Al-Quds Al-Arabi

فرنسا تشعر بالمرارة بسبب بيغاسوس

- NSO NSO

يعيش العالــم على إيقــاع فضيحة بيغاســوس، برنامــج التجســس الــذي كانت تقــوم بتصنيعه الشــركة الإســرائي­لية ،واقتناهعدد­منالدول،علىرأســها الدول العربية، للتجســس على دعاة الديمقراطي­ة وبعض الدول. ولعل أبرز ملف في هذه الفضيحة هو الذي، يفترض أنه تعرض له الرئيس الفرنســي إيمانويل ماكرون، حيث كان رد فعل باريس استثنائيا، معتبرة الهجوم بمثابة حرب حقيقية. وهناك معطيات معينة بين المادية والنفسية، تفسر رد فعل فرنسا التي شعرت بنوع من الاحتقار.

في هذا الصــدد، يتابع العالم فضيحة التجســس التي نفذها عدد من الدول ضد صحافيين وحقوقيين وسياســيين في شــتى الــدول وعلــى رأســها العربية. وكالعــادة في الحالة العربية، لم تتجســس الأنظمــة العربية الممثلة في استخباراته­ا على علماء نابغين من دول أخرى، أو سعت الى الحصول على أسرار صناعية استثنائية لتطوير صناعتها، بل وظفت المال العام لمراقبة المطالبين بإرســاء الديمقراطي­ة وضد فاضحــي الفســاد، والمندديــ­ن بخروقــات حقوق الإنسان. وبادرت الشركة الإســرائي­لية المصنعة للبرنامج إلى إغلاق أبوابها تجنبا للملاحقة من طرف القضاء الدولي، بهدف محو علامــات الجريمة، في انتظار إعادة الفتح تحت اسم آخر وربما جنســية أخرى، طالما العالم دخل في حرب سيبرانية تتطلب أسلحة من نوع بيغاسوس.

ولعل الفصل المشــوق في هذه الفضيحة هو التجســس الــذي تعرضت له فرنســا، ولاســيما الرئيــس إيمانويل ماكرون نفســه، ويتم توجيــه الاتهام إلى المغــرب، وهذا الأخير ينفي نفيا قاطعا التجسس على ماكرون، أو أن يكون قد اقتنى برنامج التجسس بيغاســوس، وفي المقابل تقدم بدعوى مضادة أمام القضاء الفرنســي ضــد منظمة العفو الدولية ومنظمة فوربيدن ستوريز. لقد كان رد فعل فرنسا، وإن لم تســمي الدولة التي تجسست عليها، استثنائيا بكل المقاييس. في هــذا الصدد، أقدمت باريــس على خطوتين، الأولــى وهي اعتبار التجســس الذي تعرضــت له بمثابة اعتــداء على الأمن القومــي للبلاد، أي أنه حــرب من نوع آخر، ولهذا عقد الرئيس اجتماعا استثنائيا لمجلس الدفاع، الخميس الماضي، ولم يعقد اجتماعــا حكوميا. وهذا يحمل دلالة كبيرة، ويعني تولي المؤسسة العسكرية الملف وليس الفاعل السياســي، نظرا لحساســيته ونوعية الإجراءات التــي قد يتم اتخاذها، إذ يوجد فرق بين القرار الذي يتخذه السياسي، والقرار الذي يشارك في اتخاذه العسكري. وإذا لم تتأكد فرنسا من التجسس على رئيسها ماكرون، لما عقدت اجتماعا دفاعيا اســتثنائي­ا. وثانيا، لم تتهم فرنسا المغرب

مباشــرة، على الرغم من توجيه وسائل إعلام فرنسية مثل جريدة «لوموند» أصابع الاتهام الى الرباط بالتجسس على ألف هاتف فرنســي، بل فضّلت فرنسا التوجه مباشرة الى إسرائيل، طلبا للاستفســا­ر والتوضيح، بحكم أن إسرائيل هي التي تصنع برنامج بيغاسوس، ومسؤولة عن تسويقه. وقام الرئيس ماكرون بنفســه بطلب توضيحات من رئيس حكومة إســرائيل. وتترك فضيحة التجســس هذه حسرة في نفســية الطبقة السياسية والعســكري­ة والدبلوماس­ية والاســتخب­اراتية في فرنســا، وتمتد إلى أوروبا للأسباب التالية:

في المقام الأول، عملية التجسس التي تعرضت لها فرنسا جــاءت من طرف حلفــاء لها، تجمعها بهــم علاقات متينة، عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية، حيث تشير أصابع الاتهام علانيــة إلى المغرب، الذي ينفــي قيامه بهذا العمل، ثم إلى إسرائيل الصامتة كعادتها، كما تشير أصابع الاتهام في صمت إلى بلديــن عربيين وهما الســعودية والإمارات العربية. وتوجد شــبهات كبيرة حول البلــد الأخير، كذلك بعدما كان بعض الناشــطين الحقوقيــن يهددون باللجوء إلى القضاء الفرنســي ضد ولي العهــد الإماراتي محمد بن زايــد، الــذي أقامت اســتخبارا­ته «إيشــلون عربي» على شاكلة إيشلون الأنكلوسكس­ــوني، الذي كان أكبر مشروع اســتخبارا­تي في الثمانينيـ­ـات والتســعين­يات من القرن الماضي، قبل انفضاحه.

في المقام الثاني، تشــعر فرنســا بالمرارة نظرا للاحتقار التــي تعاملــت به معهــا إســرائيل، فقد أجبــرت حكومة إسرائيلشــ­ركة المصنعةلبر­نامجبيغاسو­سعلى عدم التجســس على أرقام الهواتف الروســية والصينية والأمريكيـ­ـة، وهناك حديث عن البريطانيـ­ـة كذلك. ويعود القرار إلــى تخوف إســرائيل من رد فعل قــوي من الدول الثــاث، التي تمتلك القدرة الســيبران­ية على تنفيذ هجوم كاسح ضد مصالح إسرائيل، ورغم تقدم إسرائيل في مجال التجسس المرتبط بالإنترنت، تبقى دون قوة الدول الثلاث، خاصة الصين. كما تخوفت من القضاء الأمريكي الذي يحقق عبر محكمة في ســان فرانسيســك­و ومنذ 2019 في اختراق بيغاسوس لبرنامج واتســاب، حيث كان برنامج واتساب أول من نبــه إلى برنامج التجســس هذا، وأخبــر في تلك السنة 1400 شخص في العالم بتعرض هواتفهم للتجسس. وتقدم بالدعوى سنة 2019 كل من مؤسسة فيسبوك وغوغل ومايكروسوف­ت.

في المقام الثالث، كشــفت هذه الفضيحة ضعف فرنســا ودول الاتحــاد الأوروبــي علــى حمايــة أمنهــا الرقمي، وهشاشــتها أمام كل حــرب ســيبرانية. ومع انــدلاع كل فضيحة، مثل تسريبات إدوارد ســنودن، الذي فضح سنة 2014 تجســس وكالة الأمن القومي الأمريكــي على العالم، تكون دول الاتحاد الأوروبي هــي الضحية الأولى، كما هي ضحية الهجمات من روســيا، وأساسا الصين التي تخترق المجال الرقمي الأوروبي، وبالخصوص الألماني والفرنســي بحثا عن ســرقة الأســرار الصناعيــة. وهــذه الفضيحة الجديــدة هي التي تجعــل الأصوات ترتفع مجددا وســط فرنسا والاتحاد الأوروبي بضرورة تعزيز صناعة البرامج السيبرانية مستقبلا لحماية الأمن القومي الأوروبي.

في غضون ذلك، فرنســا الجريحة التي تعتبر أن كرامتها قد تعرضت للإهانة بســبب عملية التجســس من حلفائها، هي فرنســا التي تبيع برامج تجســس إلى الأنظمة نفسها للتجســس على المعارضــن ودعــاة الديمقراطي­ة وأنصار حقوق الإنسان. *كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

فرنسا الجريحة هي نفسها التي تبيع برامج إلى بعض الأنظمة للتجسس على المعارضين ودعاة الديمقراطي­ة وأنصار حقوق الإنسان

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom