Al-Quds Al-Arabi

هل سيؤثر الانسحاب الأمريكي من العراق في الحشد الشعبي وتنظيم الدولة؟

- *

الاثنــن المقبــل هــو موعد الإعــان المرتقب عن ســحب القوات الأمريكيــ­ة المقاتلة من العــراق، التــي يقــدر عددها بألفــن وخمســمئة جنــدي، وهو الإعــان الــذي تطالب به فصائل الحشــد الشــيعي منذ شــهور طويلة، وشــنت من أجله سلســلة هجمات علــى القواعد الأمريكية في العــراق، ما يجعل هــذه الفصائــل المقربة من طهران من أكثر الأطراف الرابحة من هذه الخطوة، وسيعزز نفوذها ويمكنها من استثمار هذا «النصر» شعبيا في الانتخابات المقبلة، خاصة أن هذه القوى ومن ورائها حليفتهم إيــران أطلقوا تعهدا بإخراج القوات الأمريكية انتقاما لمقتل سليماني والمهندس، واعتبــروا أن اإخراج القــوات الأمريكية هو هدف استراتيجي لهم.

إيران ســتكون بلا شــك أكثر الأطراف الإقليمية ابتهاجــا بهذا الإعــان، فحلفاؤها فــي العراق قد لا يتمكن أحــد من منازعتهــم الهيمنــة، أما حلفاء واشــنطن أو المقربــون منها في العــراق، من قوى شــيعية وســنية وكردية، فلن يكون أمامهم سوى التفاهم مــع حلفاء إيران والتعايش مع ســطوتهم المتصاعــد­ة، والنظر والتحســب من حــال رفاقهم في الشرق الأوســط، الذين باتوا خاضعين لهيمنة حلفاء إيــران المحليين في تلك البلــدان، من اليمن حتى لبنان فسوريا والعراق.

أمنيا، ومــن الناحية العملية، يكتســب الإعلان بعداً معنوياً وإعلاميــاً أكثر منه عملياتيا، فالوجود الأمريكي العسكري محدود التأثير في العراق، بعد اســتعادة الموصل في الســنوات الخمس الأخيرة، والقوات المقاتلة التي ستنســحب لم تشارك أصلا بأي مهام قتالية طوال تلك الفترة تقريبا، بل حتى في عمليات مواجهة تنظيــم الدولة في الموصل وبيجي والرمادي، لم يكــن هناك دور فاعــل لقوات برية، عدا عن بعض المستشــار­ين والقناصين، بينما كان التدخل الأمريكي حاضرا في الجو، والذي كان مؤثرا وفاعلا حينما كان التنظيم محاصرا داخل المدن، ولم يكن كذلك حينما كان التنظيم واسع الانتشار، بل إن مدنا كالرمادي وتدمر اســتولى عليها التنظيم بعد بدء الحملة الجوية للتحالف وتحت نيران القصف الجــوي. إذن، هــذه العناصر القتاليــة الأمريكية المستعدة للانســحاب، في نهاية هذا العام، لم يكن لها دور فعلي كبير داخل العراق عسكريا وسياسيا، ومع توقيع الاتفاقية المقبلة، سيبقى في العراق عدد مقارب من عناصر الدعم اللوجستي والاستشاري، بالإضافــة إلى القــوة الجويــة والاســتخب­ارات والمراقبة والاســتطل­اع ضد «تنظيم الدولة»، أي أن الأمريكيين ســيواصلون توفير خدمتين أساسيتين لبغداد في إطار جهــود مكافحة التنظيم، المعلومات الأمنية من صور فضائية وبيانات تجســس ورصد تحــركات، وضربات جويــة بالطائرات المســيرة والقاصفة، إذا لزم الأمر. التنظيم الجهادي المتطرف يبدو أنه ولــآن يقلق حكومتي بغداد وواشــنطن رغم اضمحلال قوته وتلاشــي ســيطرته الميدانية، فخلاياه ومجاميعه المبعثرة في الأرياف والبوادي السنية، ما زالت تشــن هجمات على أطراف القرى والمدن، وتنفــذ تفجيرات دموية كتلــك التي طالت المدينة الشيعية الفقيرة ليلة العيد، مدينة الصدر.

تصاعد قوة تنظيــم الدولة بعد تخفيف الوجود الأمريكي، لا يبدو انه ســيحدث ســريعا، فالقوات الحكوميــة وفصائل الحشــد تمارس فعليــا مهام مواجهتــه علــى الأرض منذ 2017 مــن دون تدخل أمريكي كبير، ســوى ما يتعلق ببعــض المعلومات الأمنيــة، التــي ســيتواصل تدفقها مــن الجانب الأمريكي مستقبلا، لذلك قد يتمكن الجانب العراقي من مواصلة ســيطرته الأمنية على المدن والبلدات الرئيســية، وطرق المواصلات في المــدى القريب، في المقابل ستســتمر هجمات التنظيم وغاراته من معاقلــه في باديــة الأنبار ووادي حــوران وجبال حمرين ومكحول ومزارع الطارمية والمشــاهد­ة في الحزام الشمالي لبغداد، لكن هذه الهجمات ستبقى مجرد غارات موســمية، تزعج الســلطات الأمنية، مــن دون أن تفقدها ســيطرتها، خاصة أن حلفاءها المحليين في المناطق الســنية من عشــائر منضوية في الحشــد العشــائري، وقوى حزبيــة كالحزب الإسلامي، وشخصيات نافذة كأبو مازن الجبوري، زادوا مــن قوتهم في الســنوات الأخيــرة، وباتت مصالحهم متوافقــة مع القوى الشــيعية الحاكمة، وأصبح أمام تنظيم الدولة خطوط دفاع عديدة عن المدن السنية، أولها تلك المحلية السنية المتحالفة مع الحكومة العراقية، أو مع فصائل الحشــد الشــعبي المقرب من الحرس الثوري الإيراني.

لكــن قدرة الجانــب العراقي على إبقــاء تنظيم الدولة تحت الســيطرة، قد تتراجع فــي مرحلة ما مســتقبلا، وهذا احتمال مرجح إذا ما اجتمعت عدة ظــروف مواتية للتنظيــم، أهمها ازدياد الســخط الســني الشــعبي من ممارســات فصائل الحشد، والسياســا­ت الحكومية الطائفيــة المتأثرة بهيمنة أحزاب الحكم الشيعية، إضافة إلى احتدام النزاعات بين القوى الشيعية الحاكمة، التي فاضت خلافاتها للســطح بعد شــعور فائض بالطمأنينة، تأتي من تلاشــي التهديد المقبل من محافظات الســنة، وقد تضطر للالتئام مجددا وتنحية خلافاتها جانبا فور أي تهديد جديد مستقبلا من «المحافظات المضطربة .» كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

العناصر القتالية الأمريكية المستعدة للانسحاب، نهاية هذا العام، لم يكن لها دور فعلي كبير داخل العراق عسكريا وسياسيا

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom