة ردع أمام ممالــك تنتهج التترية والوحشــية. مصر التي أحرقت كــروت اللعبة، وأنهت توغــل الإرهاب هنا قدرها أن تمتطي الصعاب ليســت مغالاة، إنما هو واقع تعيشــه على مر السنوات في محاولات لم تنته لتركيعها، وتكبيل كلمتها، وما الســد عنا ببعيد وإذا انتهى سيحاك غيره من المؤامرات، لكن وإن انحــازت القوى لأمم فليس هناك أمة ذات تاريخ عســكري مثل مصر.. فجذوة النار تشتعل في الغرب والشــرق، ويصل لهيبها للســماء، ثم إذا أتت هنا انطفأت من زفير جنودنا. هذا العالم الذي يصرخ الآن بكل حشوده من الإرهاب، لم يستمع ولم يع تحذيرات مصر من جماعات النار والدم، وظنوا أنهم بمأمن عن مخالبها.

الشيطان لا ينام

اســتمر تامر أفندي في كلامــه محذراً: ها هــم الكبار يقذفون كرات النار على بعضهــم بعضا، ولن ينجو أحدا من الحريق مهما كان بعيــدا. فطالبان تعود للظهور تهدد الحدود مع الكبار، ويســتفحل عودهــا يوما بعد يوم بعد انســحاب أمريكا من أفغانســتا­ن. طوابير من المهجرين تطــرق أبــواب أوروبا وتقتحــم عواصمها مــن الأفغان والإخــوان.. خــوف وترقب مــن وقوع عمليــات نوعية تضرب القارة العجوز، التي تلتقط أنفاســها بعد جائحة كورونا. جماعــة "داعش" تعاود الظهــور بتفجيرات في العراق وعطش يضــرب إيران فتتوحــش أكثر. جرذان أوتها الجبال تتجمع لتأكل الأخضر في قلب افريقيا وعلى حدود الشــرق المترامية، أمام تناحر عالمي مســتغلة ذلك أحيانا ومســتغلة أحيانا لمحو حدود الدول، وليس الشر ببعيد عن أحــد مهما كانت عظمة قوتــه. معطيات لحرب عالمية ثالثــة وإن تأخر توقيتهــا إلا أن النفث في رمادها يزيد مع زيادة وتيرة الأحداث. سيسقط في أتونها الكثير إلا من تحصن بدرعه وسيفه وكان على قلب رجل واحد.. شعبا يصطف خلف قيادته وجيشه، ولا يسمح باختراق ولا يشق الصف بشــائعات تنال من عزيمته. فليفطن كل عاقل إلى ما نحن فيه، وما نواجهــه فلن نهزم بالعدد ولا بالعتاد، ولكن رهانهم على الاختلاف والشقاق والتشكيك والشــائعا­ت ونثر بذور اليأس في وطن ينضح أملا، رغم كل المحبطات. فالعالم يحكمه الشيطان.

مطلوب صديق

يقول فاروق جويدة في "الأهــرام" إن دائرة الأصدقاء قد ضاقــت وأن الوصول إلى صديــق حقيقي أصبح مهمة صعبة.. ما أكثر الناس حولك ولكن لن تجد أحدا منهم في لحظة ضيق أو شــدة، الناس تريدك دائما فرحا مبتسما، ولكن إذا ضاقت الدنيا عليــك فلن تجد من يمد يده إليك.. لقد رحلــت وجوه كثيرة مــن الأصدقــاء، واعترف بأن معظــم من عرفت من الأصدقاء في شــبابي كانوا من كبار الســن.. وتابع الكاتب كلامه: حين سرقتنا سنوات العمر انســحبوا ووجدت نفســي أقف في الصف وحيدا، كنت أحب فــي أصدقائي خبرة الأيام وتجارب الحياة، وأخذت منهم دروســا كثيرة، ولكــن غيابهم ترك فراغــا كبيرا.. إن أجمل الأشــياء في حياة الإنســان صديق يأنس إليه ويثق فيه ويجده في لحظات الشــدة، ولكن الأيام بخلت علينــا بالأصدقاء أمام مســؤوليات الحيــاة لا وقت الآن للصداقة.. هناك أشــياء كثيرة فرقت النــاس حتى أبناء الأســرة الواحدة.. حكى لي الصديق الراحل أحمد هيكل وزير الثقافة إنه ذهب لزيارة الشــاعر الكبير أحمد رامى في بيته، ووجده جالسا في شــرفة المنزل ولاحظ دموعا في عينيه وســأله ماذا بك يا أستاذ، قال رامي: اعتدت أن اجلس مع ابني توحيد نشــرب القهوة كل صباح في هذا المكان، ولكن توحيد غاب عني منذ أعلن خطوبته وحرمني من أن نشــرب القهوة معا كل صباح.. وكلما انسحبت من حياتي أطياف الأصدقــاء تذكرت قصة رامي، وأدركت انه لا شــيء يعوضنا عن غياب الأصدقاء. إن أصعب الأشياء هو اســتبدال الأصدقاء، لأن للزمن حسابات ولا يستطيع الإنسان أن يفرض على نفسه صديقا، أو أن يقتحم حياته صديق آخــر.. إن الصداقات تحكمها الآن أشــياء كثيرة تأتي في مقدمتها لغة المصالــح، لأن الناس الآن يبحثون عن علاقات تفيد ولا يعني لهم شــيء يسمى المشاعر، منذ غابت لغة المشاعر سيطرت على الناس لغة المصالح، وكل إنســان يبحث عن صداقة تعطي.. إن آخــر ما يبقى بعد غياب الأصدقاء أيام ثقيلة موحشة.. إذا بقي لديك صديق من أيام الزمن الجميل فهو ثروة لا تعوض فلا تفرط فيها.

خليها على الله

تبقى مواقف المصريــن من الوباء كما أشــارت أمينة خيري في "المصري اليــوم" عصية على الفهم، أو الخروج بتصور يمكن إطلاق عنوان كيف يرى المصريون كوفيد19؟ عليه. في شــأن مبدأ التباعد أحد الســبل التي تحقق قدرا من الوقاية من التقاط العــدوى التي يمكن أن تكون قاتلــة لبعض الأشــخاص، يبقــى بعيدا عــن الغالبية. والمسألة ليســت ضيق المساحة المتاحة وأعدادنا الضخمة التي لا تســمح بالتباعد فقط، لكنها تتعلق بعدم التضرر أو الشعور بالقلق الناجم عن الالتصاق. قصت الكاتبة ما مرت به مؤخراً: عدت إلى القاهرة قادمة من دبي قبل العيد بســاعات. وكانت الطائرة كاملة عن آخرهــا، والغالبية المطلقة من الــركاب مصريون عائدون لقضــاء العيد في وطنهم. وعلى الرغم من مناشدات المضيفات للإبقاء على الكمامات على الوجــوه، إلا أن الأنوف كانت دائما تعرف طريقها إلى خارج الكمامة. وما أن هبطت الطائرة بســام حتى ســارعت الغالبية إلــى الوقوف لإخــراج حقائبها والاســتعد­اد للترجــل، رغم اســتجداء المضيفــات لهم بالجلوس، وعلى الرغم من اســتمرار الطائرة في التحرك لمدة لا تقل عن عشــر دقائــق. والنتيجة تلاصق يصل إلى درجة التلاحم، بــدون أمارات قلق أو توجس. والتوجس هو ســيد الموقــف كلما «ناشــد» المســؤولو­ن المواطنين. فالمناشدات لا تسمن أو تغنى عن تطبيق القانون بصرامة وحســم. المشــاهد المتناقلة في أول أيام العيد لاحتفالات المصريين جميلة، لكن بدا أن إجراءات التباعد والكمامات ذهبت مع الريــح. الطريف أن موقعا خبريا طرح ســؤالا على ســبيل اســتطلاع الرأي: هل تتوقع التزام المصريين بالإجــراء­ات الاحترازيـ­ـة أثناء العيــد؟ المذهل أن 88% أجابوا بالنفى، وهو ما يعنى أننا ولله الحمد متصالحون مع أنفســنا وعلى يقين بنوايانا. فهل هذا يعني أننا نودع الاحتراز؟ فلــو صح ذلك، فهذا يعني الاســتعدا­د لمعاودة الترحيب بالوباء.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom