Al-Quds Al-Arabi

تفكيك السيرة الذاتية: أو كتابة الذات بلا مرجع أو قيد سابق

-

■ بسبب موجة الحداثة التي عرفتها الآداب الأوروبية، وصعود مفاهيم النص والكتابة، باتت الممارســة الأدبية تتخذ اختيارات كتابية أحدثت خروقات لا يســتهان بها لنقاء النوع الأدبي واســتقلال­يته، تحت مسمى التناص بما هو خاصية أيما نص كان، بقدر ما استتبعت تحطيما جذريا للترســيما­ت الفاصلة بين هذا النوع وذاك، وبين شــكل تعبيري وآخر، وهو ما أعاد النظــر في مقولات الأنواع الأدبية وتراتُبيتها المعهودة.

من الحلــم الرمــزي بـ«الكتاب الكُلي» و«تراســل الحواس» الذي انطلق مع حلم الرومانســ­يين لتجاوز الأنــواع، إلى رفض الأنواع الذي ميــز قطاعا مُهما من الأدب الحديث كما تجلى أساســا فــي أعمال موريس بلانشــو ورولان بــارت وفيليب ســولرس وجوليا كريستيفا، خلال عقدي الســتينيا­ت والسبعينيا­ت، في ما هــم يُلحّون على المعنى الجديد الذي ينبغي أن يُمنح لمفاهيم مثل النص والكتابة والبوليفون­ية، من أجل رد الاعتبار للحداثة من جهة، ورفض التراتبية والقيود الأنواعية المعتبرة كعوائق أمام الإبداع، من جهة أخرى.

ضد التطابق

كان هــذا البراديغم الجديد يتســاوق، بشــكل بارز، مع النظريات مــا بعد البنيوية التي نظرت إلى الذات باعتبارها مُتشظية ومنشــطرة، والإحالة على الواقع الخارج -نصي وَهْما، في ما تفقد اللغة وضعها كوســيطٍ شفافٍ أو قناةٍ أقل إشــكالية في ارتباطها بالمرجع الخارج- نصــي؛ إذ تدخل في لعب لا يتوقف من الكلمــات التي تحيل، مثل المرايا، على بعضها بعضا، بدلا من أن تســجن نفســها في دلالة وحيدة وقطعيــة. وكان لهــذا التصور الأخير تبعــات خطرة باتت تهدد وجود مفهوم السيرة الذاتية نفسه. فإذا كانت الإحالة وَهْما، فلن تكون الســيرة الذاتية أكثر من شَــكْلٍ تخييلي أو عملٍ مُتخيل لا يمكنه البتــة أن يُطلعنا على مؤلفها وهُويته، طالما أن «الذات غير ثابتة ومنشطرة» .

لقد اعتــرض مُفكرو التفكيك وما بعــد البنيوية ومُنظرو التحليل النفسي بدورهم على مفهوم الحقيقة، وأكدوا أهمية دور اللغة والخطاب في بناء الذاتية، في ما شككوا في تصور الإنسان المستقل، سيد العالم باللغة التي يستعملها. إن فكرة انسجام الأنا ووحدته ليس - حسبهم- سوى وَهْـــم. ومن هنا، فإن الأنا النصي، حســب النقاد مــن أمثال جاك دريدا، ورولان بارت، وجاك لاكان، أو بول دي مان، ليس لها علاقة مع أنا المؤلف. وبما أنهمــا مرتبطتان بكيفية ضيقة ومعقدة، تنبثق الـــذات autos() والحياة bios() لتأخذا شــكلا عبر الكتابة graphie.)) تفترض المقاربة ما بعد البنيوية، عبر هذا التصور، أن إشــكالية التطابق هي، في المقام الأول، لسانية ونصية. ويقوم الفهم النظري على استحالة المطابقة الكُلية، عبر اللغة، بين «أنا» ذات التلفظ و«أنا» ذات الملفوظ، بسبب الصدع الفضائي - الزماني والحدود اللغوية. فالنص الســيرذات­ي يعرض الحياة ويبني الأنا، وهما معا يتطوران ولا يتشكلان إلا عبر فعل الكتابة، من أجل تحقيق كيان نهائي وتام، لم يكن موجودا في البداية. فالأنا ينبثق من هذا النص - الأنــا الذي لم يكــن واقعا في البداية - يكشــف في آخر المطاف عــن كونه بناء نصيا، لا علاقة لــه مع مؤلف النص. وبالنتيجة، تصير كل كتابة للذات تخييلا، مثلما أن كل كتابة للحياة تصير تخييلا، ولا يبقى في المحصلة النهائية ســوى الشخصيات على الصفحة ويمكن بدورها أن تُفكك.

يشــكك لاكان، من منظور التحليل النفســي، في مفهوم انســجام الأنا ووحدته، مُثْبتا أن «الأنــا صنيع من الأبنية، الإســقاطا­ت والتخيلات». وهذه الَمفْهمة الجديــدة للذاتية نشــأت من الاهتمام الذي أولاه لطور المــرآة في نمو الطفل، وهو الطور الحاسم حســب رأيه في بناء الذات. فالمرآة بما هي أساس الســيرة الذاتية، تحمل الكاتب على بحث واقعه الحقيقي، الذي لا يمكن أن يكون على الدوام مُنْســجما تبعا لمصادفــات الحيــاة، ويمكن بالفعــل أن يتضمــن جزءا من التخييــل، بحيث يعمد كل كائنٍ إنســاني، بهدف الإســقاط الذاتــي، اللجوء إلــى الـــمُتخيل، ليجعل وجهــات نظره ومعيشــه أكثر قابلية في عينيه وعيون الآخرين. فالمتخيل - وهــو يبحث الهوية عبــر الذات - يتميز، حســب لاكان، بالجهد الذي يبذله ليُشــكل في ذاته ولأجله صورة موحدة ومتكاملــة. ومثل هــذا الجهد هو دائما مُعرض للفشــل، لأن الفرد هو كائنٌ مُتشظ ومتعدد، يرتبط بلغة المجتمع )الأفراد( للتعبير عن نفسه. ومن ثمة يســتحيل التعرف على صورة الذات الســيرذات­ية، لأن كل مفهومٍ عن التمثيل المطابق ليس إلا ضربا مــن مكر المتخيــل. لقد طفت إلى الســطح تعددية المحكيات المقطعية والشــذرية التي تُفــكك المفهوم التقليدي للذات، بشــكلٍ مُتوازٍ مع الدعوة إلــى نقد جديد للنص يُثمن دور القــارئ، ويُنظر لفعل القراءة، بقــدر ما يلغي المؤلف أو يدعو إلى «موت المؤلــف» بتعبير رولان بارت. ســاهم هذا الرفض للمؤلف بوصفه ذاتا مُوحــدة في صياغة فهم جديد للنص الســيرذات­ي، أو ســعى إلى إعادة التفكير في السيرة الذاتية، وهو يُركز بكيفية ما علــى النص ككيانٍ دال في حد ذاته: «في مجال الــذات، ليس ثمة من مرجع». ويمكن القول إن العبارة الأخيرة تلخص جوهر السيرة الذاتية التي كتبها رولان بــارت، والمعنونــ­ة «رولان بارت بقلــم رولان بارت» (1975( وهي سيرة ذاتية مُضادة، مثلت نموذجا للانتقال من لهجة الواقع إلى التخييل داخل مجال السيرة الذاتية.

إن إشــكالية الطابع المرجعي للغــة لا يمكن أن تُفصل عن العلاقة بين الذات واللغة. لذلك، يســتخدم بارت استعارتين لبيــان هذه العلاقــة المركبة: اســتعارة قنديــل البحر La

méduse، التــي تمثل لغــة الآخرين، والدوكســا، ولغة الثقافة الجماهيرية التي يشــعر بارت نفسه بأنه خارجها. ومع هذه الاســتعار­ة تتعارض اســتعارة بحريــة أخرى، استعارة الحبـــار ‪La seiche‬ الذي يمثل الكاتب، صاحب السيرة الذاتية. ويرتبط الحبر الذي يخرج من جسده بفعل الكتابة، لكنه يحجب الحبّار في الوقت نفسه. وإذ لا نرى إلا الحبر، فإنــه يمكن على الدوام أن نكشــف المصدر منه دون أن تكون لنا الاستطاعة لرؤية الحبـّــار. هكذا يتوارى كاتب الســيرة الذاتية خلف الكتابة. تُضاف إلى صورة الحبــّـار الرغبة النوســتال­جية «للخطاب المبتهــج المحض» (خطاب العشــاق) «الطالع من الجسد» كما الحبر من الحبّـــار. لكن بدلا من أن يختفي، يصير «أخيــرا بمثابة التعبير الأول عن سد الفراغ .»

يبعــد بــارت كل مظهر مرجعــي للأنــواع والتحديدات الأنواعية، من أجل أن ترتبط ســيرته بفكرة التخييلات غير المرجعية، وتنتفي من لغتها إمكاناتها الإحالية. لكن المتخيل يبقى هو سيد الفعل في البناء النصي للحياة، ولا ينتهي من الرغبة في ذلك باستمرار.

نفي الحضور

عندما كان جاك دريــدا يُفكك «ميتافيزيقا الحضور» فإنما كان بالأحرى يختزل مفهــوم النص الذي يُحال على مؤلفه، إلى مجرد وهم. حســب دريدا، فإن الميتافيزي­قا الغربية هي «متمركــزة حول اللوغــوس»؛ بمعنى أنها تقــوم على فكرة الحقيقة النهائية، ســواء كانت هي الإلــه، مفهوم الجوهر، أو «الــدال المتعالي» الذي يوجد غير مســتقل عن ما يحدث عبــر التاريخ. يكفل هذا «اللوغــوس» دلالة الكل وأي علامةٍ تُحيل عليــه. وتتجلى «ميتافيزيقا الحضور» هذه، بشــكل ملمــوس، في ما يســميه دريدا بـ«التمركــز حول الصوت» المصطلح المفتاح في كتابه ‪De la grammatolo­gie(‬ ؛) وهو يُعرفه بأنه «تجاوز مطلق للصــوت والكائن، للصوت ومعنى الكائــن، للصوت ومثالية المعنــى». فقد كان التقليد الفلســفي الغربي دائما ما يميز الكلام عن الكتابة، زاعما بأن الكتابة تأتي بعد الكلام، كإضافــة، لإدامته ما وراء وضعية التلفظ. وتبعا لذلــك، تتحول الكتابة، كنســق ثانوي، إلى ما دون الــكلام. لكن هذا «التمركز حــول الصوت» يتضمن كذلك أن المتكلم «يمتلك» قبل أن يتكلــم، الدلالة التي يفيض بها فكره )كينونته(؛ الدلالة التي تعبر عن نفســها مباشرة عندما يتكلــم دون اعتبار للخواص النوعية للوســيط، أي اللغة. يستشهد، هنا، بأرسطو الذي يرى أن «الحروف يبثها الصوت وهي رموز لحالات الروح» ليدرك أن الدلالة إنما هي «قصد دال، حاضر في الوعي لحظة الكتابة» وهو ما قاده إلى تفكيك المفهوم اللســاني للعلامة. يجعل دريــدا العلاقة بين الــدال )المنطوق والمكتوب( والمدلول إشــكالية، بعد أن نفى أن يرتبط الــدال بمدلول واحد. وبدلا مــن أن يجعل الدلالة المعينــة حاضرة، يحيــل الدال على دوال أخــرى تضيع في

لعبةٍ من المرايا لا تنتهي، وتُرجئ باستمرار بناء دلالةٍ قطعية. ويلعب المفهوم الدريدي للاختلاف ‪La différence‬ على الدلالــة المزدوجة لفعل différer() «أعــاد وضعها فــي وقت آخر»؛ لأن الدلالة داخل اللغة ترتبط بلغة الاختلافات، لكنها مُرجأة باستمرار، أي ليست ثابتة ولا مؤكدة. منظــورا إليها في مجــال النص كــدال ناجز، تســتتبع العلامة أن نصية النص لا تمحي قط عند توســلها بهذه الدلالة أو تلــك، والوثيقة لا يمكنها كذلك أن تكون مرآة شــفافة لهــا، وبالتالي تصير الطبيعة المرجعية للنص إشــكالية: إذا كان النص )كدال( لا يشــير إلا إلى نصوص أخرى، فإن خارج النــص لا يســتطيع أن يمثله النص بشــكل دقيق. فلــن يتم للعلامات الخطية على الــورق أن تُعبر عن «جوهر» من يُشــكلها. في هذا الســياق، يســتدعي دريدا إميل بنفينيســت الذي يؤكــد أن الضمير «أنا» بدلا من أن يحيل على الــذات التي تكتبه، فإنه يصير حجة لضمير المتكلم داخل وضعية التلفظ، ومعه يغدو الضمير «أنت» الشــريك الآخر. ويمكن لهــذا الـ«أنا» أن يعود على كل شخص يســتخدم الخطاب ليتوجه به إلى شــخص آخر. إن هذا الرفض لـ«ميتافيزيقـ­ـا الحضور» قد وضع مفهوم الدلالة المنســجمة موضع ســؤال، إذ لن يمكنها أن توجد من خلال اللغة، مثلمــا أن وضع الذات المتكلمة )أو الكاتبــة( كمصدر للدلالة صار في حكم المشــكوك فيه؛ وهذا ما يقودنا إلى افتراض أن تفكيك الذات، الذات الســيرذات­ية تحديدا، من طرف دريدا وفلسفته يتأتى من أن الضمير «أنا» داخل النص الســيرذات­ي لا يحيل كيفما اتفق إلى الشــخص الذي كتب النــص؛ فالتمثيل الذاتي ـ ميزة الســيرة الذاتية - يصير وهميا، لأن الـ«أنا» فقد سلطته في أن يكشف داخل النص عن حضور الفرد الموجود بالفعل.

الذات بلا مركز

يُنْظــر إلى نظريــة رولان بــارت حول الســيرة الذاتية بالأخص، ونظريــة جاك دريدا عموما، على أنهما تشــكلان أسس الأبستيمول­وجيا ما بعد الحداثية، وأهم ميزاتها رفض التصور الإنســي للذات كمصدر لدلالة الخطــاب، فقد تمت إزاحــة الذات ما بعد الحداثية عن المركــز، وهو ما جعلها بلا مركز ثابت أو خارج نصي تسند إليه دلالة النص، كاشفة عن أن الإمكانات المرجعية للغة هي في موضع شك.

ومن جهة أخرى، فقدت هذه الــذات مركزها داخل المعنى الــذي لم تعد قدراتــه المنطقية أكثر وضوحا كمــا كان عليه الحال مثلا في القرن الثامن عشــر. فلا يمكن للذات أن تسود العالم عبر عقلها، بل إن الذات لم تعد تدرك نفســها كوحدة بعد أن اســتحالت إلى مُجرد خطابات وشيفرات تتجاوزها وتحدها، ولم يعد لوعيها الـــمُهدد بدوافع لاوعيها السلطة المطلقــة على تصرفها. فهي مقطعية ومتشــظية ومُجردة من وعيهــا الحاضر بحد ذاته، وباتت تخضــع في الأخير للعبة «إرجاء» مستمرة؛ أي أنها ستكون بلا رُسو، أي دون مرجع، إن التأمل المناوئ للمرجع الذي يحصر النص في الاشــتغال اللاشــخصي للغة، وجد صداه كذلك عند جيل دولوز الذي يفضح «الأنــا» المرجعي، بقوله: «ليســت الكتابة أن يحكي ذكرياته، أسفاره، حبه، حداده، أحلامه واستيهامات­ه، إذ لن يكون الضميران الأولان هما من يســتفيد من شروط التلفظ الأدبي؛ فالأدب لا يبدأ إلا عندما يُولد فينا ضمير الغائب الذي يرفع عنا سلطة قول أنا.»

وفي هــذه الحركة الواســعة نحو التفكيــك واللاتحديد واللامرجــ­ع، رفــض المنظــرون الأنغلوفون­يــون بدورهم، المظهرَ المرجعي للســيرة الذاتية، وركزوا على نصية النوع. وقد تبنى هذه المقاربة كل من بــول دي مان، وروبرت إلباز، وميكائيل ســبراينكر وغيرهم. يرى بول دي مان اســتحالة تعريف الســيرة الذاتية بكيفية واضحــة لا لبس فيها، بقدر صعوبة تعريف النوع تعريفا دقيقا، بعدما بات أمرا شائعا أن تصنع كل سيرة ذاتية استثناء عن المعيار واختراقا للأنواع المجــاورة لها، بله المتعارضة معها. وحســبه، فــإن المقاربة الأخــرى الجارية للإحاطة بالذات - الإشــكالي­ة التي قل أن تم الحســم فيها - هي المقاربة التي تدرس الســيرة الذاتية فــي علاقتها بالتخييــل، وتحاول أن تُميزهمــا عن بعضهما بعضا؛ لأن الســيرة الذاتية تمثل، بالفعل، إعادة بناء ذاتي من منطلق الذاكرة، ومــن عناصر الحياة وتجاربها المتباينة في الحكي المنظم والمنســجم إلى حد ما، عــدا عن انحرافات الواقع )اســتيهاما­ت، أحلام( التي تتخللها. وبما أن السيرة الذاتية تثبت كتابة غياب الأنا، فإن عليها أن تكشــف نفسها بوصفهــا «الأكثر ارتيابا من كل الأنواع بســبب مشــروعها لكتابة ماهية الذات». بالتالي، يتســاءل دي مان عن القيمة المرجعية للســيرة الذاتيــة، وهو يبرز أن «اللغة تســتخدم كمســرح للتعبير عن الذات واكتشــاف الــذات». ولا يُحدد المرجع الشــكل، بل النقيض من ذلك، فليســت ذات السيرة الذاتيــة هي الأنا، بــل الكتابة ذاتها. فالكتابة الســيرذات­ية تشــكل- في نظره- بمثابة البراديغم لكل كتابة، نافيا عنها كل نوعية أنواعية.

وينتقــد روبرت إلبــاز الواقــع النهائي الــذي يقترحه فيليــب لوجــون، مُلحا علــى الطبيعة التخييلية للســيرة الذاتية أساســا. ويصبح التماهي بين كاتب السيرة الذاتية والشخصية ضربا من الاســتحال­ة، في اللحظة التي نتعرف فيها على القطيعة بين من يكتب، والذات التي غدت شخصية ثالثــة يقوم عليها النص. وفي المعنى نفســه، يعلن ميكائيل ســبراينكر- بشــيء من الحماس الزائد - نهاية الســيرة الذاتيــة، لكنه يُصر علــى تحديد الذات مــن خلال الحدود النصية، وعلــى الجزء التخييلي من الأنا الســيرذات­ي، لأن بناء الذات يتفق مع الإنتــاج النصي ويتم في حدود النص. فالفعل الســيرذات­ي ـ في نظره - سيؤول إلى الفشل بسبب اســتحالة بناء الذات داخل اللغة باعتبارها أداة لا يستطيع أن يتحكم فيها المؤلف تمام التحكم.

لقد تخلى هؤلاء المنظــرون تماما عن خارج النص لفائدة النصي، عــن الحياة bios() لغــرض الكتابة graphe() مُتأثريــن بأعمال ميشــيل فوكو وجاك دريــدا وجاك لاكان ورولان بارت، بعــد أن أجمعوا علــى أن الكائن لا يوجد إلا عبر التلفظ، وأن الذات ليســت إلا «أثرا للغة» بتعبير رولان بارت. حتى إن كانت السيرة الذاتية ليست إلا تَخْييلا للذات، فإن هذا التخييل قد يكون مُهمــا في حد ذاته، لأنه يظل على الدوام مثالا علــى إبداعية المؤلف الذي لم يعد يهمه صدق ما يكتبه وحرصه على التمثيل الوقائعي الوفي للأحداث، وإنما الكيفية التي يستطيع بها تمثيل الذات وإعادة بنائها، سواء فــي صراعها مع الحقيقة، أو في بحثهــا عن الهوية من خلال رهان الغيرية حيث الأنا يتكلمُ إلى آخر بشكل دائم. ٭ كاتب مغربي

 ??  ?? جاكلاكان
جاكلاكان
 ??  ?? جاكدريدا
جاكدريدا
 ??  ?? رولانبارت
رولانبارت
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom