لجنة «تحديث المنظومة» الأردنية وتحدي «التحجيم» بعد سؤال «تضخم الأنا»
تبــدو مهمة صعبة لكنها ليســت مســتحيلة، فالانشــغال بما يمكــن أن تنتجــه لجنة تحديث المنظومة السياسية في الأردن كبير ومثير.
وإذا كان القصد من إنتاج هذا الانشغال إلهاء الأردنيين، ومجدداً طهي حصاة الإصلاح بدلاً من إنتاجه وإنجازه فعلاً، فالفرصة الأخيرة ستضيع، واللجنــة التــي تحظى بدعــم مرجعــي وملكي ومؤسساتي يمكن في حال عدم السماح لها بتغيير المنتج تفخيخها مبكراً ليس بانسحابات، فلم تعد منتجة ولا راشدة ولا تؤدي إلى شيء محدد، لكن بموقف ينســحب من المخرجات ويؤســس لكتلة حرجة هذه المرة من داخل اللجنة عنوانها الإفلات الفردي والشــخصي من كمين محتمل، الأمر الذي ســينتج عنه بالضرورة سلســلة خيبــات أمل تتراكم مجدداً في ظل احتقان سياســي ومعيشي واقتصادي. تلك خيبات أمل يمكن الاستغناء عنها في كل حال.
لكن الأهم أن الضمانة الرئيســية التي يقدمها رئيــس اللجنــة ســمير الرفاعي، وهــو يحاول الســيطرة على إيقاعات الأعضــاء، هي تلك التي تكمن في خطابه المتعلق برصد وملاحظة ســقف
ملكي في الإصلاح
هل يعنــي ذلك شــيئاً محدداً بلغــة الإصلاح السياسي؟
الإجابــة بـ"نعــم" خجولــة حتــى اللحظة، فاللجنــة الملكيــة لتحديث المنظومة السياســية تحاول حتى الآن ترســيم المدار الذي تتجول فيه، وإحدى مشــكلاتها التي ظهرت بعد الانخراط في عملية العصــف الذهني هي تلك التــي تتمثل في أن اللجنة كان مطلوبــاً منها تعريف مهمتها أصلاً وترسيم تلك المهمة.
والمعنى هنــا أن اللجنة لأســباب يمكن فهمها الآن تجنبت وضع إطــارات تفصيلية للمطلوب، وأن حوارات الرفاعي مع الأعضاء هي التي تبرمج وتمنهــج المطلــوب الآن.. تلك مجازفة سياســية -برأي السياسي الإســامي مروان الفاعورييمكن أن تقود إلى تشــظيات وانســاخات على أساس أن التحدي الذي تواجهه البلاد استثنائي ويحتاج إلى مخرجات استثنائية.
في رأيــه، المتحــف الوطني ملــيء بالوثائق والتوصيــات والأوراق والتقاريــر النبيلة، لكن المطلوب نفض الغبار إجرائيــاً عن تلك الوثائق، وفتــح المنــاخ والبيئة أمــام مقاربــة إصلاحية شمولية توقف حالة الاحتقان والتأزيم السياسي.
يعلم الفاعــوري وغيره أن بعض مراكز القوى تتربص بمنتــج اللجنة، وأن وصولها إلى شــط الأمان بمقترحات إجرائيــة معقولة بالحد الأدنى مهمة محفوفــة ببعــض المخاطر، لكــن التعليق على مثل هذا الخطاب كان قد أســس له الرفاعي وهو يشــرح للأردنيين أن مهــام اللجنة واضحة بموجب التكليف الملكــي، وأن جلالة الملك يضمن
ليس التزام حكومته فقط بما تقرره اللجنة بشان قانوني الأحزاب والانتخابات، بل يضمن أيضاً أن يحصل ذلك بدون "تغيير أو تأثير".
يبــدو الرفاعي في الرســائل التي تصدر عنه لمن يلتقيه من الشــغوفين بالإصلاح أو السائلين عنه أو المهتمين به مهتماً برسالة موازية تؤكد بأن التدخل في أعمال لجنته ممنوع، وبأمر ملكي، لا بل يزيد الرجل وهــو يؤكد بحضور "القدس العربي" أن "أي تدخل لم ولن يحصل".
تبــدو جرعة ثقة كبيــرة عندمــا يتعلق الأمر بلجنــة عريضة وضخمة استشــارية لا مكان لها في الإلزامية الدســتورية حتى وإن كانت جرعة مطلوبــة بحــد ذاتها لإشــاعة أجــواء التغيير الإيجابية. ويســأل الجميع اليــوم: هل تضخمت الأنــا داخــل اللجنة؟ هــل جرعة الثقــة بالمنجز والإنجاز أكبر من الواقع؟
تلك أسئلة طبيعي أن تنظر لها اللجنة بارتياب ومن باب التشكيك والشــعبوية، لا بل أحياناً من باب العبث.
لكــن طبيعي، في المقابل، أن ينظــر لها أحياناً من زاوية الاشتباك الإيجابي والتحفيز والرقابة والحث، وفقاً للمنطق الــذي يؤمن بأنها قد تكون اللجنــة الأخيرة حقــاً أو تمثل فرصــة الإصلاح الأخيرة تحت عنوان الاســتدراك لاستعادة الثقة والمصداقية. ولا يمانع أعضاء بارزون في اللجنة الاســتماع إلى مثل تلك التشــكيكات، لكن عضو اللجنة المسيس والديناميكي جميل النمري، سأل أمام "القدس العربي": ما هو الخيار البديل؟
حســب فهمه لما يجري، المشــككون مسبقاً في منتــج اللجنة خصوصــاً في قانونــي الأحزاب
والانتخابات عليهم الإجابة على السؤال البديل، ومن سيحاولون إعاقة تقديم منتج حقيقي للناس وللوطن سواء خارج اللجنة أو حتى داخلها أيضاً لا يملكون إجابة على السؤال البديل.
وعليه، يمكن القول بأن العــرض الذي تقيمه لجنة تحديث المنظومــة الآن وقد ينتهي في الـ30 من شــهر آب المقبل، يواجه مشــكلات وتحديات، لكنه يبقى العرض الوحيد في المســرح السياسي الوطنــي الآن، وينطــوي علــى فرصة يســأل الإسلاميون المعارضون فيما بينهم ومع الآخرين: هل نأخذها حتى وإن كانت صغيرة، أم لا؟
العدد الضخــم لأعضاء اللجنة لا يوحي بالثقة بمخرجاتها. ومخــاوف تســييس اللجنة وعدد الأعضاء لأغراض جملــة تكتيكية ودولية متاحة في بورصــة التســاؤلات. وبعــض الأعضاء لا يحضــرون الاجتماعات بعدما حظــوا بمقعد في حوار التحديث والمستقبل.
تلك مشــكلات واقعية، ومن الصعب إنكارها. لكن اللجنة بالمقابل تعمل خلف الســتارة.. تنتج أفــكاراً وأوراق عمل مهمة، وتحــاول باجتهاد أن تجد لنفســها مكاناً في إطار إنجاز المهمة المطلوبة ملكياً، والارتقــاء ولو للحد الأدنى في مســتوى مواجهة التحديات واستعادة ثقة الناس على أمل التمكن من مهمة لم تكن واردة في الماضي، بعنوان تشخيص مصلحة النظام والدولة.