Al-Quds Al-Arabi

بعد التلويح بـ «السياحة الشيعية»: عندما هز عاهل الأردن «الغربال الإيراني»

«القدس العربي» تقرأ «الخلفيات والتفاصيل»

- عمان «القدسالعرب­ي» من بسام البدارين:

كل مــا يريده الأردن طــوال الوقت ومنذ عام 2011 من الجمهورية الإيرانية هو تجنب اقتراب ميليشياتها المسلحة من حدود البلاد مع سوريا، وإظهار حــازم لعدم وجود رغبة في اســتخدام الأرض الأردنية بعمليات تســلل إلى فلســطين المحتلة.

عمان منشــغلة طــوال الوقــت بالمجموعات العســكرية المســلحة الموالية لإيــران في لبنان والعراق وسوريا. ومنشغلة طوال الوقت أيضاً، وقد فهمــت «القــدس العربي» ذلك فــي نقاش ســابق مع وزير الخارجية أيمــن الصفدي، بأن تضبط طهران إيقاع وحركة حزب الله بنسختيه العراقية واللبنانية، ثم القوات التابعة للحرس الثوري، في جنوب ســوريا بعيــداً عن الحدود والأجــواء الأردنيــة، حيــث الشــغف الأمني والسياســي الأردني كبير فــي الوقوف ضد أي محاولة لاستخدام الجغرافيا الأردنية حتى ولو ضد إسرائيل.

في أروقة القــرار الأردني، ســمعت «القدس العربي» مرات عدة بــأن غرفة العمليات الأمنية ترغب ببقاء أي مجموعات مسلحة موالية لإيران داخل سوريا بعيدة على الأقل 40 كم حصرياً عن منطقة درعا الحدودية بين الأردن وسوريا. وقد لمح لذلك الوزير الصفدي عدة مرات.

في الأثناء، الغرفة نفســها مهتمــة دوماً بألا يجتهد حــزب اللــه اللبناني فــي أي محاولات اختراق ولأي ســبب للجغرافيــ­ا الأردنية، الأمر الــذي اعتبره الأردنيــو­ن في كواليســهم دوماً الســبب الرئيســي والمباشــر في تجنب تسمية سفير أردني في طهران منذ سنوات طويلة.

قالها مبكراً أمام «القدس العربي» وعدة مرات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، مشيراً إلــى أن العمق الاســترات­يجي للدولــة الأردنية مفهوم ويعرفه الجميــع، والبقاء في أقرب نقطة من مصر والسعودية والعراق هو الإستراتيج­ية المعتمــدة، فيما تــدار العلاقات مــع دول أخرى حســب مقتضيات المصلحة مع الإقــرار بأن دولاً مثل إيران وتركيــا العلاقات معهــا مهمة، وهي جارة، لكن ضمن حســابات مفصلــة ولها علاقة بالأمن السياسي قبل أي اعتبار آخر.

لذلك، فيمــا يبدو يتقدم العاهــل الأردني في واشــنطن أثناء زيارته الأخيرة، حسب تقارير صحافية أمريكية، باقتــراح محدد لدى الرئيس جو بايــدن علــى أســاس ضــرورة العمل في المرحلة اللاحقة مع الأمير محمد بن ســلمان في السعودية.

وبالتالي، لا تريد المؤسســة الأردنية الإيحاء بأن أي ســوء فهم أو خلاف خلف الســتارة مع الســعودية قد يؤســس للتقارب مع إيران على حسابها أو حساب النظام الرسمي العربي.

في الأثناء، يســجل العاهل الأردني إعلامياً، وفي حديثــه التلفزيوني الوحيــد على هامش زيارته الأخيرة إلــى واشــنطن، المفاجأة التي تصدرت وســائل الإعلام، متحدثاً عن التصدي لطائرات مسيرة حاولت اختراق بلاده، وحملت تواقيــع إيرانيــة، وعن وجود مباعــث قلق في المنطقة متعلقة بنشاطات إيران.

استفســرت «القدس العربي» من دبلوماسي أردني عميــق عن تلك العبــارات الملكية الحذرة في المســألة الإيرانية من حيث اللفظ والرسالة والتوقيت.

الاعتقاد هنا متصدر بأن عبارة «تحمل تواقيع إيرانية» قد يكــون الهدف منهــا تجنب توجيه اتهام مباشر للإيرانيين، ولفت النظر إلى ما يمكن أن تفعله المجموعات المســلحة الموالية لهم بعلم الدولة الإيرانية أو بدونه.

المعنى أن القيادة الأردنية تراســل الإيرانيين بعمــق وعن بعــد، وتوجه لهم ضمنياً الســؤال التالي: هل يشــكل القيام ببعض النشاطات في الأرض الأردنيــة مــن قبل مســلحين مدعومين، سياسة للدولة الإيرانية العميقة؟

على الأرجح، تعرف عمــان الإجابة المفصلية علــى هــذا الســؤال، لكــن الإيحــاء إعلامياً ودبلوماســ­ياً قوي بأن الجانــب الأردني يلفت نظــر الإيرانيين لوجود ملاحظــات عليهم، لا بد مــن أخذها في الاعتبار قبــل الانتقال بالعلاقات والاتصالات إلى مســتويات أكثــر تقدماً لاحقاً،

وضمن المســافات التي يســمح بها الأمريكي في كل حال.

في المقابل، وبالضرورة، فالحديث عن مباعث قلق أردنية متعلقة بنشــاطات إيران في المنطقة يتقصد التأشــير -على الأرجح- على ما تفعله في عمق الجنوب الســوري بعض الميليشــي­ات الإيرانية المســلحة التي تتبــع الحرس الثوري، أو التأشــير على بعض القذائف التي تطلق على إسرائيل فتسقط في الأردن.

قد تكون من المرات النــادرة التي تطرح فيها القيادة الأردنية علناً ملاحظات مباشــرة حول مخاوفها الإيرانية تحديــداً، فالخصاونة كان قد أكد في النقاش نفسه سابقاً بأن الأمن الحدودي الأردني لــه أولوية، وبأن بلاده لا تســمح ولن تسمح بأن تكون الجغرافيا الأردنية ورقة في يد أي أجندة في الإقليم، مشــيراً إلى أن ذلك يشمل الجميع.

يبدو في الســياق نفســه بأن صراحة الملك الأردنــي في الحديــث علناً عن الملــف الإيراني وبلاده لها ما يبررها سياســياً ودبلوماسياً على الأقل، بتقدير المؤسســة الأردنية؛ فعمان تستمع عبر منظومة اتصالات خاصة بها ومباشــرة مع الرئيس الســوري بشار الأســد وبعض أركانه، إلــى ملاحظــات ســورية عــن تلك المشــكلات التي يتســبب بها الصديق والحليــف الإيراني العسكري والأمني.

وعمــان لا تريد لنفســها التموقــع جغرافياً على الطريقة السورية في مســاحة مناورة بين الإيرانيين والإسرائيل­يين، وهي ترحب في الأثناء وعلناً بالاتفاق النووي، وبــأن تصل طهران مع واشنطن إلى تفاهمات أساسية واستراتيجي­ة.

يبقى أن الرســالة الملكية الأردنية، وخلافاً لما يعتقــده البعض، لها علاقة بمناكفــة الإيرانيين فقط، أو بالاستعراض ضدهم، فالتقدير الأردني السياســي الرســمي أن تلك الملاحظــا­ت الملكية ينبغــي على طهران احترامهــا والبحث فيها إذا ما كانت ســتقبل لاحقــاً دعوات أردنيــة للتقدم والانفتاح أكثر.

الاعتقــاد يتصدر اليوم بأن الأردن مســتعد أو يمكنه أن يبحث تســمية وإعادة الســفير إلى طهران، ومســتعد ويمكنه أن يبحث فتح المجال أمام الســياحة الدينية الشيعية، ومستعد أيضاً لإظهار قدر من المرونة في التعاون مع الإيرانيين بالعمقين السوري والعراقي إذا رغبوا بذلك.

إنضــاج هذه النوايــا تطلب فيمــا يبدو «هز الغربــال» الإيراني، وتفســير أو تقديم تفســير للإيرانيين وغيرهم حول مســوغات الجمود من الجانب الأردني، وهي مســوغات يمكن قراءتها في باطن عبــارات مثل «مباعــث قلق» و»تحمل تواقيع إيرانية».

 ??  ?? العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom