Al-Quds Al-Arabi

سد النهضة الإثيوبي بين الجامعة العربية والاتحاد الافريقي

- *

توقعنــا أن يحضــر جلســة مجلس الأمن التــي عقدت يــوم 8 يوليو حول سد النهضة أربعة وزراء خارجية عرب، إضافــة إلى الأمين العام للجامعــة العربية لإعطاء زخم أكبر للموقفين المصري والسوداني، في مواجهة الصلف الإثيوبي.

لقد أفرز لقاء الدوحة يوم 15 يونيو الماضي، الذي عقد على مســتوى وزراء الخارجية، لجنة رباعيــة مكونة من العراق والســعودي­ة والأردن والمغرب، للتوجه لمجلس الأمن الدولي بقيادة الأمين العام أحمد أبو الغيط، لتحذير المجتمع الدولي من مخاطر الســد على الأمن القومي العربــي برمته، وليس على مصر والسودان فحسب، ثم للتأكيد على الموقف العربي الموحــد الواقف صفا واحــدا خلف مصر والســودان. لكننا فوجئنا أن أيا من وزراء الخارجية الأربعة لم يحضر الجلسة لإسناد موقفي وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزيرة الخارجية الســوداني­ة مريم الصادق المهــدي. لقد ترك الأمر بكامله للســفراء المعتمدين في الأمم المتحدة وسفير الجامعة العربية ماجــد عبد العزيــز، الذي نثق بقدراتــه ومهاراته الدبلوماسي­ة، لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير.

لقد قدمت المجموعة العربية مشــروع قرار ضعيفا ورخوا، لعله يحظى بتأييــد غالبية الأعضاء في مجلس الأمن «يحث إثيوبيا على الامتناع عن مواصلة ملء خزان سد النهضة من جانب واحــد». لكن إثيوبيا، وفي خطوة اســتباقية، أعلنت بدء عملية الملء الثاني للسد، قبل موعد اجتماع مجلس الأمن بثلاثة أيام، لذا لم يتطرق أي من أعضاء المجلس إلى مشروع القرار لا ســلبا ولا إيجابــا، كما أن كل المتحدثــن أثنوا على وســاطة الاتحاد الافريقي، وطالبوا باستمرارها وتعزيزها. والأهم من ذلك أن معظم أعضاء مجلس الأمن لم يتحمســوا للجلســة، بل حاول بعضهم عرقلتها على اعتبار أن موضوع الخلافات المائية بين الدول المشــتركة فــي الأنهار الجارية، أو المتشــاطئ­ة في البحور والبحيــرا­ت، ليس من اختصاص مجلــس الأمن ويدخل ضمــن اختصاص آليــات أخرى مثل المحكمة الدولية لقانون البحار، ومقرها هامبورغ بألمانيا، أو «الشــبكة الدولية لمنظمات الأحواض النهرية» التي أنشئت عام 1994 ومقرها باريس، والتي تســاهم في فض النزاعات بين الدول المتشــارك­ة فــي أحواض الأنهار. مشــروع القرار طمس تماما من رادار جــدول أعمال مجلس الأمن ولا نعتقد، لغاية الآن، أن المجلس سيلتئم مرة أخرى لبحث الموضوع، أو بحث مشروع القرار والتصويت عليه، أو إصدار بيان رئاسي

أو حتى بيان صحافي حول الموضوع.

ضعف الجامعة العربية أم ضعف الدول الأعضاء؟

ليــس العيب في الجامعــة العربية الضعيفــة أصلا بنية ودوراً، ولكن الضعف في الدول الأعضــاء الذين لم يعودوا يشــكلون وزنا في المجتمع الدولي. ولو قارنت بين الجامعة العربيــة والاتحاد الافريقــي لعرفت الفرق بــن المنظمتين. فالاتحــاد الافريقي المكــون من 55 دولة والمدعــوم بقوة من الدول الأعضاء، خاصة الدول الكبرى مثل نيجيريا وجنوب افريقيا وإثيوبيا، يملك قوات للتدخل وفض النزاعات وآليات للوســاطة والمفاوضات، وقد نجح الاتحاد في عمليات تدخل وحفظ السلام في الكونغو وبورندي وساحل العاج ودارفور وجنوب الســودان وجزر القمر والصومال. لقد أنشأ الاتحاد الافريقي فــي 9 يوليو عام 2002 في مدينــة ديربان بجنوب افريقيا «مجلس الاتحاد الافريقي للأمن والســام». وهدف المجلس هو الإنــذار المبكر للنزاعات والقيام بعمليات الوقاية والوساطة، ونشر عمليات حفظ ســام، وإعادة البناء بعد النزاعات. وقد أنشــا المجلس «لجنة من الحكماء» مكونة من خمس شــخصيات افريقية وازنة معروفــة بعملها من أجل السلام في القارة الافريقية، لتقديم المشورة للمجلس من أجل درء الصراعات وتجنبهــا، والتحذير من اندلاعها واحتوائها وحصرها إن وقعــت، ثم القيام بالوســاطة الناجعة لحلها. ويرفــض الاتحاد الانقلابــ­ات العســكرية، ويعلق عضوية البلد الذي يقــوم بانقلاب، إلى أن يتم عقــد انتخابات يقبل بها الاتحاد، ويحق لمجلس الســلم والأمن هذا أن يتدخل في شــؤون الدول الافريقية إذا ما وقعــت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.

أوضاع الدول العربية تثير الغثــى والألم على ما وصلت إليه هــذه الأمة في ظل حروب بينيــة وخلافات تحولت إلى حروب واســتقواء بالأجنبي، حتى أصبحــت القوى الثلاث غير العربية، إيــران وتركيا وإســرائيل، تخترق العالم من أقصاه إلى أدناه. وهناك دول ترتمي الآن في أحضان الكيان الصهيونــي، عدو الأمــة التاريخي وســبب عللها الحاضرة والمستقبلي­ة، وتســتثمر في اقتصاده، وتجنس بعض أفراده وتتفاخر بالعلاقــا­ت معه، وفي الوقت نفســه تمنع العربي مــن زيارتها إلا بتأشــيرة يكاد الحصول عليهــا يكون أقرب إلى المســتحيل. وعلــى ذكر التأشــيرا­ت فالشــاب العربي

يحتاج ليزور 21 دولــة عربية 18 تأشــيرة، بينما تنخفض للأمريكي لتأشــيرة أو اثنتين. وبعض الدول العربية ترحب بالإســرائ­يلي وتعامله بطريقة حضارية أكثر من الفلسطيني أو الســوري أو العراقــي أو اللبناني. لقد أنشــئت الجامعة العربية لترســيخ العمل القومي المشــترك ورفعة هذه الأمة وصون كرامتها والعمل على ازدهارها وتمتين روابط الأخوة والمصالح المشتركة والمشــاري­ع الإنمائية بين أعضائها. كيف لنا أن نصدق أن للعروبة مكانا فــي عمل هذه الجامعة وهي لا تجرؤ على انتقــاد بعض الخطوات التــي تطعن الأمة في حاضرها ومستقبلها وأمنها القومي، وفرص تقاربها، وتبقى الجامعة صامتة صمت القبور أمام ما يجري الآن من تصرفات بعــض أعضائهــا الذين يجدفون ضــد كل ما هــو عربي أو إسلامي أو إنساني؟

فشل وساطة الجامعة في حل النزاعات

الكاتب ماركو بنفاري أســتاذ العلاقــات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياســية، الــذي انتقل للتدريس في الجامعــة الأمريكية بالقاهرة عام 2012، نشــر دراســة مستفيضة حول الجامعة العربية ودورها في الوساطة لغاية عام 2009 فوجد أن الجامعة مرت خلال هذه السنوات في 56 أزمة بين حروب محليــة، أو نزاعات حدود، أو أزمات داخلية ولم تفلح في حل أي منها. ويقول الباحث إن فشــل الجامعة العربيــة ليس ممثــا فقط في منــع النزاعات أو التوســط لحلها، بل فشلت في إيجاد نوع من التعاون في المجالات غير السياسية. لقد فقدت المنطقة في صراعات عبر الحدود أو مع أعدائها، مــا يزيد عن مليون ونصف مليون شــخص، بينما فقدت ما يزيد عــن مليونين في صراعات داخلية سياســية وطائفية وعرقية ودينية، إضافة إلى أن المنطقة العربية الآن أكبر منتج للاجئين في العالم، وأكثر منطقة تستهلك السلاح، وأكثر منطقة تصــل الفروق في الدخل بين أعضائها من واحد إلــى 300 ضعف، وأكثر منطقة فيهــا انتهاك لحقوق الأطفال، وفيها ملايين مهددون بالموت جوعا، وفيها أكثر القصور بذخا والأبراج ارتفاعا واليخوت رفاهية.

ارتباط الجامعة بسياسة مصر حصريا

لقد أقر الاتحــاد الافريقي مبــدأ التناوب على الرئاســة

ســنويا، كما يتم انتخاب خمســة نواب للرئيــس يمثلون المناطق الجغرافيــ­ة الافريقية المختلفــة. فالرئيس الحالي، رئيس الكونغو تسلم الرئاسة من جنوب افريقيا وهذا الأخير تســلمها من مصر، وقبلها من رواندا. مبدأ التداول معمول به في كل المنظمات الإقليمية إلا الجامعة العربية، فبعد إنشــاء الجامعــة العربية عــام 1945 وبعد إقرار أن تكــون القاهرة المقر الدائــم للجامعة تم انتخاب أول أمــن عام لها من مصر )عبد الرحمن عزام ‪-1952( 1945‬وهو أمر منطقي وضروري آنــذاك. لكن الذي بدأ عرفا تحول إلى ما يشــبه القانون غير المكتوب. فقد شــغل المنصب بعده كل من عبد الخالق حسونة فمحمود رياض الذي اســتقال بعد اتفاقيــات كامب ديفيد، حيث رحّـل المقر إلى تونس. وبعد استقالة الشاذلي القليبي انتخب عام 1991 عصمت عبد المجيد، تلاه عمرو موســى ثم نبيل العربي وصولا إلى أحمد أبو الغيط. ولسنا هنا في صدد أن نناقش كفاءاتهم أو إنجازاتهم إذ لا يختلف الكثيرون على أن الميزان يميل لصالح الإخفاقات، لكننا نريد أن نطرح قضية الإصرارعلـ­ـى أن يكون الأمين العام مــن بلد واحد فقط، رغم اعترافنا بأهمية هذا البلد، وبين ما هو معمول به في المنظمات الإقليميــ­ة كافة في العالم، من تــداول لمنصب الأمين العام أو الرئيس كي لا تشعر الدول الصغيرة بالغبن.

لذلك بقيت الجامعــة العربية مرتبطــة بالموقف المصري حصريا، فإن غضبت مصر على غــزة، تغضب معها الجامعة العربية ممثلــة بأمينها العام، وإن رضيت عــن التدخل في اليمن طأطأت الجامعة العربية رأســها وســكتت، وإن أيدت مصر تطبيع الإمارات والبحريــن مع العدو الصهيوني لاذت الجامعة العربية بالصمت، واعتبار ذلك من ســيادة الدول، أما قرارات الجامعة نفســها المعتمدة بالإجماع حول مســألة الحقوق الفلسطينية وتأجيل التطبيع إلى ما بعد قيام الدولة الفلســطين­ية، فلتذهب إلى الجحيم. فكيــف نريد للعالم أن يحترم جامعة الدول العربية وهي نفسها لا تحترم قراراتها؟ كيف يمكن لمصر والســودان أن تأخذا موقفا قويا من مجلس الأمن حول سد النهضة وهناك بعض الدول العربية تستثمر المليارات فــي بنائه؟ وكيف للمجتمع الدولــي أن يبقى على تأييــده للحقوق العربية في فلســطين إذا كان بعض العرب يغرسون خناجرهم في ظهر أخيهم الفلسطيني؟

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom