Al-Quds Al-Arabi

الانقلاب العسكري تقليد عربي راسخ!

-

■ تعتبــر حركة بكر صدقي فــي العراق عام 1936 أول انقلاب عســكري في المنطقة العربية. حرك حينها الفريق صدقي قــوات بريــة وجوية باتجــاه بغــداد مطالبا الملك غازي بإقالة حكومة ياســن الهاشــمي، وهــو ما حصل، ورغــم اغتياله في العــام اللاحق على فقد شــكلت حركته تلك أنموذجا ســعت بعــده أحزاب وجهات وسياســيون وضباط لاستلهامه للوثوب نحو السلطة.

خــدم بعــض الضبــاط الانقلابيـ­ـن الأوائــل مثله في الجيــش العثماني، ثــم في جيــوش الاحتــال الأجنبية، وكان منهــم الســوري حســني الزعيم، الذي انشــق على الجيــش العثماني بعد أن خدم فيــه وانضم لحركة الثورة العربية الكبرى مع الشــريف حســن، ثــم خدم في جيش الاحتلال الفرنســي الأمر الذي لم يمنــع من صعوده أعلى مراتب الجيش الوطني بعد الاســتقلا­ل، ليقوم بالانقلاب العربــي الثاني عام 1949، الذي ســجل علامــة فارقة في تاريــخ ســوريا الحديــث، وكان فاتحــة عشــرين انقلابا سوريا آخر، كان آخرها انقلاب حافظ الأسد عام 1970.

بعد محــاولات قصيــرة للتحالف مع بعــض الأحزاب التقليديــ­ة، مال أغلب قادة الانقلابــ­ات للانفصال عن تلك الأحــزاب التي صــار وصفها بأنهــا رجعيــة وبرجوازية وإقطاعيــة أحد تقاليد السياســة العربيــة، كما حصل مع حزبي «الاســتقلا­ل» و«الوطني الديمقراطـ­ـي» في العراق بعــد انقلاب عــام 1958، لتميــل الكفة بعدها للشــيوعيي­ن الذين اشــتبكوا مــع البعثيــن والناصريــ­ن لينتهي الأمر مــع انقلاب عــام 1968، إلى تســيّد حزب «البعــث العربي الاشــتراك­ي» وهو ما جرى ما يشــبهه مع بدء الانقلابات الســورية التي خاصمت «الكتلة الوطنيــة» (حزب زعماء الاســتقلا­ل( واتجهــت، نســخها المتعاقبــ­ة، للتحالــف مــع أحــزاب «ثوريــة» و«تقدميــة» كـ«القومي الســوري » و«الشيوعي» و«البعث» أما في مصر، وبعد تقارب مؤقت بــن «الضباط الأحــرار » المصريين و «الإخوان المســلمين » حصــل خلاف كبير أدى إلى الــزج بالآلاف من «الإخوان» فــي الســجون وإعــدام بعــض زعمائهــم، كمــا تم حظــر الأحزاب الســابقة كلها وتشــكيل أحزاب تابعة للســلطة «التقدميــة» كـ«الاتحاد الاشــتراك­ي العربــي» و«التنظيم الطليعي السري».

يشــكل الانقضاض الســريع لضابط متعطش للقبض علــى زمام الأمور النموذج الأكثر شــيوعا فــي الانقلابات العربيــة، غير أن بعض قادة تلك الانقلابات اختاروا طرقا متعرجة للوصول إلى ســدة الســلطة، كما فعــل العراقي صدام حســن، المدنــي، الــذي كان نائبا بالاســم لرئيس الجمهوريــ­ة، السياســي المخضرم والعســكري الســابق أحمد حســن البكــر لقرابــة 11 عامــا، والســوري حافظ الأســد، الذي شــارك في انقلابــي 1963، و1966، واختار لفتــرة أن يتخفى وراء رئيس شــكلي هــو أحمد الخطيب، قبل أن يعلن رئاســته للبلاد، وانقلب آخرون على شركاء لهم، كمــا حصل للرئيــس الجزائري الأول أحمــد بن بلة الذي انقلــب عليه وزير دفاعه، حينهــا، الهواري بومدين، وكما ســمى بومدين ما فعله بـ«حركة التصحيح الثوري» فقــد فعــل الأســد، الــذي كان أيضــا وزيــر دفــاع، الأمر نفســه، فاختار، بعــد خمس ســنوات، وصــف «الحركة التصحيحيــ­ة» لانقلابه على نور الدين الأتاســي )رغم أن السلطة عمليا كانت بيد ضابط آخر هو صلاح جديد(.

يمكــن إدراج مــا حصل في تونس قبل أيــام، من إعلان الرئيــس قيس ســعيد مركــزة كافة الســلطات فــي يده، تجديدا على «تقليد» الانقلاب في السياســة العربية، فقد اعتبــرت بعض الدول الغربية أن مــا حصل لا يعد انقلابا، وجادل تيار في الشارع التونسي بأن ما حصل هو إجراء دســتوري «بتصــرف» لكــن الحقيقة تظل أن ســعيد قام، منذ اســتلامه منصبه رئيســا، باتخاذ خطــوات تدريجية وممنهجــة نحــو هــذا الانقــاب، وقــد ســاهمت الأزمــة السياســية والاقتصادي­ة، إضافة إلى آثــار وباء كورونا، والتنازع بين الرئاســة والبرلمان والأحــزاب، والتدخلات الدولية والإقليمية، في تســيير الأوضــاع لإيصال تونس إلى هذه اللحظة، والتي قد يعني نجاحها، للأسف، هزيمة لمشــروع الديمقراطي­ــة العربية، وعــودة تونس للانضمام إلــى «النظــام العربــي» واســتعادة تقليــد «الانقــاب العسكري » العتيد.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom