بضعف مكانة أبو مازن... هل تقترب السلطة الفلسطينية من المشهد اللبناني الحالي؟
■ يتواصــل الحديــث حالياً عن اســتقرار الســلطة الفلسطينية. وتشير مقالات لمحللين وخبراء إلى ضعف دراماتيكي في مكانة رئيس السلطة محمود عباس )أبو مازن( بين الجمهور. وذلك في ضوء موت «خاشــقجي الفلســطيني»، نــزار بنات، فــي الخليل، الــذي كان من المعارضين الصاخبين له. رجال المخابرات الفلســطينية اعتقلــوا بنات وضربوه حتى المــوت. ومنذ ذلك الحين، تجــري مظاهــرات ضد أبو مــازن. قد يضــاف إلى ذلك نقاش حول الوضع الاقتصادي المتفاقم للســلطة، التي -حســب تقارير مختلفة- تقف على شفا الانهيار، مثل لبنــان تقريبــاً. في ضوء هــذه التطورات، أعلن منســق أعمــال الحكومة في المناطــق اللواء غســان عليان، عن زيــادة حجم العمالة الفلســطينية لفــرع البناء بنحو 15 ألــف تصريــح، وكذا لفــرع الفندقة. وســواء شــاء كل BDS محبيالـ علــىأنواعهمأمأبوا،فــإنالاقتصاد الفلســطيني متعلق بقدر كبير بالاقتصاد الإســرائيلي. وكل مقاطعة حقيقية على إسرائيل ستخلق مئات آلاف الأفواه الجائعة في الضفة الغربية.
وينبغــي القــول: الوضع فــي الضفة وفي الســلطة يختلــف عنه فــي لبنــان؛ فالكهرباء تعمل، وكــذا أيضاً توريد المياه، ولا يوجد داخل الســلطة جســم عســكري يتأمر عليها مثل «حزب الله». العكس هو الصحيح: فتح وأجهــزة أمن الســلطة تواصل الســيطرة على الوضع، حتى وإن كان جزئياً )رغم أن أحداث هذا الأســبوع في الخليل والمعــارك بين حمولتين تثير علامات اســتفهام حتى اللحظة(. كما أن الوضع الاقتصادي والسياســي للســلطة ليــس علــى شــفا الانهيار بعــد، ولكنهــا أزمة تتشكل من عدة عناصر.
بدايــة، جبايــة الضرائــب في الســلطة قلت بشــكل واضح في السنة الأخيرة بسبب كورونا وإبطاء كاسح في النشاط الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، فإن المساعدة الاقتصادية التي درجت الســلطة علــى تلقيها من دول عربية كالســعودية والإمارات توقفت، في ضوء الأزمة مع دول الخليــج على خلفية اتفاقــات إبراهيم في عهد ترامب. صحيــح أن الرئيس في واشــنطن تغير منذئذ، ولكــن سياســة دول الخليــج بقيــت علــى حالها تجاه الســلطة، وكذا مســاعدة الاتحاد الأوروبــي، للميزانية والبنــى التحتيــة... ثم توقفت لأســباب غيــر واضحة. ويبلغ دين الســلطة للبنوك نحــو 2.3 مليار دولار، وهو مبلــغ طائل فــي معايير فلســطينية. وحســب مصادر مختلفة، فقد بلّغت البنوك الســلطة بــأن ليس في نيتها تقديم المزيد من القروض لها لدفع رواتب موظفيها.
وإضافــة إلى العجز المالــي المتفاقم، ففــي مطلع آب ســتكون هناك تشويشــات فــي دفع رواتــب الموظفين – وأعضــاء أجهزة الأمــن أولئك الذيــن يضمنون بقاء الســلطة، بمــا فــي ذلــك أزمة نــزار بنــات التــي قمعوا الاحتجاج ضد أبو مازن بكل سبيل ممكن.
وعلى المســتوى السياســي أيضــاً، تعاني الســلطة من أزمة عقب إلغــاء انتخابات الســلطة وقضية بنات. لا شــك بأن لو أجريــت انتخابــات في الســلطة لفازت حمــاس، وذلك بســبب المعركة الأخيرة في غــزة، التي فســرها كثيرون فــي الضفة كانتصــار للمنظمة. ولكن لحظّ أبو مــازن ورفاقه، لا توجد انتخابــات في الأفق،
وكل إمكانيــة للمصالحــة مــع حمــاس تبــدو بعيــدة مثلمــا كانت دومــاً. بمفاهيم عديدة، يذكــر الوضع بين الســلطة وحماس بالوضع مع إسرائيل: نزاع غير قابل للحــل، في أفضل الأحوال لإدارتــه، وحتى هذا محدود الضمان.
ورغم كل ما كتب هنا، يجدر بالذكر أنه لا توجد اليوم
مظاهرات جماهيرية ضد أبو مازن في المناطق. صحيح أن بعــض المظاهــرات قد أجريــت هنا وهنــاك، ولكنها توقفــت بعد أن بعثــت «فتــح» برجالها إلى الشــوارع. أو كما شــرح لي هذا الأســبوع زميل فلســطيني: «ضد من ســيتظاهرون؟ أبو مازن؟ لو ســمحت، الســؤال: ما البديل؟ الجمهــور في الضفة لا يريد في معظمه حماس
أو الاحتــال الإســرائيلي ليديــر شــؤونه. صحيــح أن عبــاس يعتبــر خياراً ســيئاً، ولكنــه أقل ســوءاً مقارنة بالإمكانات الأخرى».
الأنباء الطيبة للســلطة و»فتح» هــي تغيير النهج من حيث الجانب الأمريكي، ومن حيث الجانب الإسرائيلي مع تشــكيل حكومة بينيت -لبيــد. صحيح أنه لا يوجد اتصــال بــن رئيــس الــوزراء الإســرائيلي والرئيــس الفلســطيني، ولكــن هذا الأخير يتصل مــع وزير الدفاع بينــي غانتس، ومــع رئيس الدولة إســحق هرتســوغ، وآخريــن. بل التقى هــذا الأســبوع وزراء «ميرتس» مع وزراء الفلســطينيين. يفهــم الجانــب الفلســطيني بأن إســرائيل تريد الحفاظ على اســتقرار الســلطة ومكانة أبو مــازن. وزيادة عــدد تصاريح العمل للفلســطينيين في فرع البناء يعد تعبيراً عن هذا النهج، وذلك رغم قرار الخصــم من أموال ضرائب الســلطة ورواتب الأســرى الفلســطينيين وعائلات المخربين مرة أخرى. بأي حال، وضــع محمود عبــاس اليــوم أفضل ممــا كان في عهد نتنياهــو. أولئك الذين تحدثت معهــم طرحوا موضوعاً واحداً يخلق قلقاً كبيــراً في «فتح»: إمكانية أن تتوصل إســرائيل وحماس إلى صفقة شــاملة لتحسين الوضع الاقتصــادي في غــزة مقابل الهــدوء. والمقابــل، وفي إطار هــذه التفاهمات، تتم أيضاً صفقة لتحرير أســرى فلســطينيين مقابل الإســرائيليين المحتجزيــن في غزة. وإذا مــا خرجت مثــل هذه الصفقــة إلى حيــز التنفيذ، كما يشــرحون، فإنها ستمنح تعزيزاً كبيراً لحماس في غزة والضفة، وستتسبب بكثير من الاضطرابات حول مكانة السلطة.
معاريف 2021/7/30