لماذا يهتم بلينكن بعلاقات عمان مع طاقم نفتالي بينيت؟ ... الهدوء في الضفة الغربية وغزة... «الدور الأردني»
واحــدة من المهام التي يعتبرهــا الأمريكيون أساســية والمســكوت عنهــا حتــى اللحظة في إطار المباحثات والمشــاورات الأردنية الأمريكية المتصاعــدة جــداً والتي بدأت تقتــرب من عمق الملفــات المطروحــة.. هي تلك المختصة بســعي الإدارة الأمريكية الحالية لدفع العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى مناطق تعاون مشترك على أمل استعادة حالة التنسيق السياسي والدبلوماسي بين الأردن والحكومة الإســرائيلية الحالية، كما كانت عليه في الماضي.
يبدو أن وزيــر الخارجيــة الأمريكي أنتوني بلينكن، التقى الوفد الأردني الرســمي برئاسة الملك عبــد الله الثاني، في جلســة وصفت بأنها عميقه وصريحة، أظهر خلالها اهتماماً بتشــبيك العلاقة مع الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية برئاســة نفتالي بينيت، على أمل العودة للهدوء والاستقرار وإزالة ما علق في العلاقات الأردنية الإسرائيلية من شوائب ومشكلات، خصوصاً في المرحلة التي حكم فيهــا بنيامين نتنياهو. ويبدو أيضاً أن الوزيــر بلينكين ومســاعديه مهتمون بما يســميه الأمريكيون «الاستقرار والهدوء في الضفة الغربية .»
مهمة
وهــي مهمة يقول مســاعدو بلينكين صراحة بــأن الأردن له دور أساســي وبصمة أساســية في إنجازهــا بالتعــاون مع الســلطة الوطنية الفلســطينية، وأيضــاً على أســاس أن الجانب المصري يتعهد الآن وبموجــب تفويض أمريكي بملف قطاع غزة وحركة حماس والحوار الوطني الفلسطيني وتلاقحات الفصائل الفلسطينية.
طبعــاً، وفقاً للإعــام الإســرائيلي وبعض المعطيات المعلوماتية، حصــل نوع من التواصل والتماس، ونوقشــت بعض الملفات العالقة بين طاقم نفتالي بينيت وبــن الجانب الأردني قبل إنجاز الزيارة المهمــة والتاريخية التي يقوم بها لواشنطن حالياً الملك عبد الله الثاني.
لا توجد معلومات مؤكدة حــول طبيعة هذه الاتصــالات وما الذي قــادت إليــه، لكن لاحظ الجميع أن الناطق باســم الخارجيــة الأردنية الســفير ضيف الله الزبن، أثناء وجود العاهل الأردنــي برفقة وزير الخارجيــة أيمن الصفدي في واشــنطن، أصدر بياناً شــديد اللهجة حذر فيه الجانب الإســرائيلي من الاستمرار باقتحام الحــرم القدســي والمســجد الأقصــى وباحات المسجد، وبلغة خشنة إلى حد ما.
حصل ذلك في الوقت الذي قدمت فيه حيثيات للأمريكيــن من الجانــب الأردنــي ترجح بأن ما يضغط فــي اتجاهه اليمين الإســرائيلي هو السماح للمســتوطنين بدخول المسجد الأقصى وتدنيســه، والســماح لهم بإقامة الصلاة فيه، وهــو أمــر يعتبــره الأردن من أبــرز الخطوط الحمــراء بالنســبة إليــه، ويقــوض الوصاية الهاشمية الأردنية تماماً.
وبالتالي، سأل الأردنيون -عبر الأمريكيينرئيس الوزراء الذي يحــاول أن تصمد حكومته إســرائيلياً الآن، نفتالي بينيت، عمــا إذا كانت لديــه أو التــزم بخطط ســرية مــع المتطرفين الإســرائيليين تحت عنوان تقويــض الوصاية الهاشــمية الأردنية على الحرم القدســي وعلى الأماكن المقدســة إسلامياً ومســيحياً والمسجد الأقصى، كما كان يفعل نتنياهو.
وعد بلينكن على الأرجــح بأن لا يحصل ذلك في ظل عهد الرئاســة الأمريكية الحالية، وجدد دعم بلاده لما سـّـماه بالدور الأردني في القدس، متحدثــاً عن شــراكة اســتراتيجية لا علاقة لها بالعودة فقط لإطلاق عملية الســام مع الأردن، ولكن بالعمل مع المصريين والأردنيين والســلطة الفلســطينية في إطار ثلاثي لتدعيم الاستقرار؛
بمعنى أن الوفــد الأردني الذي تحرك بنشــاط مخترقاً كل أو غالبية مســاحات القرار في عمق المؤسســات الأمريكية، تمكن من رســم صورة بانورامية لما تفكر به الإدارة.
وبالتالي، يمكــن القول بأن وزيــر الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وطاقم الســفارة الأردنية في واشــنطن، لديهم الآن تصورات واضحة عما تفكر به هذه الإدارة بخصوص الملف الفلسطيني، وقــد يكون مــن بينها تحقيــق حالة مــن النمو الاقتصــادي أو الاقتصــاد التنموي فــي الضفة الغربية، والحرص على الهدوء والاســتقرار في الضفــة الغربيــة، وعدم حصول أعمــال عنف لا
بين أهالي الضفة الغربيــة، ولا فصائل الحركات الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، ولا بينهم وبين مجموعات المســتوطنين في محيــط مدن الضفة الغربية.
وتلك مهمــة يعتقد بلينكن ورفاقــه بأن عمان يمكــن أن تســاعد بها، لكــن عمــان تتحدث عن انطباعــات لهــا علاقــة باهتمــام إدارة بايدن بالاستقرار فقط ودون الحرص على وجود عملية سياســية معمقة تعود إلى المفاوضات أو تفرض خيار حل الدولتين.
ومثل هــذا التشــخيص احتاج الرســميون الأردنيون للاحتكاك المباشــر مع صنــاع القرار الأمريكي، وخصوصاً في الكونغرس وفي الحزب الديمقراطي الحاكم، للتوصل إليه.
رغــم أن بعض الخبــراء الكبار، ومــن بينهم المفكر السياسي عدنان أبو عودة، كان قد أكد أمام «القــدس العربي» بأن حديــث الإدارة الأمريكية الحالية عــن حل الدولتين ليــس أكثر من خطاب لفظــي أو لغو سياســي لا يعني أن هــذه الإدارة معنية بفرض حل الدولتين أو حتى خطة لإنجازه، فقد أصبح الأمر أقرب إلى كلاسيكيات لغوية تبدو نشطة، لكنها لا تمثل اتجاهاً أمريكياً حقيقياً يمكن أن يغير الميزان لاحقاً.
ســبق أن اتفق مع رأي أبو عــودة أيضاً وزير البلاط الأردني الأســبق وأحد أبــرز الخبراء في معادلة الديمقراطيــن الأمريكيين، الدكتور مروان المعشــر، وهو يبلغ وعبر «القــدس العربي » أيضاً وفي عــدة محاضــرات، بــأن الإدارة الأمريكية الحاليــة لديها أولويات كبيرة قــد تكون القضية الفلســطينية أبعد منها، وبأن الكلام عن خيار حل الدولتين ينبغي أن يتم استغلاله، ولكنه لن يقود إلى القول بأن هذه الإدارة مهتمة بفرض هذا الحل.
الدبلوماســية الأردنيــة مــن جانبهــا تريد الاســتمرار فــي الضغط علــى حلقــات الإدارة الأمريكية حتــى ينتج عن ذلــك الضغط نوع من الضغط الموازي على الجانب الإسرائيلي.
نمطية منتجة
والاعتقاد السائد وســط دبلوماسيي عمان، أن هــذه النمطية في العمل بدأت تنتج؛ فقد أعلن وزيــر الخارجية الإســرائيلي لــأردن ولغيره وللعالــم بــأن الســماح بزيارة المســتوطنين لباحات المســجد الأقصى والحرم القدســي لن ينعكس على الســماح لمنظماتهم المتطرفة بإقامة صلوات يهودية في الحرم القدســي. وبالتالي، طالب بالتفريق ما بين الســماح بالزيارة وإقامة الصــاة، وهو واحــد من أكبر وأهــم الخطوط الحمراء الأردنية.
في الوقت نفسه، وحسب المعلومات الأردنية، الضغــط الأمريكــي ينتــج فــي مســألة عودة القنصلية الأمريكية إلى القدس الشرقية، وينتج في منع نفتالي بينيت من إظهار الحماسة للجان التي تجتمع إدارياً لتوســيع نطاق المستوطنات حول مــدن الضفة الغربية، حيــث يعيق بينيت عــدة اجتماعــات حتى هــذه اللحظة، حســب المعلومــات الأردنيــة، وحيث فرصــة المناورة الأردنية مفهوم أنها لــن تؤدي إلى اختراق كبير على الصعيد حــل الدولتين، لكنها قد تقود لاحقاً إلى دور إقليمــي أردني ومصري له علاقة بملفي الضفة الغربية وقطاع غزة.