Al-Quds Al-Arabi

إسرائيل: إلى أين؟

- داود عمر داود ٭

فيما تتواصل الإشارات الصادرة تباعاً من بريطانيا والولايات المتحدة التي تؤكد على تغير موقفهما تجاه ربيبتهما إســرائيل، تحاول الدولتان، في الوقت ذاته، التنصل من مســؤوليته­ما عن جريمة إقامة هذا الكيان على أرض فلسطين، فيما هما تقتربان شيئاً فشيئاً من إعلان فشــل مشروعهما الإســتعما­ري في قلب العالم العربي والإسلامي.

ويبدو أن الجانبين يعملان على إضعاف إسرائيل، بدليل سعي أمريكا لتشكيل حكومة صهيونية ضعيفة لا تفعل شــيئاً خشــية أن يتم إســقاطها في أي لحظة، وبدليــل أن بريطانيــا أصبحــت تعتبر القــدس مدينة محتلة، وبدليل التأييد الشعبي الواسع في كلا البلدين للقضية الفلسطينية.

بريطانيا تحجب إعترافها بسيادة إسرائيل على القدس

كانت دائرة الجــوازات البريطانيـ­ـة تكتب في خانة )مــكان الولادة: القــدس(، لمن هــم من مواليــد المدينة المقدســة. لكنها مؤخرا اســتبدلت العبارة فأصبحت: )مكان الولادة: الأراضي الفلسطينية المحتلة(.

وقد حدث هذا مع سيدة تحمل جنسية مزدوجة بريطانية إســرائيلي­ة، لدى تجديد جوازها البريطاني. ويشــير هذا إلى تغييــر فــي سياســة حكومــة بريطانيــة، الأمر الــذي تؤكده قنصليتهــا في القــدس بقولهــا أن المملكة المتحــدة )حجبت منذ فترة طويلة الاعتراف بســيادة الاحتلال الإسرائيلي على القدس، ريثما يتم تحديد وضعها النهائي(.

فهــل كان أحد يتخيل يومــاً أن ينقلب الموقــف البريطاني بحيث تعتبر القدس أراضي محتلة؟

وهــي التي كانــت رأس حربــة الغرب في الإســتيلا­ء على فلســطين، وجلبت اليهود وأقامت لهم دولــة؟ أم أن الإنكليز تراجعــوا عن مقولة قائدهم العســكري اللــورد أدموند ألنبي التــي أطلقها عندمــا احتل القــدس، عــام 1917، )الآن انتهت الحروب الصليبية(؟.

بريطاني يرفع علم فلسطين في لندن

هــذا التغيير فــي موقــف بريطانيا يصاحبــه تأييد شعبي منقطع النظير للقضية الفلسطينية.

فمــا زالت حاضــرة في الأذهــان صــور المظاهرات الحاشــدة التــي جابت شــوارع لندن، خــال العدوان الإســرائي­لي علــى غــزة. وكذلك صــورة ذلــك العجوز الســبعيني الذي تســلق رافعة بنــاء ارتفاعها 300 متر كي يرفــع علم فلســطين عليها، ويُصرح مــن أعلى أنه أصبح يناصر القضية الفلسطينية من هول ما رأى بأم عينيه من )فظاعات وممارســات ووحشــية الاحتلال الإســرائي­لي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية. رأيت عائلة مــن 4 أفراد ماتت حرقا على أيدي مســتوطنين. رأيت أراضي دنســت، ومزارع زيتون حُرقّت، والكثير من البيوت هُدّمت(.

باحث يهودي: الإحتلال سرطان سيقتل الكيان

ومــن جانــب آخــر فقــد شــبه باحــث يهودي الإحتــال بالســرطان قائــاً إذا لــم تتخلص منه إسرائيل فسوف يقضي عليها.

ودعــا ألــون بــن مئيــر، الصحافــي والأكاديمي اليهــودي مــن أصــل عراقــي، الأســتاذ فــي مركز الدراســات الدولية في جامعة نيويورك، إلى إنهاء الإحتلال لأنه يشكل أكبر خطرٍ على كيان إسرائيل.

وذكــر أن معظــم الإســرئيل­يين يريــدون )حــل الدولتــن( لكن حكومات إســرائيل تتجاهل ذلك. وقــال إن الاحتلال )عدو داخلي( ســيقضي على الكيــان الصهيوني، )وهذا واضح مــن حقيقة أن إسرائيل تُنكر حق الفلسطينيي­ن في تقرير المصير وتبرر ذلك بذريعة الأمن القومي(.

محاولة أمريكية للتنصل من مسؤولية إقامة إسرائيل

ولقد شــهدت الســنوات الماضية محــاولات لإنتاج أدبيات سياســية، في أمريــكا، لتبرير مشــاركتها مع بريطانيــا فــي زرع اليهود فــي فلســطين وإقامة دولة لهــم. فمثلاً هناك كتــاب للمؤلفة الأمريكية )أليســون ويــر( حمل عنوان )رغمــاً عنا: التاريــخ الخفي لكيفية اســتغلال الولايــات المتحــدة فــي إنشــاء إســرائيل( استهدف محاولة التنصل من مسؤولية الإشتراك في جريمة إنشاء الكيان الصهيوني.

ويقــدم الكتــاب ذرائــع واهيــة أنــه كانــت هناك ضغوطات على السياســيي­ن الأمريكيــ­ن من اللوبي اليهــودي. وتنبــع أهمية الكتــاب من كونــه يخالف الســردية الســائدة حــول التأييــد الأمريكــي المطلق لإقامــة إســرائيل، ومن كــون المؤلفة تدير مؤسســة )لــو علــم الأمريكيــ­ون( التــي تختص في دراســات القضية الفلسطينية والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

خلاصة القول: السيادة على فلسطين للعرب والمسلمين

ومهمــا حاولــت دول الغــرب، وخاصــة بريطانيــا وأمريكا، تقديم الأعذار والتبريرات فإنها لن تســتطيع تبرئة نفسها من إرتكاب جريمتها النكراء بزرع اليهود في فلســطين. وهــي جريمــة وصفها جورج شــولتز، وزيــر الخارجية الأمريكي الأســبق في عهــد ريغان، بـ )الخطأ التاريخي(. فهــل آن الأوان أن يُكّفر الغرب عن ســيئاته، ويتراجع عن هذا الخطأ، بــأن يعيد الحقوق إلى أصحابها، لتصبح الســيادة على فلســطين للعرب والمسلمين، كما كانت؟

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom