Al-Quds Al-Arabi

تونس تنتظر «خريطة طريق»: هل يرضخ سعيد للضغوط المحلية والدولية؟

- »

■ تونس- «الأناضــول»: ينتظر التونســيو­ن إعلان الرئيس قيس ســعيّد اســم رئيس الحكومة الذي سيقود الســلطة التنفيذية في البــاد، بعد إعلانه عــن قراراته الأخيرة الأحد. إلا أن سعيّد لم يبادر إلى ذلك، حتى الآن، ما ألقى بالشــكوك حول المسار السياسي المستجد في تونس، وأثار قلقاً داخلياً وخارجياً.

غياب خريطة طريق

الباحث في علم الاجتماع هشــام الحاجي يفســر عدم إعلان ســعيّد عن رئيس الحكومة باحتمالين اثنين: الأول، أنه قد لا تكون للرئيس التونســي خريطة طريق واضحة ومتفق عليها من الأطراف والشخصيات التي تعمل معه.

أما الاحتمال الثاني، فهو أن ســعيّد ربما يفضل الإعلان عن خريطة الطريق بطريقــة "قطرة- قطرة" للحفاظ على الغموض والمفاجأة لدى المساندين له.

ويرى الحاجي أن "تأخير إعلان رئيس حكومة بعد نحو أســبوع من إجراءات 25 تموز/يوليو أصبــح يطرح عدة تساؤلات في اتجاهات غير مطمئنة".

ويتســاءل: "لماذا لم يعلن سعيّد عن رئيس الحكومة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إدارة، إذ ثمة ملفات وطنية عدة متراكمة".

ويرى الحاجي أن "تجاهل الرئيــس لذلك غير مطمئن. فهل هناك صراع في محيط الرئيس حول شــخصية رئيس الحكومة؟"، مؤكداً أن "الاســتنتا­جات تترك الباب مفتوحاً أمام التخوفات".

إلا أن المحلل السياســي نصر الدين بــن حديد يعتبر أن تأخر الرئيس ســعيّد عــن إعلان خريطــة طريق وتعيين رئيس حكومة يعــود إلى أن "هذه الخريطــة ما زالت قيد النقــاش بين الاتحــاد العام التونســي للشــغل وأطراف إقليمية ودولية".

والأهم في تفســير بن حديد لهذا التأخر هو أن "الأسماء المعتبــرة التي تحمل مشــروعية مهنيــة أو تاريخية كثير منها لن ينخرط في حكومة لســعيد بمفرده، لأنها ستعتبر حكومة انقلاب، ويجد ســعيد نفســه مجبراً على الإتيان بشــخصيات مجهولة سياســية بحجة أنه ينوي تشكيل حكومة تكنوقراط".

يرى الحاجي أن "لدى التونســيي­ن تخوفــات لأنه كلما امتد العمل بالتدابير الاستثنائي­ة كانت هناك خشية من أن تتحول إلى تدابير دائمة". ويضيــف: "هناك أيضاً تخوف من أن يكون سعيد يريد الإشراف على كل دواليب الدولة"، مشــيراً إلى أن "مركزة الحكم تتطلب وجود شخص واحد فقط".

ووفقه، فــإن إعلان حكومــة يتطلب التزامــات دولية لتونس، منها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

هل استحال التراجع عن «القرارات»؟

وحول الانتقال إلى مخطــط آخر في ذهن الرئيس، مثل التراجع عن قــرارات 25 تموز/ يوليــو، يؤكد الحاجي أن ســعيّد لا يمكنه أن يعود إلى ما قبــل ذلك التاريخ. ويذهب الحاجي إلى أن "البرلمان لن يعود إلى العمل، ذلك أن رفض الحوار واضح وصريح من جانب رئيس الجمهورية".

ويســتدرك أن "عبــارات الطمأنــة التي قدمها ســعيد

للمنظمات الوطنية قد تبقى في مستوى اللفظ، ولا أرى أننا سنعود بســرعة إلى وضع عادي"، مشيراً إلى أن الضغوط الدولية يمكــن التفاعل معها بطريقة ربــح الوقت واتخاذ خطوات لا تسمح بالعودة إلى الوراء.

خريطة اتحاد الشغل.. وموقف البرلمان

يختلــف بــن حديد مــع الحاجي فــي مقاربة المشــهد التونســي، إذ يعتبر أن "رئيس البلاد مُجبر بفعل ضغوط داخليــة وإقليمية علــى أن يختار حكومة وفــق خريطة الطريق التي سيعلنها الاتحاد العام التونسي للشغل )أكبر منظمة نقابية(، لأنــه في حال عدم التنســيق مع الاتحاد والمجتمــع المدني والمجتمع السياســي.. ســتصطدم هذه الحكومة بالبرلمان".

ويتابع بن حديد أن الاتحــاد الأوروبي يصر على عودة البرلمان إلى عمله، وفرنسا وضعت تاريخ 25 آب /أغسطس المقبل، كآخر مهلة لذلك.

ويضيــف: "بمجرد إغلاق بــاب تفعيل الفصــل 80 من الدستور، ستجد الحكومة نفسها أمام البرلمان الذي يطعن فيها".

وينــص الفصــل 80 مــن الدســتور علــى أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطــر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو اســتقلاله­ا يتعذّر معه الســير العــادي لدواليب الدولــة، أن يتخــذ التدابيــر التــي تحتمها تلــك الحالة الاستثنائي­ة، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشــعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب".

كما ينــص الفصل ذاته على أن "مجلس نواب الشــعب )البرلمــان( يعتبر في حالة انعقاد دائــم طيلة هذه الفترة، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيــس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة".

ووفق بن حديد، فإن "الحل الذي يرجوه الجميع أن تجد الحكومة قبولاً أو عدم رفض لتصبح الحكومة شــرعية من وجهة نظر البرلمان".

إزاحة صورة الانقلابي

«

وهو يرى أنــه "إذا وافق البرلمان على حكومة ســعيّد، يكون الأخير قد ذهب شــوطاً إلى الأمام في قراءته للفصل 80 من الدستور، مع إزاحة صورة الانقلابي".

ويضيف: "على الرغم من ســيطرة ســعيّد على الوضع الأمني والعســكري في البــاد، وعلى الرغــم من الزخم الشعبي الذي يحظى به والذي لا يمكن إنكاره، فإنه يحتاج إلى شرعية داخلية واعتراف إقليمي ودولي".

قلق الأطراف الدولية

على المســتوى الخارجي، أبدت أطراف دولية عدة قلقها من عدم إعلان ســعيد عن خريطة طريق لإخراج البلاد من "عنق الزجاجة"، فضلاً عن تسمية رئيس حكومة جديد.

وينقــل الإعلامي محمد اليوســفي عن مصــادر حزبية تونســية قلق فرنســا من عدم إعلان ســعيد عن خريطة الطريق.

ووفــق تدوينة كتبها اليوســفي على "فيســبوك"، فإن الســفير الفرنسي لدى تونس التقى، مســاء الأربعاء، مع الأمين العام لحزب سياســي مقرّب من قصر قرطاج، وقال له صراحة إن فرنســا لن تتعامل مع أي حكومة في تونس مســتقبلاً في حال لم يغلق الرئيس ســعيد قوس التدابير الاستثنائي­ة في غضون شــهر، ما يعني إعادة البرلمان إلى وضعه الطبيعي.

ويعتبر اليوسفي في تدوينته ذلك "تطوراً لافتاً للانتباه، إذ يعكس رســالة تحذير غير مباشــرة موجهــة لرئيس الجمهوريــ­ة"، ولم يصدر من جانب الرئاســة التونســية إشارة حول صحة ذلك.

وزيــر الخارجية الأمريكــي أنتوني بلينكــن كان أكثر وضوحاً في المطالبة بتشكيل حكومة وعودة البرلمان.

وقال فــي مقابلة مع قناة "الجزيــرة" الخميس، متحدثاً عــن تونس: "لدينا بواعث قلق حول انحراف ذلك المســار )الديمقراطي(، واتخاذ قرارات متناقضة مع الدستور، مثل إيقاف البرلمان".

وأضاف بلينكن: "حثثت الرئيس على العودة إلى المسار الديمقراطي في أسرع وقت".

ووفق وزير الخارجيــة الأمريكي، فإنــه يجب "تفعيل البرلمــان، وأن تكون هناك حكومة تســتطيع الاســتجاب­ة لمتطلبات الشعب".

وتابع أن "ســعيّد أعطى تفســيراً طويــاً للإجراءات والتدابير التي اتخذها، وكذلك نواياه في المســتقبل. وهي العودة بتونس إلى المســار الديمقراطي والتصرف بشكل يتســق مع الدســتور". إلا أن الوزير الأمريكــي بدا حذراً، عندما شدد على ضرورة أن يُقرن الرئيس التونسي أقواله بالأفعال.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom