Al-Quds Al-Arabi

«جماعة تخاطر» التشكيلية العراقية: صبوات وتطلعات نحو الرؤى الجديدة

-

■ تشــكل الفعاليــا­ت الثقافية في عمومها حالة تجســيد الإضافة الثقافيــة إلى المشــهد بشــكل عام، أما فــي خصوصيتهــا، فهي تعمد إلــى إضافة النــوع. فما تحتويه مــن خصائص ذاتية، جــاذب للحوار والمداولة، هو الفيصل الذي يرشحه الحراك العام للنشاطات.

التحولات.... النوع والإضافة

وحســبي أن فعاليــة التشــكيلي­ين الأربعة فضل ضامــد، منصور الســعيد، محمــد حاتم، عصــام عبــد الإلــه( تواصلت مع مــا ندعيه لأسباب كثيرة، لعل في مقدمتها التزامهم العمل على تشكيل جماعة تحت مســمى )تخاطر( الأمر الذي يلزم الجماعــة الدأب على العمل، لتقديم العطاء في مناســبات مقبلة، من خلال البحث عن المشتركات والســعي الذي يؤكــد التحولات في تشــكيل اللوحة حصــراً، كذلك التهيئة الذاتية لكل فنان، والشــروع فــي التدقيق بالتجربة الخاصة ومراعاتها باســتمرار، قصد تجاوز الوقوع في النمطية، أو الحذر من الوقوع في دائرتها، وهذا أيضاً فيه ســعي للوصول إلى الاستثنائي في مبنــى اللوحة، لاســيما أن الأربعة لهم تاريخهم الفني المشــهود. ولوحات معارضهم المشــتركة كجماعة، أو مشــاركتهم في المعارض المشــتركة؛ شــاهد على مــا ذكرنا، فهي تدعــو المتلقــي البصري إلى التدقيــق فــي محتوياتهــ­ا وصياغتهــا، لأنهــا ذات محمــولات تدفع للقراءة البصرية.

كما توحي بما هو ذاتي وموضوعي في النص البصري. بمعنى ثمة محتوى في اللوحة تشكله وحداتها، وهنالك متشكلات ما وراء الرؤى البصرية، وهي خاضعة بطبيعة الحال إلى ثقافة وسعة معرفة القارئ لها ولخفاياها، وهي جاذبة للذائقة الفنية والوعي الفني، لاسيما كون الفن يرتبط بتاريخ ووجود الإنســان بهذا الشكل أو غيره. وهو تأريخ حفظته الأزمنة المنصرمة، منذ تشــكل الوعي بضرورة توظيف الجدار عند الإنسان القديم، إلى وقتنا الحاضر، حيث أصبح متداولاً معرفياً، مروراً بالمنحوتات والجداريات القديمة، التي انتظمت على شــكل لقى، كل هــذا قد يقود إلى قراءات متجددة. إن المســؤولي­ة الملقاة على عاتق الفنانين هنا ليســت ســهلة، كما أنها ليســت صعبة، فسهولتها كامنة في النشــاطات المتنوعة، خاصة غير المدروسة منها، وصعوبتها تكمن فــي كــون نتاجهم ينضوي تحت مســمى )تخاطــر( كما أنهــا جميعاً تنطلق من وظيفة الفنان إزاء واقــع مجتمعه. فالفن لا يبتعد عن واقعه مهما اختلفت وســائله وتوجهاته، فهو يصب فــي الهدف ذاته، الذي تهــدف إليه الأجناس الأخرى على صعيد الفــن والكتابة. فما وجدناه مــن معروضات دلت بشــكل قاطع على وعي الضــرورة عند الفنانين، كونهــم أخذوا على عاتقهم مهمة العمل الدؤوب في ملاحقة المســتجد مــن تجربتهم. فالفنــان عصام عبد الإله، كان أكثــر تدقيقاً في تجربته على مراحلها الطويلة نسبياً. والفنان محمد حاتم تواصل مع توظيف الحرف المســماري في اللغات القديمــة، وتعداه إلى المفــردة والجملة القصيرة، وهذا شأن فني يُحسب للفنان، كونه مستمراً في البحث عن الطُرق للتوظيف، بإمكانيات جديدة. والفنان منصور السعيد، يتعامل مع ألوانه المائية بمخيال واسع المساحة والمدى البصري. فهو يتداول فــي لوحاته موضوعات مختلفة. فمن الجســد وتمثيلاتــ­ه، إلى البيئة وجماليتها، ثــم المحلة والزقاق، وكل ما اختزنــه الفنان عن المكان في المدينة. والفنان فضل ضامد/ فيكَر المجموعة، مثل التحول في الرســم على أبهى صــورة مع الاحتفاظ بخصائص لوحته، ســواء الخطية أو اللونيــة. المتغيــرة صيغة، وهــي الوظيفة التي اشــتقت لهــا مداولات جديدة، وهو يؤسس لعمارته ورشاقة أمكنته وعمقها الدلالي.

يبقى علينا أن نوضح ما نعنيه بالتحول في صياغة محتوى اللوحة هنــا، فالتحــول؛ يعني التجاوز وليــس الانقطاع عن التجربــة الذاتية، أي أن الفنــان وهو يبحث عن صيغ جديــدة، لا يغفل عن وجود الرابط الذاتــي والموضوعــ­ي فــي تجربته. فاللوحــة )النص( وجــود متلازم الأجزاء فــي كلٍ عميق الدلالة، لعل أفضل عناصر صياغته؛ هو تجاوز الصيغة القاطعة، التي تقود بطبيعة الحال إلى النمطية في التشــكيل، الــذي هو في تجربة الأربعة، دأب على اســتقطاب عناصر التجديد من منطلق إبداعــي بحت. فعندهم، وضمن تجربهم أن لا اســتقرار هناك، ولا تســليم بمنجــز، دون العمل في البحث عن جدليــة علاقاته الذاتية والموضوعية، التي تقود بطبيعة الحال إلى حصول متغيرات أساسية في بنية اللوحة.

تشكل الجماعات... الضرورة والحتمية

إن انبثــاق جماعة )تخاطــر( الفنية وتثبيتها كلازمــة على )فولدر( معــرض الأربعــة، دال علــى إن تاريخ التجمعــات في العــراق طويل، وفعاليات الجماعات سُــجل ضمــن تاريخ الحراك الثقافــي في البلد. ومــا تمخض عنها دال على جدية التوجه، وهذا شــمل أيضاً تجمعات الكتاب والشــعراء والقصاصين والفنانين التشكيليين والفوتغراف­يين في فترة الســتينيا­ت والســبعين­يات من القرن المنصرم، وكانت لحمة التجمع تنبئ بطرح أفكار وتطبيقات، لم يحسب لها الزمن استمرارها. فانفرطت عقدة تجمعاتهم لأسباب خارج إرادة الجماعة. وهي أسباب ذاتية وموضوعية أيضاً.

فما يدعو إلى تشــكيل الجماعة، يؤدي إلى انفراط عقدها، ولعلنا وحصراً في كربلاء شهدنا مثل هذه التجمعات مثل جماعة )السبعة وجماعــة الـ39 فنانا( التي قدمــت جهداً فنياً مثيــراً للانتباه، غير أن جهود الفنانين لم يشمل سوى فترة إقامة المعرض. إن انفراط تجمع الفنانين وعدم اســتمراره­م، يُعزى إلى الإمكانيات المادية، وقلة دعم المنظمــات لمثل هذه التوجهــات الُمطورة للاختصــاص، لكن هذا ليس الســبب المركزي في رأينا، لأنه يشكل عوناً لجهد الفنانين. ما نصبو إليــه هــو الجُهد الفكــري والجمالي الــذي يدعو إلى مرونــة التقارب بــن المبدعــن، إن توفر الحيثيات التــي أدت إلى اقتــراب الأفراد من بعضهم، تتطلب جملة مســتلزمات من بينها الوجود المنهجي، سواء عنــد كل فرد، أو عنــد الجماعة. صحيح إن مشــروع الفرد يصب في

مشــروع الجماعة، في مثل هذا المشروع الثقافي، غير أن وضع منهج )خطة( تشــمل وجهــات النظــر، والــرؤى الصابة في المعنــى العام للتجمع. وهــذه الجهود تتبلور فــي إصدار بيان يحتــوي على ما من شــأنه توضيح هذه الــرؤى )وقد عملت جماعة تخاطــر مثل هذا( إذ تتوجب مناقشة هذا البيان في ندوات تدعمها معروضات تنبئ بمثل هذه التوجهات.

إن الحــوار المقام بعد إقامــة كل معرض، وعقد الحــوار للجماعات، يؤدي إلى بلورة الآراء، وتأســيس المنهج الصحيح. إن اســتمرار بقاء نشاط الجماعات ينبع من جدية الأفراد، وجدية التآلف بينهم، وأخيراً جدية المتابعين من المثقفين والأدباء. ولعل الاســتمرا­ر في المتابعة أهم من كل التوجهات.

إن انبثاق جماعة )تخاطر( التي اعتمد أفرادها على تسطير عنوانها على بنية مشــيدة لعناصــر النص، ألا هو الانثيال بمعنــى التخاطر. لما تحتويه هذه المفردة من بنية تخص فعل العقل التشكيلي. ولنا في هذا تداعيات نظرية في علاقة الجــدار بمجموعة من الحيثيات، لعل أهمها العقــل. لقد وجدنا ونحن نراقب اللوحات؛ أن لها وجوداً مجســداً في لوحــات معرضهم المتميز، لذا ندعو إلى عقــد مؤتمرات مصغرة تجمع الفنانــن، وممن يجدوهــم قريباً مــن تجربتهم، التي هــي بالتأكيد ما ســوف تفرز منهجــاً أو برنامجــاً بصيغة بيان، وهو نــوع من الاعتبار الأخلاقــي الثقافي بشــكله العام، وفني بشــكله الخــاص. إن تدارس الموجبــات للقــاء، والعمــل المشــترك، وإن بــدا متباعــداً فــي التنفيذ، يخلــق على الصعيد النظــري نوعاً من لالتزام بميثــاق. ليس للتواصل والاقتراب وحســب، بل قانوناً جمالياً للتحول في صياغة اللوحة كما نوهنا سابقاً.

إن الــذي جمــع الأربعة فــي تقديرنا، هــو نوع الحث علــى تواصل أســس صياغة محتوى اللوحة، الأمر الذي يدعو إلى دراســة ممكنات التلاقــي النظري الجمالي، كما فعل الفنان شــاكر حســن آل ســعيد، فــي بيانه الــذي صاغ جملــة رؤى وتأملات في فترة ســتينيات القرن المنصرم. الفرق هنا إن البيان سيصدر من وجهات نظر أربعة، بينما آل ســعيد صاغها بجهد فردي، لا تخلو نظرتــه من فحص لمنجزه ومنجز الآخريــن، كذلك عكس أســس وجماليات معرفتــه العرفانية، فنظرته فيها شــمولية جمالية، دفعته إلى تعميق الحــس الصوفي الذي دفعه إلــى صياغة جــداره وفق رؤى روحيــة ـ صوفية. بمعنــى أصبح لديه الجدار بنية تشــكل الوجود المادي للكون البشري. من هذا وجد أن كل صياغاته ممكنة الحضور في الزمان والمكان وتحولاتهما. ٭ كاتب عراقي

 ??  ??
 ??  ?? من أعمال «جماعة تخاطر»
من أعمال «جماعة تخاطر»
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom