Al-Quds Al-Arabi

تركيا عقب «انقلاب» تونس: ما بين مساندة مطالب الشعوب وجهود تحسين العلاقات مع الأنظمة

- إسطنبول – «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

في الوقت الذي كانت الدبلوماسـ­ـية التركية تبذل جهوداً حثيثة من أجل تحســن العلاقات مع العديد من الدول العربية التي تراجعت العلاقات معها على خلفية مواقف أنقرة الداعمة للثورات العربية أعلن الرئيس التونســي قيس اســعيد تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة فــي خطوة وصفت بأنها "انقلاب دســتوري" فرضت على أنقرة مجدداً العــودة إلى موقفها التقليدي انطلاقاً مما تقول إنــه موقفها "المبدئي" الرافض للانقلابات العســكرية في أي مكان في العالم ووقوفها إلى جانب "مطالب الشــعوب" وإن كان ذلك على حساب علاقاتها مع الأنظمة التي تضررت كثيراً طوال السنوات الماضية.

ومنــذ انطلاق الثــورات العربية بــدءا بالثورة التونســية قبل أكثر من 10 ســنوات، أبدت تركيا دعماً مطلقاً لما قالت إنها مطالب الشــعوب العربية بالحرية والديمقراط­ية واســتقبلت على أراضيهــا معارضين من معظم دول الربيع العربي قبــل أن تبدأ أنظمة الثورات المضــادة بالصعود وتجد أنقرة نفســها على خلاف كبير مع العديد من الدول والأنظمة العربية لا ســيما في السعودية والإمارات ومصر وسوريا وغيرها الكثير من الأنظمة وإن كان ذلك بدرجات أقل.

لكن ومــع فرض واقع جديد فــي المنطقة العربية بدأت تركيا في الأشــهر الأخيرة حملة دبلوماسية واسعة في محاولة لتحسين العلاقات مع العديد من الأنظمة العربية لا سيما في مصر والخليج وذلك في محاولة لتحسين موقفها في مواجهة التحديات السياســية والعسكرية والاستراتي­جية المتعاظمة في المنطقة لاسيما فيما يتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة وصراع شرق المتوسط والصعوبات الاقتصادية وغيرها من الأســباب التي دفعت الجانبين على حد سواء للبحث عن طريقة لتجاوز الخلافات وتحسين العلاقات.

وفي هذا الســياق، عملت الدبلوماسي­ة التركية بقوة مع مصر والسعودية والإمارات لتجاوز الخلافات، وعلــى الرغم من الفجوة الكبيرة بين الأطراف المختلفــة إلا أنه جــرى تحقيق تقدم في بعــض الملفات لا ســيما فيما يتعلق بالخطاب السياسي والإعلامي والاعتراف بشرعية الأنظمة خاصة في مصر التي جاء رئيســها بانقلاب عســكري، حيث كانت تســود حالة من التفاؤل بإمكانية حصول تقدم حقيقي وعودة طبيعية للعلاقات بين أنقرة والقاهرة.

وفي خضم هذه التطورات، أعلن الرئيس التونســي قيس اسعيد قراراته المفاجئــة بتجميد عمل البرلمــان وإقالة الحكومة حاصراً الســلطات في يده في مشــهد اعتبــره رئيس البرلمان التونســي رائد الغنوشــي "انقلاباً على الديمقراطي­ة والدســتور والثورة" وهو ما أعاد تركيا مجدداً إلى الواجهة في انتظار موقفها مــن هذه التطورات. موقف لم يتأخر كثيــراً كما أنه لم يتغير باعتباره أول وأقوى صوت مندد بـ"الانقلاب" وما ســيحمله ذلك من تبعات على مساعي فتح صفحة جديدة من العديد من الأنظمة العربية. فعلى الرغم

من التوجه الرســمي في تركيا لعدم تعريض مســاعي تحسين العلاقات مع العديد من الأطراف العربية لأي انتكاســة، إلا أن أنقرة تجد نفســها تواجه صعوبــة بالغة في تغيير موقفهــا الذي تعتبره "مبدئيــاً" انطلاقاً من قاعدة رفض كل الانقلابات في أي مكان من العالم وتحت أي ظروف لما عايشته تركيا من تاريخ حافل بالانقلابا­ت العســكرية والدستورية وغيرها، بالإضافة إلى صعوبة التخلي بسهولة عن السياســة التي اتبعت طوال السنوات الماضية والتي اســتندت على مبدأ دعم ثورات الربيع العربي انطلاقاً من قاعدة "دعم

مطالب الشــعوب وليس رغبات الأنظمة"، على الرغم من التنازلات الكبيرة التي قدمت مؤخراً في ملف إعادة العلاقات مع مصر وما رافق ذلك من اعتراف ضمني بالنظام المصري والتضييق على وسائل الإعلام المصرية المعارضة.

وكالعادة، بدأ كبار المســؤولي­ن الأتراك بإبــداء مواقف متتالية جاءت من الرئاســة والبرلمان والخارجيــ­ة وبرلمانيين وحتى زعمــاء أحزاب معارضة أجمعت علــى أن ما جرى هو "انقلاب على الدســتور"، مشــددة على أهمية إعادة إرساء الشــرعية الديمقراطي­ة في تونس وحماية مكتسبات التجربة الديمقراطي­ة، لتســجل أنقرة أول موقــف دولي يعتبر ما جــرى في تونس "انقلاباً".

وفي بيان رســمي، أبــدت وزارة الخارجيــة التركية قلقهــا البالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس، وأعربت عن أملها في إعادة إرســاء الشرعية الديمقراطي­ة ســريعًا في البلاد، وجاء في البيان: "نشــعر بقلق عميق جراء تعليق عمل البرلمان الذي يمثل الإرادة الشعبية في تونس ونأمل إعادة إرساء الشرعية الديمقراطي­ة في إطار أحكام الدستور التونسي بأسرع وقت".

واســتنكر متحدث الرئاســة التركيــة إبراهيــم قالن "تعليــق العملية الديمقراطي­ــة في تونــس"، وكتب عبــر تويتــر: "نرفض تعليــق العملية الديمقراطي­ة وتجاهــل الإرادة الديمقراطي­ة للشــعب في تونــس الصديقة والشــقيقة"، مضيفاً: "ندين المحاولات الفاقدة للشرعية الدستورية والدعم الشــعبي، ونثق أن الديمقراطي­ة التونسية ســتخرج أقوى من هذا المسار"، في حين كتب رئيس دائرة الاتصال في الرئاســة التركية فخر الدين ألطون: "تركيا كانت وما زالت مع الديمقراطي­ة والإرادة الشــعبية، شــعبنا عانى في الماضــي من انقلابات ومحــاولات انقلابية ولذلك نتابــع بقلق ما يحدث في تونس الشقيقة ونؤمن بضرورة تأسيس الديمقراطي­ة من جديد".

كما أدان رئيس البرلمــان التركي مصطفى شــنطوب تجميد عمل البرلمان التونســي واصفاً ما جرى بأنه "انقلاب"، وكتب عبــر تويتر باللغة العربية: "ما جرى في تونس يبعث على القلــق، فالقرارات التي تمنع البرلمان ونوابه المنتخبين من أداء مهامهم، انقلاب ضد النظام الدستوري"، مضيفاً: "الانقلاب العسكري/البيروقراط­ي غير مشروع في كل مكان، وفي تونس أيضا"، وقال: "واثق أن شعب تونس سيدافع عن النظام الدستوري والقانون".

في الســياق ذاته، أكد نعمــان قورتولموش، نائب رئيــس "حزب العدالة والتنميــة" الحاكــم، على "موقف أنقــرة المبدئي الرافــض للانقلابات أينما كانــت في العالم"، وقال: "شــهدت انقلابات عديدة فــي الماضي.. نحن نقف ضد الانقلابات في أي مكان في العالم من حيــث المبدأ، لأنها تتجاهل الإرادة الحرة للشــعب، نحن أمة تدرك أن الانقلابات ضد حكومة شــرعية منتخبة من الشعب، وبرلمان شرعي منتخب، جريمة ضد الإنسانية، بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها".

ومن شــأن هذه المواقف الجازمة أن تؤدي إلى تراجع متوقع في العلاقات بين أنقرة والرئاســة التونسية في حال اســتمرار قيس اسعيد بتعطيل عمل البرلمان وربما قد تتجه الأمور إلى تصعيد أكبر في حال لجوء الأمن التونسي للتضييق على نواب النهضة وزعيمها راشــد الغنوشي الذي التقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً في الســنوات الماضية. هذا المشهد قد يمتد ربما لتصعيد جديد في الخطاب السياســي مع الــدول العربية الأخرى التي يتوقع أن تبدي دعماً كبيراً لخطوات اســعيد لا سيما مصر والإمارات وهو ما قد يؤدي إلى انتكاســة في مساعي تحســن العلاقات لتبدأ جولة جديدة من الخلافات التركية مع نظام عربي جديد بعد أن كان الهدف تحســن العلاقات مع أنظمة أخرى.

 ??  ?? رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب
رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب
 ??  ?? وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom