Al-Quds Al-Arabi

بعد لكمات السايبر والإعلام بينهما: إسرائيل تحذر وتثير السؤال الأهم: ما معنى أن تقترب إيران من «الحافة النووية»؟

منافسو قاآني يقتربون من أذن خامنئي وفرنسا تدير حملة تبرعات للجيش اللبناني وهدوء الفلسطينيي­ن يكاد ينفد

- عاموس هرئيل

■ في هذا الأسبوع، عاد مصطلح قديم جديد إلى مركز النقاش حول التهديد الإيراني- دولة على حافة النووي. وحســب تقرير لغيلي كوهين، من هيئة «كان»، فــإن وزير الدفاع ووزير الخارجية حذرا مؤخراً نظيريهما الأمريكيين من اقتراب إيران من مكانة دولة حافة. وحســب معهد بحوث الأمن القومي، الذي عرض اســتعراضاً اســتراتيج­ياً على رئيس الدولة، إسحق هرتسوغ، فإن إيران تسعى إلى التموضع كدولة حافة، وتقصير الفترة الزمنية المطلوبة لـ «الاختراق»، وإنتاج السلاح النووي نفسه. رئيس الموساد السابق، داني يتوم، ذهب أبعد من ذلك. ففي لقاء أجراه هذا الأســبوع مكتب المحامين «تدمر ليفي»، قال يتــوم إن إدارة بايدن في الحقيقة أعلنت أنها ســتمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكنها لن تمنعها من مكانة «دولة حافة».

ما هي دولة الحافة النووية؟ هذا أمر لا نعرفه بالضبط. المعطى الذي يقلق رجال المخابرات، في إســرائيل وأمريكا، هو ما يســمى «اس.كيو 1»، الكمية المطلوبة من اليورانيوم المخصب لغرض تركيب قنبلة نووية واحدة. من أجل ذلك، هناك حاجة إلى 220 كغم بمستوى تخصيب 20 في المئة، التي يجب بعد ذلك رفع مستوى تخصيبها إلى 93 في المئة في عملية قصيرة جداً. في الوتيرة الحالية، ستكون إيران هناك خلال أشهر وحتى نصف سنة. وهذا في الحقيقة علامة طريق مقلقة.

مفهــوم «دولة حافة نووية» ليس له تعريف متفق عليه، ولا يعتقد قســم الاستخبارا­ت في الجيش الإســرائي­لي، أن هذه الكمية ســتحول إيران إلى دولة حافة، بل ســتحولها فقط إلى 93 في المئة. لم يتم استيضاح هذه المسألة بعد مع الأمريكيين. لا تشارك الاســتخبا­رات العسكرية يتوم تحذيره بشأن بايدن. الوضع سيئ جداً، حتى بهذا الشكل. تخاف إسرائيل من فترة مراوحة طويلة، التي ستنتظر فيها الولايات المتحدة تأقلم الرئيس الجديد والصقري إبراهيم رئيســي في منصبه، وسيؤدي اليمين الأســبوع القادم. وستواصل إيران التقدم فــي هذه الأثناء. وفي حال توقيع اتفــاق، يفترض جهاز الأمن أن هناك احتمالات جيدة بموافقة إيرانية، ولن تكون الشــروط الأصلية في الاتفاق الســابق من العام 2015 كافية؛ لأن طهران ســتكون أقرب بكثير من القنبلــة النووية. مع ذلك، لــن يكون الوضع الداخلــي والاقتصادي للنظام متألقاً. فقد وصفت صحيفة «واشــنطن بوســت» في هذا الأسبوع كيف أنه على طول محور النفوذ الشيعي، من إيران ومروراً بالعراق وسوريا وانتهاء بلبنان، سيؤدي انقطاع الكهرباء لفترات طويلة إلى انخفاض حاد في تزويد المياه والكهرباء وانتهاك أبســط معايير جودة الحياة. وقد أضيفت آثار أزمة المناخ إلى المشــكلات الاقتصادية. في محافظة خوزســتان في جنوب إيران حدثت هذا الشــهر أعمال شــغب احتجاجاً على نقص المياه. وأطلقت قوات النظام النار وقتلت الكثير من المتظاهرين.

في الخلفية يبدو أن إيران وإســرائيل تواصلان ضرب بعضهما من تحت الرادار، لا ســيما في مجال الســايبر. في الشــهر الماضي، نشر في إيران عن هجوم سايبر كبير شوش حركة القطارات في الدولة بشكل كامل. وقد أضيفت إلى هذه الضربة لدغة حاقدة. لقد ظهر رقم هاتف مكتب الزعيم الروحي، علي خامنئي، بشكل ما على لوحات الإعلان الإلكتروني­ة في محطات القطار كمكان لاستيضاح التفاصيل عن موعد إصلاح الضرر.

ربما فهم الإيرانيون الرســالة، وثمة تقدير بأنها رســالة نقلت بعد كشف وإحباط سلســلة هجمات جديدة لإيران على بنى تحتيــة مدنية حيوية في إسرائيل. والمعركة إعلامية أيضاً؛ فقد نشرت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية هذا الأسبوع وثائق سرية وصلت إليها من «مصادر استخبارية غربية»، منها خطة تنفيذية لحرس الثورة الإيراني لهجوم ســايبر مســتقبلي على سفن تجارية غربية. إن نشاطات إســرائيل في الفترة الأخيرة تنضم إلى المقاربة العلنية لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت، حتى قبل تسلمه لمنصبه. قبل ثلاث ســنوات، دعا بينيت إلى ضرب «رأس الأخطبوط» وقال إن ردود إســرائيل على العدوان عليها يجب أن تكون ملموســة في إيران نفسها، وليس فقط في قطاع غزة أو لبنان. يبدو أيضاً أن بينيت قلق أقل من احتمالية أن يقتل رجال من حرس الثورة أو من مقاتلي «حزب الله» في الهجمات الجوية المنســوبة لإسرائيل في سوريا.

في الوقت الذي تظهر فيه خط حازم ومعاكس مقارنة بالمفاوضات النووية، فإن مشكلات طهران لا تقتصر على المال والمياه أو الكهرباء. فثمة تشكل وضع جديد آخذ في العراق. الجنرال قاســم سليماني، الذي اغتاله الأمريكيون في كانون الثاني 2020، قاد اســتراتيج­ية بحسبها تم تسليح المليشيات المؤيدة

لإيران في العراق وســوريا واليمن بسلاح متقدم، شمل طائرات بدون طيار وصواريخ بالســتية. ولكن وريثه الجنرال إســماعيل قاآني، يجد صعوبة في الدخول إلى حذائه الكبير. المليشــيا­ت الشــيعية في العراق تتنصل من صلاحياته، وحسب تقرير للمحلل المخضرم مارتن سولوف في «الغارديان»، فقــد رفضوا محاولــة قاآني وقف إطــاق صواريخها علــى قواعد الجيش الأمريكي في العراق.

أحداث العراق تشــغل كل المنطقة؛ فهل ستجري هناك محاولة للمليشيات لدفع القوات الأمريكية إلى الخارج، اســتمراراً لانســحاب الولايات المتحدة من أفغانســتا­ن؟ في إيران نفســها يواجه قاآني صعوبات حتى في الساحة الداخلية. ومراكز قوة أخرى في حرس الثورة الإيراني، وسلاح الجو وسلاح البحرية ونظام السايبر العملياتي، تتنافس على منصبه همساً لأذن الزعيم خامنئي.

في سوريا سجل هذا الأسبوع هدوء نسبي من المنظور الإسرائيلي بعد أن نسبت ثلاث هجمات لسلاح الجو في الأسبوع الماضي، وهذا معدل استثنائي يبــدو أنه أثار الروس. تفاجأ الجيش الإســرائي­لي من قوة انتقاد موســكو، ومن ادعاء جنرال روســي وكأن أنظمة دفاع جوي روســية، موجودة لدى السوريين، أحبطت إحدى الهجمات الإسرائيلي­ة. مع ذلك، يبدو في هذا الوقت أنه لا تغيير مهماً في سياســة روسيا. ستحتج موسكو عندما تكون الهجمات متقاربة جداً في الوقت أو إذا اقتربت من مصالحها في شمال سوريا. وتستغل الفرصة لتسويق أنظمة ســاحها المتقدم لدول أخرى. ولكنها في هذه الأثناء لا تنحرف عن الوضع الراهن أمام إســرائيل، بل وتحــرص على عدم تنفيذ تهديدها بإعطاء ســوريا أنظمة مضادة للطائرات من نوع «اس300»، الأكثر خطراً على طائرات سلاح الجو.

في الوقت نفسه، يؤيد الروس جهود الرئيس بشار الأسد لترسيخ حكمه. الانتخابات الرئاســية التي جرت في أيار الماضي وفيها فاز الأســد بأغلبية ساحقة كالعادة، اســتقبلته­ا إسرائيل والغرب باستهزاء. ولكن لها أهمية في العالم العربي. فقد اعتبرت اســتعراض قوة يدل علــى أن الديكتاتور قد بدأ يعيد بلاده إلى الروتين الذي كان ســائداً فيها قبل الحرب الأهلية في 2011. بدعم من روســيا، يســتعد الأســد لهجوم في منطقة درعا في جنوب غرب الدولة، مهد التمرد ضده قبل عقد. إذا لم تنظم روســيا استسلاماً للمتمردين

بطرق ســلمية، فمن المحتمل حدوث هجوم عسكري جديد للنظام على بعد 70 كم عن الحدود مع إسرائيل.

الزاوية الأكثر ســخونة في الشــرق الأوســط هي لبنان في هذه الأثناء. تنظر إسرائيل بتشكك إلى تكليف الملياردير نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة في هذا الأســبوع، وهو رجل الأعمال الســني الذي ترأس الحكومة قبل سبع ســنوات. يتوقع ميقاتي أن يواجه صعوبات كثيرة. إلقــاء هذه المهمة عليه يعكس محاولة يائســة لمراكز القــوة الأخرى في الدولة، على رأســها حزب اللــه، لضمان ضخ الأموال من الغرب ومــن دول الخليج قبل أن يغرق لبنان في موجة جوع. وضع الشــيعة ومن يؤيدون «حزب الله» بشكل خاص، بقي أفضل تقريباً. فالجهاز الناجع لحزب الله من خلال مساعدات مالية كبيرة من إيران، يضمن دخلاً جزئياً واحتياجات أساسية في مناطق الشيعة في جنوب بيروت والبقاع وجنوب الدولة.

وزير الدفاع، بني غانتس، الذي قام بزيارة خاطفة أول أمس إلى باريس، وجد هناك قيادة فرنسية قلقة أكثر من إسرائيل جراء تدهور الوضع الداخلي في لبنان. الفرنسيون يعتبرون أن الجيش اللبناني هو العامل الوحيد الذي يمكنه تثبيت الوضع بدرجة معينة، لذلك يحاولون الآن البدء في حملة دولية لجمــع التبرعات من أجله، التي ستســاعده على توفيــر الغذاء وتطعيمات كورونا.

أما في الساحة الفلسطينية فيجب أن لا يضللنا ذلك الهدوء المؤقت. فلم تتم بعد تســوية طريقة إدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة، وصبر حماس بدأ ينفد. وحتى لو وصلت الأموال، فإن حماس تعرف أن أمامها عائقاً آخر، وهو أن إسرائيل لن ستسمح لها إلا بتسهيلات محدودة بدون اتفاق على الأسرى والمفقودين الإســرائي­ليين. وبقيت الفجوة كبيرة بين مواقف الطرفين. بدأت الســاعة بالفعل «تتكتك» قبيل جولة عنف جديدة في القطاع. وعلى الجيش الإسرائيلي أن يضبط نفســه أكثر في اســتخدام القوة في الضفة الغربية. ففي الأسبوع الماضي قتل هناك أربعة فلسطينيين، من بينهم فتى وطفل، بنار الجنود. بالإجمال، منذ بداية عملية حارس الأســوار قتل نحو 45 فلسطينياً في الضفة بنار الجيش الإسرائيلي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom