Al-Quds Al-Arabi

كيف تنظر إسرائيل إلى مكانة «حزب الله» في ظل تفكك لبنان؟

- أورنا مزراحي ويورام شفايتسر نظرة عليا 2021/7/25

■ إن تخلي ســعد الحريري في 15 تموز عن تكليف تشكيل الحكومة في لبنان يعبر عن دوامة الســاحة السياســية في هذه الدولة، وذلك على خلفية الأزمة المتفاقمة للسكان الذين يواجهون أزمة اقتصادية هي الأخطر التي تشــهدها الدولة، والتي تتســبب بمصاعب في نيل الرزق ونقص حاد في مواد الاســتهلا­ك الأساسية: الغذاء، الكهرباء، الوقود، المياه والأدوية، وكــذا لغياب البنى التحتية الأساســية التي يفترض بالدولة أن توفرها لسكانها. المنظومة الحكومية اللبنانية، التي ينقصها حكومة تؤدي مهامها منذ نحو ســنة، تكاد تكون مشلولة تماماً، وليس بوســعها أن تتخذ القــرارات اللازمة للتصدي للأزمــة. كما أن محافل الأمن، وعلى رأسها الجيش اللبناني الذي يعاني هو أيضاً من الضائقة الاقتصادية، تجد صعوبة في أداء مهامها. وتثبت خطوة الحريري مرة أخرى أيضاً هزال وعجز القيادة الغنية والفاسدة، من كل الطوائف، بما فيها حزب الله، والتي تركز أساســاً على حماية قوتها ومكانتها دون أن تبدي أي استعداد للتنازل في المصالح العمومية لسكان الدولة.

ولا يلــوح أي حل في الأفق. والمســاعد­ات الخارجيــة هي في تلبث كذلك: الدول الغربية، التي يئست من ترقب الاستجابة لمطلبها بتشكيل حكومة وتنفيذ الإصلاحات كشــرط للمســاعدة، تدرس إمكانية فرض عقوبات على الإدارة اللبنانية؛ فروسيا والصين مستعدتان للمساعدة شريطة أن تضمنا المقابل لاستثمارهم­ا، وتطلع نصر الله لتلقي المساعدة من إيران لا يتحقق بعد، وذلك بســبب تخوف لبنانــي بأن تقود هذه المساعدة للحيلولة دون تلقي الدعم الدولي الواسع.

وإن فحص الســيناري­وهات المحتملة للتطورات في لبنان لا يبشــر بالخير: الســيناري­و الأكثر معقولية في هذه اللحظــة هو فترة طويلة من الأزمة بمظاهرها الحالية، وتدهور متواصل لدرجة التفكك التام بل وانقســام الدولة وحتى اشــتعال حرب أهلية ثالثة. سيناريو متطرف آخر هو الســيطرة التامــة لحزب الله علــى لبنان وتوســيع الهيمنة الإيرانية في الدولة.

ما المعنى الذي تســتنتجه إسرائيل إن استمرت الأزمة في لبنان. في إسرائيل نهجان في الرد على هذا السؤال:

تفكك لبنان سيئ لإسرائيل – مؤيدو هذا النهج، الذي يعكس فرضية بأن لإســرائيل مصلحــة في لبنان مســتقر ومؤيد للغــرب، يعتقدون بأنه رغم مكانة "حزب الله" الســائدة في لبنــان، فهو ليس بعد القوة الحصريــة، وكل تدهور إضافــي في وضع الدولة الداخلي ســيعززه، وبالتالي قــد يؤدي إلى تغيير التوازن السياســي فــي لبنان في غير مصلحة إسرائيل، ولا ســيما للمدى البعيد، وبهذا سيتحقق حلم نصر اللــه في تحويل لبنان إلــى منطقة أخرى ترعاها إيــران، وإلى جزء لا يتجزأ من المحور الشــيعي. منذ بداية الأزمة الاقتصادية – السياســية المتواصلة في لبنــان، ادعى نصر الله بأن على الاقتصــاد اللبناني أن يفك ارتباطه عن الغرب، وأن يتوجه شــرقاً ويطــور علاقات مع إيران والعراق وســوريا. ومن المعقول حينئذ أن يؤدي تفــكك لبنان إلى أن يرتمــي في حضن إيران الدافــئ ويصبح لاحقاً معقــاً إيرانياً آخر في المنطقة، مثل سوريا.

تفكك لبنان جيد لإسرائيل – أصحاب هذا الاعتقاد يدعون بأن لبنان تحت سيطرة حزب الله الآن، ولكن كلما اشتدت المصاعب الداخلية في هذه الدولة، ســيغرق "حزب الله" في التصدي للأزمة )بما في ذلك في وضع التفكك( وســيكون من الصعب عليــه أن يتوجه إلى المواجهة مع إسرائيل، وســيتبنى نهجاً ملجوماً أكثر تجاهها. حســب هذا المفهوم، حتى لو اختار "حزب الله" السيطرة بالقوة في نهاية المطاف، ويستولي رســمياً على الحكم في لبنان – وهي الخطوة التي امتنع عنها حتى الآن في ضوء الفضائــل التي يمنحها له الوضع الراهــن للإبقاء على قوته العسكرية المســتقلة وتأثيره السياســي على ما يجري في الدولة من خلف الكواليس من خلال حلفائه– فمثل هذا السيناريو كفيل بأن يخدم مصالح إســرائيلي­ة، رغم نواقصه. فضلاً عن ذلك، في هذا السيناريو، الذي ينشــأ عنه تماثل مطلق بين الدولة اللبنانية وحزب الله، سيتسع مجال العمل والشــرعية لإســرائيل للعمل حيال لبنان، ولا ســيما في أوضاع المواجهة العسكرية أو الحرب الشاملة.

والمصلحة الإســرائي­لية تجاه لبنان وفق هذين النهجين ثمة مفاهيم مختلفة قد تنشــأ بالنسبة للسياســة التي على إســرائيل أن تتبناها اليوم: الذين يعتقدون بأن غرق لبنان في أيدي "حزب الله" أمر أيجابي، يؤيدون سياســة عدم التدخــل، ناهيك عن أن قدرة إســرائيل للتأثير على ما يجري في لبنان محدودة جداً. ويدعي أصحاب هذه السياســة بأن على إســرائيل الامتناع عن التدخل في تطــورات لبنان الداخلية، وبالتأكيد ألا تساعده، باستثناء المســاعدة الإنسانية المباشرة أو غير المباشرة، إذ إن كل مساعدة أخرى ستقوي "حزب الله". وبالتالي، على إسرائيل مواصلة تركيز جهودها على إضعاف المنظمة.

بالمقابل، يزعــم أن ثمة تماثلاً مطلقاً بين لبنان و"حزب الله" ولا تزال المصلحة الإســرائي­لية في لبنــان مؤيد للغرب ومســتقر، على حالها. وبالفعــل، "حزب اللــه "هو اليوم الجهــة الأقوى في لبنان عســكرياً وسياســياً، ولكن ليس كل اللبنانيين هم من مؤيــدي المنظمة، والأزمة الخطيرة التي تعصف بالدولة رفعت مستوى النقد تجاهه بسبب أفعاله في الساحة الداخلية. وبالتالي، على إسرائيل أن تحاول الانخراط في المساعي للعثور على ســبيل لتعزيز مراكز القوة الإيجابية في نظرها، ممن يعارضون "حزب الله"، كي تمنع ســيطرته التامة على مؤسسات الدولة وعموم ســكانها، وتحويــل لبنان إلى مرعيــة إيرانية. كل ذلك بالطبع دون هجر الجهود السياسية والعسكرية لإضعاف "حزب الله".

نوصي حكومة إســرائيل بتحديث السياســة تجاه لبنان في النظر إلى المدى البعيد، وفحص تداعيات تفكك الدولة اللبنانية على إسرائيل بخاصة، وعلى المنطقة بعامة. على إسرائيل أن تتبنى نهجاً فاعلاً، يرى في التطورات الحالية في لبنان فرصة أيضاً للتأثير على مســتقبل هذه الدولة وعدم قبول مكانة "حزب الله" السائدة فيها كقدر من السماء، بل وإمكانية سيطرته عليها في الســيناري­و المتطرف. ليست هذه توصية لتدخل إسرائيل المباشر في شؤون لبنان الداخلية، مثل تلك المحاولات السابقة التي فشلت، ولا حتى للتجند للمساعدة المباشرة للبنان: في كل الأحوال، إن قدرة إســرائيل على المساعدة محدودة، ومعظم اللبنانيين يعتبرونها "دولة عدو". كل عروضها للمساعدة للشعب اللبناني، بما في ذلك عرض وزير الدفاع بيني غانتس في 6 تموز لنقل مساعدة إنسانية كتائب حزب الله

من خلال القوة الدولية، رفض رفضاً باتاً.

وبالتالي، المطلوب بلورة سياسة فيها ما يدعم المصلحتين المركزيتين لإسرائيل في الوقت نفسه من حيث إنه لا يزال هناك مجال لتحقيقهما: المصلحــة الأمنية في التصــدي للتهديد الذي يمثله "حــزب الله"، إلى جانب المصلحة في جار مستقر ومؤيد للغرب في الشمال.

لتحقيــق مصلحة لبنان مؤيد للغرب ومتحــرر من التعلق بإيران – على إسرائيل أن تحفز شــركاءها في الغرب ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا، المشــاركت­ين في مســاعي المســاعدة للبنان وكذا أصدقاؤها الجدد في الخليج على العمل بقوة أكبر لتقديم مســاعدة فورية وهادفة للشــعب اللبناني في ظل المطالبة بالرقابة المتشددة على نقل المساعدة، خوف ســقوطها في أيدي "حــزب الله" ومؤيديه. وفــي إطار ذلك، من الأهمية بمكان على نحو خاص التنســيق مــع الأمريكيين لقطع قنوات نقل المســاعدة من إيران إلى "حزب الله"، إذا مــا رفعت العقوبات عن إيران في أعقاب الاتفــاق بين إيران والولايات المتحدة على العودة إلى الاتفاق النووي. من ناحية إســرائيل، ثمــة أهمية أيضاً لمواصلة تعزيز قــوة الجيش اللبنانــي )بالطبــع دون أن تنقل له أســلحة قد تعرض أمنها للخطر )الذي أثبت حتى الآن بأنه الجهــة الوحيدة القادرة على حفظ النظام الداخلي في الدولة، وكذا فحص الأفكار لتوســيع الوجود – التدخل الدولي من جانب جهات ليســت أعضاء في المحور الشــيعي )الولايات المتحدة وفرنســا من جهة، وروســيا والصين ويحتمل حتى تركيا، من جهة أخرى(.

كل ذلك بالتوازي مــع مواصلة الجهد الدائم لإضعــاف "حزب الله" سواء بخطوات سياسية – إعلامية لتشــويه سمعته وتثبيت تعريفه بالســاحة الدوليــة كمنظمة إرهابيــة، أم بالفعل العســكري. أما على المستوى العسكري، إلى جانب الحاجة إلى مواصلة الاستعداد لإمكانية المواجهة في الحدود الشــمالية، فالمطلوب فحص ما إذا كانت الأزمة في لبنان تخلق لإســرائيل فرصة المس بقدرات "حزب الله" على نحو أكبر، والعمل بتصميم أكبر لمنــع محاولة حماس وإيران و"حزب الله" تثبيت "معادلة ردع" جديدة تجاه إســرائيل، تخلق ارتباطاً بين المواجهات في الحرم والقدس بإطلاق النار نحو إســرائيل من شمال الدولة رداً على ذلك، مثلما حصل في أثناء حملة "حارس الأسوار" وأحداث إطلاق النار في 20 تموز عقب المواجهة العنيفة في الحرم في التاسع من آب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom