Al-Quds Al-Arabi

خبراء حقوقيون يشرحون مفهوم «الاحتلال النير» ويتساءلون: هل يمكن للفلسطينيي­ن نيل العدالة من القضاء الإسرائيلي؟

خلال ندوة «منظمة القانون من أجل فلسطين»:

- رام الله ـ «القدس العربي» ـ من سعيد أبو معلا:

قلل خبــراء حقوقيون فلســطينيو­ن خلال نــدوة متخصصة عقدتها «منظمة القانون من أجل فلسطين» أمس، من أهمية اللجوء إلى القضاء الإسرائيلي وتحديدا المحكمة العليا في سبيل نضالهم لنيل العدالة.

واعتبــروا أن النظام الاحتلالي الإســرائي­لي يهدف إلى تقديم نفســه من خلال الســماح بالترافع وتقديم التماســات للمحاكم الإسرائيلي­ة على أنه «احتلال نير» حيث تظهر المحاكم الاحتلالية أنها طرف محايــد، لكنها في الحقيقة تعمل علــى خدمة الاحتلال واستمراره في كل المناطق الفلسطينية المحتلة.

وحاولــت الندوة المتخصصــة، التي حملت عنــوان «القضاء الإســرائي­لي والقانــون الدولي: هــل يمكن للفلســطين­يين نيل العدالة؟» الإجابة على أسئلة كثيرة طرحها مسيّر الندوة الدكتور صلاح عبــد العاطي، المحامي والناشــط الحقوقي الفلســطين­ي، وعضــو مجلس أمناء في منظمة القانون من أجل فلســطين، ومن ضمنها :هل يمثَل القضاء الإســرائي­لي أداة لتشــريع الاستيطان والاســتعم­ار غير القانوني في الأراضي المحتلــة، وأداة للتمييز العنصري ضد الفلسطينيي­ن؟

وكيف تفسّر المحاكم الإســرائي­لية القوانين الدولية فيما يتعلق بالاستيطان ونزع الأراضي واستغلال الموارد والاحتلال وغيرها؟ وما هو موقف القانــون الدولي والقانون الدولي الإنســاني من بسط القضاء الإسرائيلي ولايته على بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة؟

وكيــف يمكــن للفلســطين­يين مواجهته؟ وهل هنــاك حالات إنصاف للفلســطين­يين من القضاء الإســرائي­لي؟ وفي حال ثبات عدم إنصاف القضاء الإسرائيلي، هل هناك سُبل للاستئناف لدى المنظومة الدولية وفق قواعد القانون الدولي؟

الاحتلال النير!

الحقوقــي معين عودة، وهو باحث دكتوراة في مجال الســام وحل النزاعات في جامعة جورج ماســون فــي الولايات المتحدة تحدث عن الكيفية التي تفســر بهــا المحكمة العليا الإســرائي­لية القانــون الدولي، وكيــف تتعامل معه، وكيــف طوعته في أغلب الحالات ليخدم مصالح السلطات الإسرائيلي­ة.

واستشهد بقرار المحكمة العليا الإسرائيلي­ة في قضية أبو عرفة وأبو طير )عضوا المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل عن مدينة القدس حيث سحبت الداخلية إقامتهما وهويتهما المقدسية(.

وجــاء في حيثيــات الحكم «في ظــل عدم وجــود تطابق بين القانون المحلي الإســرائي­لي وقواعد القانون الدولي فإن القاعدة هي أن يد الأول هي اليد العليا».

وتابع عودة: «جاء في القرار نفســه أن حجة الملتمســن بأنه يجب علــى المحكمة تطبيق أحــكام اتفاقية جنيــف الرابعة على قضيتهم مرفوضة تماما».

واستعرض أسماء رؤســاء المحكمة، التي تأسست عام 1948، السابقين الذين رسموا مسار هذه المحكمة وخطها العام والعريض، وأولهم: مئير شــمجار )1983 ـ 1995( الذي كان المدعي العسكري والمستشــا­ر القانوني للحكومة، وهو صاحــب مصطلح الأراضي المدارة بدلا من الأراضي المحتلة، وهو مــن أكثر المعارض لتطبيق اتفاقية جنيف في الضفة والغربية والقدس الشرقية بادعاء أنهما مناطق ليست خاضعة لأي ولاية قانونية حقوقية ونظر إليها على أنها مناطق غير محتلة.

وأهرون بارك )1995 ـ 2006( المستشــار القانوني للحكومة، ودوريت بينيش )2006 ـ 2012.)

وشــدد أن الثلاثــة جاءوا مــن خلفيــة ملتصقــة بالحكومة والجيش، وهو ما أثر على وجهات نظرهم في تعاملهم مع الحقوق الفلسطينية وسياسات الاحتلال التوسعية.

وأكــد أن المحكمــة العليــا قدمت علــى أنها تعبير عــن مفهوم «الاحتلال النير» الذي يســمح لمن يتعــرض للاحتلال أن يتوجه للمحكمة وهي التي تقرر وتحكم في موضوع الخلاف، «وكأنها تقع في الوسط بين المحتل والمحتلين وهي تعمل بحياد».

وعرض الحقوقي والباحث عــودة أن المحكمة العليا في قضية الجدار تحديدا في القضية التي عرفت بقضية بيت سوريك )قضاء رام الله( لم تنظر له من ناحيــة قانون دولي، بل اعتبرته حاجة

أمنية ملحة، فيما ركز القاضي على المس النسبي بالسكان، حيث وافــق على أن قرار بناء الجدار بكل مــا يتطلبه ذلك من مصادرة أراض، مشيرا إلى أن هناك مسا بالسكان، وطالب بتعديل مساره.

وتســاءل: هل يجب أن نعد هذا إنجازا؟ لقد غير فعليا مســار الجدار لكنه أقر أن الجدار أمر قانوني، فيما اعتبرت محكمة العدل الدولية في الرأي الاستشــار­ي الصادر عنهــا بتاريخ ،2004/7/9 أن الجــدار الذي تقيمه دولة الاحتلال الإســرائي­لي على الأراضي الفلسطينية غير شرعي.

وكانت محكمة العدل العليا الإســرائي­لية قد اجازت في القضية HCJ( المقدمةمنا­لسيدزهراني­ونسمراعبةو­آخرين )04/7957 اجازت فيــه لأول مرة بناء الجــدار على الأراضي الفلســطين­ية المحتلة عــام 1967 وذلك للدواعي الأمنية ولحماية المســتوطن­ين. وطلبت من الجيش الإســرائي­لي البحث في بدائل لمســار الجدار في القضية المقدمة بما يتناسب وتوفير الحماية الأمنية لمستوطنة الفيه منشــيه ويقلل الضرر الذي سيلحق بالسكان الفلسطينيي­ن المقيمين في منطقة الجدار المزمع إنشاؤه.

وهو ما اعتبره الحقوقي عودة بمثابة توفير غطاء قانوني لما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم ويشرع ممارسات غير شرعية وفقا للقواعد الأساسية للقانون الدولي، حيث اعتبرت المحكمة الإسرائيلي­ة الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية غير ملزم لها.

واعتبــر المحامــي أن المحكمــة العليــا تدخــل الملتمســن الفلســطين­يين في أشــياء صغيرة جدا و«نقطيــة» من دون أن تدخــل في المبدأ العــام المتعلق بقانونية أو عــدم قانونية فعل الجدار ذاته.

وتحدث عودة عن مصادرة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيي­ن وذكــر أمثلة على قانــون التنظيم والبناء، وبناء المســتوطن­ات، والإعــان عن أراضــي دولة، واســتعمال أراض خاصــة لبناء المســتوطن­ات، وإعلان مناطق عســكرية مغلقة او مناطق تدريب عســكري وجلها قضايا أصدرت المحكمة قرارات أعطت فيها الحق للحاكــم العســكري للقيام بالأعمــال التي يريدهــا، وفي بعض القضايــا قبلت ادعاء الفلســطين­يين لكون الإجراء الإســرائي­لي يمس الفلســطين­ي، من دون أن تتحدث عــن قانونية الإجراءات الإسرائيلي­ة.

وأضــاف: «قرارات مطالبة بتخفيف المســاس بالفلســطي­ني، وتمنح الإســرائي­لي كامل الصلاحية لممارســة كل مــا مخططاته الاحتلالية».

مريح للغرب

ومن خلال تجربة الحقوقي عودة مع ســفارات وبعثات غربية في فلســطين، رأى أن اللجوء للقضاء الإسرائيلي يمثل في حالات كثيرة حالة من شــراء الوقت، حيث يسمح ذلك للعمل الدولي أن يؤثر ويثمر في هذه الحالات التي يمكن له أن يكون مفيدا.

لكنه أكد أنــه يجب ان تكون هناك اســتراتيج­ية واضحة عند الفلســطين­يين بشــأن متى يجب التوجه للمحاكم الإســرائي­لية ومتــى لا يجب التوجه، واعتبر أن هذا أمــر لا يحدده الحقوقيون بل يحتاج لمجموعة عمل فلســطينية متكاملة تتكــون من القيادة السياسية وخبراء القانون والمؤسسات الحقوقية.

وانتقد عودة طريقة تعامل الفلسطينيي­ن معتبرا «أننا نستخدم المحاكم الإســرائي­لية كتكتيك، مــن دون أن يكــون لذلك أي بعد استراتيجي».

وانتقد بعض المؤسسات الفلسطينية وجهود الممولين الغربيين لها الذين أصبحوا ينظــرون إلى اللجوء للمحاكم الإســرائي­لية بمثابة الغاية «لقد تحولت الوســيلة إلى غايــة» حيث تعمل هذه المؤسسات على رفع قضايا وتعتبر ذلك غاية بحد ذاتها».

ومن خبرته العملية قــال عودة أن ما يجــري بالغرف المغلقة للبعثات الدولية والســفارا­ت الغربية في فلســطين أو إسرائيل يدلل على أن وجــود أي قضية يرفعها فلســطينيو­ن أمام المحاكم الإســرائي­لية يعتبر أمرا مريحا لهذه البعثات والسفارات «وجود القضية فــي الحكمة يخفف الضغــط والثقل عن هــذه البعثات الدبلوماسي­ة، وتدخل في مرحلة راحة لكونها تنتظر قرار المحكمة وهذا يعفيها من أي موقف صارم وحقيقي».

كما رأى الحقوقي الذي شــغل منصب مستشــار قانون دولي إنساني سابق لدى عدة بعثات دبلوماسية في القدس ورام الله، أن ســلوك وتوجه المراقبين الدوليين من البعثات والسفارات إلى المحكمة من خلال وجودهم الجســدي لحضور جلسات المحكمة لم يثمرا شــيئا في التجارب الســابقة لكون المحكمة كانت تعمد إلى سياســة التأجيل وتمديد المداولات، و«في حال كان هناك اهتمام إعلامي ودولي كانت المحاكــم تفضل التمديد من دون أن تتخذ أي قرار .»

شرعنة للاستيطان

المحامية سوســن زهر، مــن «عدالة» المركــز القانونيّ لحقوق الفلســطين­يين، اعتبرت أن ســؤال الاســتمرا­ر باللجوء للقضاء الإســرائي­لي أم التوقف عن ذلك بمثابة «الفيل الموجود بالغرفة» فمن جانب تعطي المحكمة العليا شرعنة للاحتلال والقرارات التي تصدر عنها، فهي جزء من المسؤولية أو المشكلة العامة حيث هناك الكنيست والحكومة، وبالتالي علينا الاعتراف بأن العمل القانوني وحده لا يكفي، فهو ليس الأساس للتصدي للاحتلال واجراءاته، فهناك المرافعات الدولية، والجهد الذي يبذله المستوى السياسي، فلا يمكن وضع الثقل كله على المحامين الذين يترافعون أمام محاكم تنظر لنفسها على أنها جزء من دولة ديمقراطية، وهي تميز وتعمل كجزء من منظومة الاحتلال.

وأكدت: «نحن لســنا ســاذجين، ليس هناك عدل، هناك أهمية كبيرة في التوجه للمحكمة العليــا من ناحية التوثيق التاريخي، هناك حاجة لتوثيق القوانين والقرارات وكل ما يصدر عن المحكمة العليا، وهذا مفيد كي نعرف كيف يشــتغل النظام من أجل تحليله وفهمه. أمــا الثاني فهو جهد مطلوب من أجل اســتنفاد الخطوات المحلية للجوء للمحاكم الدولية، فقرارات المحكمة العليا مدخل لنا لإقناع الجهات الدولية برفع قضايا في المحاكم الدولية.

المحكمة العليا حســب زهر تتجاهل القانون الدولي الذي يجب ان يكون ساري في المناطق المحتلة، وهي بذلك تضع الفلسطينيي­ن بوضعية غيــر الموجودين تحت احتلال، وفي كثيــر من القضايا افترضــت أن يجب أن يكون لدى هؤلاء )أي الفلســطين­يين( ولاء للدولة التي تحتلهم.

إشكالية كبيرة

وتابعت زهر: «هناك إشــكالية كبيرة بعد إقرار قانون القومية 2018 الذي يعتبر قانون أســاس )أي له مكانة دســتورية( الذي أنتج هوية دســتورية مبنيــة على الفوقية الإثنيــة لليهود فقط. ومصدر هذه الإشكالية أن له سريانا على القدس المحتلة والضفة الغربية وليس في فلســطين عــام 1948 فقط، لأنــه يعرف أرض إســرائيل من النهر للبحر، فالضفة الغربية أصبحت حسب نص القانون جزءا من أرض إسرائيل التاريخية، وفي حال طبق البند الســابع من هذا القانون فهذا يعني أن كل المســتوطن­ات بالضفة تمتلك الشرعية الدستورية.

وأكدت أن المحكمة العليا فسرت القانون الدولي وتحديدا البند 49 مــن معاهدة جنيف لمصلحة الســلطات الإســرائي­لية وتكملة للاحتلال وتقويته.

وحسب زهر فإن إســرائيل قســمت القانون الدولي لقسمين، الأول: ما يســمى بالقانــون العرفــي )لاهاي( الــذي لا يحتاج لانضمام دول له، والجزء الثاني الــذي يلزم انضمام الدول إليه، وبما أن دولة إسرائيل ليست جزءا من اتفاقية جنيف فهذا يعفيها من الالتزام.

وأكــدت أنه من البنــد الســابع بقانون القومية ســيكون من الصعب أمام المحامين والملتمســ­ن الفلســطين­يين تقديم ادعاءات حســب القانون الدولي، فالمحكمة العليا بقرارها الأخير شرعنت الاستيطان.

وتابعت أنه ليس علينا بحث موضوع المحكمة العليا وتجاهلها ورفضهــا القانون الدولي، بــل علينا معرفة ما هــو دور المحكمة بتعزيز الاحتلال، وما دور المحكمة في قضايا الطرد، وهدم البيوت، وتسجيل السكان، والاعتقال الإداري..إلخ من القضايا التي تعزز الاحتلال وتكرســه. وبالتالي علينا طرح ســؤال عن دور المحكمة العليا وقضاتها في ارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيي­ن.

المحكمة في رأي زهر تقوم بدور أساســي فــي تعزيز الاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان وتجاهل القانون الدولي من السبعينيات وحتى الآن، فهي جزء لا يتجزأ من حالة تعزيز الاحتلال كســلطة رسمية في دولة إسرائيل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom