مسمار الاستيطان في الأغوار الفلسطينية يدق في «المعسكرات الإسرائيلية المخلاة»
جهود المقاومة الشعبية طردت المستوطنين من «معسكر تياسير»
اعتبــر عــارف دراغمــة، الناشــط الحقوقي الفلسطيني، أن النشــاط الاستيطاني في الأغوار يستغل ويســتثمر معسكرات الجيش الإسرائيلي التي تم إخلاؤها في فترات سابقة وبقيت الأراضي المقامة عليها مناطق عسكرية مغلقة.
وكانــت مجموعة مــن 5 عائلات لمســتوطنين قد قامت قبل أيام بالتوجه إلى معســكر تياســير )شــمال شــرق مدينة طوباس، الــذي يقع على مساحة 100 دونم( بســياراتهم وبيوتهم المتنقلة لوضع نواة لبؤرة اســتيطانية جديــدة أطلقوا عليها اسم «عليات الياهو».
ويشــير في تصريحــات لصحيفــة «القدس العربي» أن هناك شكوكا من أن العائلات الخمس التي جاءت إلى معســكر تياســير المخلى منذ عام 2005 هي مــن العائــات التي طردتهــا المقاومة الشــعبية في بيتا/ نابلس قبل أقل من شهر «هذا أمر وارد ولا نستبعده».
نموذج جديد للمقاومة
وكان تحرك كبير من قوى المقاومة الشعبية في مناطق مختلفة في الضفة الغربية وبشكل أساسي من محافظة طوباس وبلدة تياسير قد قدم نموذجا جديدا للمقاومة الشــعبية عندما هاجموا البؤرة الجديدة والجنود الذيــن قاموا بحماية العائلات الخمس، حيث تعرضوا للغاز والرصاص المطاطي من دون أن يثني ذلك المشاركين من فصائل العمل الوطني وفعاليات محافظة طوباس من الاستمرار في المســيرة الجماهيرية في التقدم نحو المعسكر إلى حين مغادرة العائلات الخمس هربا.
وهو ما اعتبره معتز بشــارات، مســؤول ملف الأغــوار في محافظــة طوباس، بمثابــة انتصار مبدئي للمقاومة الشــعبية التي لن تســتكين أمام أي هجمة اســتيطانية في مناطق الأغوار، حسب قوله.
وقالت مصــادر طبية ان 3 مواطنــن أصيبوا برصــاص الاحتلال خــال قمع المســيرة المنددة باســتيلاء المســتوطنين على أرض المعسكر التي يطمع المســتوطنون لإقامة بؤرة استيطانية على مساحته الكبيرة.
وكان هــؤلاء المســتوطنون قد اعتــدوا على المشــاركين في المســيرة بالحجارة والرصاص، إضافة إلى رشق السيارات التي تمر قرب الحاجز بالحجارة.
ويؤكد دراغمة أن إخلاء أي معسكر إسرائيلي لا يعني أن تعود الأرض المقامة عليه للفلسطينيين،
إنما يعمــد الجيش إلى إبقاء بعــض الجنود على فترات في المكان. ويضرب معسكر تياسير نموذجا )وهو المحاذي لقرية العقبة( حيث تقوم السياسة الأمنيــة الاحتلاليــة على وجود طفيــف للجنود في أبراجهم العســكرية بهــدف حماية تحركات المستوطنين وللتنغيص على المواطنين في منطقة الأغوار، وتحديدا في طريق ذهابهم إلى مزارعهم وأراضيهم صباحا وعودتهم منها مساء.
ويضيف أن هناك مجموعة من المعسكرات التي قام الجنــود بإخلائها خلال الســنوات الماضية. ويتابــع: «ما نلحظــه أن المســتوطنين يضعون أعينهم عليها لكونها مناطق اســتراتيجية ويوفر الجنود فيها الحماية لهم.»
ويســرد قائلا: «هناك أربع مستوطنات قريبة من طوباس ومنطقة تياسير وهي معسكر تياسير )ربيوت(: هو معسكر وحاجز أقيم عام 2002على أراضي بلدة طمون وتياســير في منطقة يرزا، أما معســكر «حمدات» فهو مقام علــى أراضي خربة مكحول في البقيعة، وهناك مستوطنة «مسكيوت» المقامــة في الجهة الشــرقية مــن وادي المالح في الأغوار الشمالية، ومعسكر «المزوكا» الذي تحول إلى مستوطنة أيضا .»
ويدلل دراغمة علــى أن هناك تناغما بين جيش الاحتلال والمســتوطنين وتبادلا للأدوار خيث «لا
يقتصر الأمر على الحمايــة وتوفيرها لكن نلحظ تنســيقا بين الجنــود والمســتوطنين لإقامة بؤر اســتيطانية في المعســكرات التي تخلى لأسباب مختلفة .»
ويؤكد أن طمســاحة المعسكرات الإسرائيلية متفاوتة، لكن معســكر تياســير مثلا الذي تبلغ مســاحته 100 دونم يعنــي أن يتم تحويل 3000 دونم في محيطه لصالح أمن المعسكر، وهذا يعني مزيدا من قضم الأراضي والسيطرة عليها.»
وحســب معلومات رسمية فلســطينية فإنه توجد في محافظة طوباس والأغوار الشــمالية سبعة معســكرات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي معســكرات تســتخدم للتدريب بالذخيرة الحيــة. وتكمن خطــورة هذه المعســكرات في ســيطرتها على مساحات شاســعة من أراضي المواطنين في الأغوار الشــمالية لأغراض إجراء المنــاورات العســكرية، وتقطيعهــا لأوصــال التجمعات السكانية الفلســطينية، وجعلها في معازل يصعب التواصل فيما بينها، واستهدافها للمواطنين بالقتل والجرح والطرد وهدم المنازل ومصادرة الممتلكات بشكل متواصل، في محاولة لتفريغهــا مــن ســكانها وإحلال المســتوطنين مكانهــم، وإلحاقهــا أضــرارا جســيمة بالبيئة الفلسطينية، بســبب الذخائر المســتخدمة في المناورات العســكرية ومخلفاتهــا، إضافة إلى نفايات ومجــاري هذه المعســكرات التي تلوث البيئة بشــكل صارخ، وتوفيرهــا مظلة حماية للمستوطنات والمستوطنين في المنطقة؛ وتقديم الدعم والاســناد للمســتوطنين في اعتداءاتهم على الأهالي في المنطقة.
وبالإضافة للمعســكرات التــي ذكرها عارف دراغمة هناك معســكرا «بقعوت» و«ســعورا» المقامــان على أراضي خربة ســمرا، ومعســكر «الناحل» المقام على أراضي منطقة وادي المالح، ومعسكر «موفيه» المقام على أراضي خربة موفيه في البقيعة، معسكر «ترستيا» المقام على أراضي خربة حمصة/ بصلية، في البقيعة.
اعتداءات المستوطنين
ولا تتوقف حسب معتز بشــارات اعتداءات المســتوطنين عند هدف التضيــق على المزارعين والرعاة، وآخــر هذه الاســتهدافات كان ما قام به مســتوطنون مســنودون بقوات عســكرية إســرائيلية، حيــث قاموا أمس بعملية تســيج لمحيط نبع عين الحلوة )في الأغوار الشــمالية( ومنعوا الرعاة من سقي مواشيهم منها.
ويعاني أهالي الأغوار الشمالية من أزمة مياه خانقة تصــل ذروتها خلال فصــل الصيف على وجه التحديد، وذلك بســبب سياسات الاحتلال التي تعمد للسيطرة على كل موارد المياه.
يذكــر أن منطقــة «عــن الحلــوة» تشــهد اعتداءات متكررة علــى الرعاة تتمثل بالاعتداء عليهم ومنعهم من ســقي ماشيتهم، ومؤخرا قام مستوطنون بزراعة أشــجار حول النبع لإكمال الاستيلاء عليه.
ويتحدر سكان خربة عين حلوة البالغ عددهم ما يقارب 140 نســمة بالأصل من بلدة طمون في محافظة طوباس، تحديدا من عائلتي بشــارات وبني عودة، وطبيعة عملهم فــي تربية الأغنام ويعيشون في المنطقة ويعتمدون بشكل أساسي على تربية أغنامهم.
وتشــير الأرقام إلــى أن مســاحة الأراضي الصالحة للزراعة تبلغ في منطقة الأغوار حوالى 280 ألف دونم، أي ما نسبته 38.8٪ من المساحة الكلية للأغوار؛ يســتغل الفلسطينيون منها 50 ألف دونم؛ وتشــكل الأغــوار 50٪ من أجمالي المســاحات الزراعية في الضفــة الغربية وتنتج 60٪ مــن إجمالي ناتج الخضار. فيما يســتغل ســكان مســتوطنات الأغوار 27 ألف دونٍم من الأراضي الزراعية فيها. وتســيطر إسرائيل على البقية بذريعة اســتخدامها كمناطق عســكرية
مغلقة؛ أي ما نسبته 55.5٪ من المساحة الكلية للأغوار؛ ويحظر على الســكان الفلســطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو أي نشاط آخر في هذه المناطق.
وتجثم على أراضي الأغوار الفلســطينية 36 مســتوطنة، وغالبيتها زراعيــة، أقيمت على 12 ألف دونم، إضافة إلــى 60 ألف دونم ملحقة بها، ويســكنها ما يقارب 9500 مستوطن من المقيمين، وتتبع معظم المستوطنات في الأغوار للمجالس الاســتيطانية الاقليمية المعروفة باسم «عرفوت هيردن» و«مجيلوت».
وفي ســبتمبر/ أيلــول 2019 أعلــن رئيس الوزراء الإســرائيلي بنيامين نتنياهو الســابق عن نيته بضم الأغوار إلى السيادة الإسرائيلية، لكنه وبفعــل ضغــوط دولية تراجــع عن ذلك إعلاميا، لكن ســكان الأغوار والنشــطاء هناك يؤكــدون أن عملية الضم مســتمرة ولم تتوقف ليوم واحد.
وتمتد الأغوار الفلســطينية )التي يبلغ عدد التجمعات الفلسطينية فيها 27 تجمعا ثابتا( من بيسان حتى صفد شــمالًا؛ ومن عين جدي حتى النقــب جنوبًا؛ ومن منتصف نهــر الأردن حتى السفوح الشــرقية للضفة الغربية غربًا. وتبلغ المساحة الإجمالية للأغوار 720 ألف دونم.