Al-Quds Al-Arabi

ماذا يريد ضباع العالم في تونس؟

- ■ ٭ كاتب واعلامي سوري falkasim@gmail.com

انقلاب الرئيس التونســي قيس سعيد على الوضع السياســي الحالي في البلاد هو أشــبه بالشــجرة التي تحجــب الغابة كما يقول المثل الفرنســي. بعبارة أخرى، يجب عدم الاكتفاء بالنظر إلــى ما يحدث في تونس على أنه مجرد صراع بــن الرئيس والجيش من جهة وتيارات الثورة والإسلام السياسي من جهة أخرى، بل هو أكبر من ذلك بكثير، ولا يمكن أن يحدث مطلقاً من دون ضوء أخضر ومباركة خارجية من الكبار وأدواتهم العربية والإقليمية في المنطقة.

ما أســخف الذين يهاجمون هذا الطرف العربي أو ذاك واتهامه بأنه يقف وراء الانقلاب في تونس. شيء مضحك فعلاً، وكأن العرب لديهم مشــاريع وليسوا مجرد أدوات في مشــاريع الآخرين ســواء كان ذلك في تونس أو ليبيا أو ســوريا أو اليمن أو لبنان أو أي مــكان آخر في العالم العربــي. لقد قلنا مــرات ومرات: لا تلومــوا كلب الصيد وتتركوا الصياد. لا تنتقدوا البردعة وتتركوا الحمار.

تعالــوا أولاً نتفق علــى أن ما حدث فــي تونس ليس حدثاً داخلياً مطلقاً، لأن تونس كغيرها من الدول العربية وخاصــة دول المغاربية ما زالت تدور فــي الفلك الغربي الاستعماري، ولم تحصل على استقلالها مطلقاً. وقد وضع الرئيس التونســي الأســبق المنصف المرزوقي كتاباً مهماً بعنوان «الاســتقلا­ل الثاني» يؤكد فيــه أن معظم الدول العربية وخاصة بلده تونس مازال مستعمرة تديرها أياد خارجيه، وأن اســتقلاله­ا منقوص وهو استقلال مبدئي بانتظار تحقيق الاســتقلا­ل الثاني الذي لم يحصل بعد. وبناء على هذا الطرح المنطقي والصارخ، فعلينا ألا ننظر إلى الحدث التونسي على أنه حدث داخلي أو مجرد صراع

بين تيارات تونســية محلية، بل هو أكبــر، وإن الأطراف السياســية المتصارعــ­ة داخل تونس هي نفســها مجرد أدوات فــي اللعبة الكبرى والصــراع الأكبر على تونس. وقد كان الأمر واضحاً للعيان منذ ســنوات حيث تلاعبت قوى عــدة بالوضع التونســي، وخاصــة بالانتخابا­ت. وعلى الرغــم من أن الصــراع على تونس لــم يبدو فجاً كما هو فــي ليبيا مثلاً، إلا أنه كان موجــوداً على الدوام، وقد كان البرلمان التونســي ليس منبراً لمناقشــة أوضاع التونســيي­ن بقدر ما كان ساحة صراع بين الأعضاء الذين يمثلون هذه الجهة الخارجيــة أو تلك. بعبارة أخرى فإن الثورة التونسية لم تفرز نظاماً سياسياً جديداً ومتماسكاً بل كرســت صراعاً بين قوى الثورة والحرس القديم أو ما يســمى بالدولة العميقة، والطرفان كما كان واضحاً على الدوام كانا يمثلان مصالح وصراعات الخارج في تونس أكثر منه مصالح الشــعب التونسي. وأكبر دليل على ذلك أن البلاد وصلت إلى أســوأ وضع معيشــي في تاريخها، بينما كان أعضاء البرلمان التونسي يمارسون لعبة صراع الديوك والمناكفات نيابة عن مشغليهم في الخارج.

والســؤال الذي يقفز إلى الذهن علــى ضوء الانقلاب التونســي: هل يتجرأ الرئيس أو حتى الجيش التونسي على هكذا خطوة من دون ضوء أخضر أو مباركة خارجية إقليمية ودولية؟ مستحيل. إن الصراع في تونس يعكس ببســاطة وبوضوح الصراع الأكبر بــن المتصارعين على تونــس؟ واضح هنا أن داعمي محــور الرئيس والجيش والأحــزاب الممولة من الخارج قد أقدم على خطوة متقدمة ضــد المحور الآخــر، وهذا المحــور ليس حركــة النهضة والإســامي­ين بشــكل عام كمــا يدعي البعــض، فالمحور الإســامي المعارض في تونس أصلاً مهيض الجناح منذ البداية وهو ليس أكثر من ديكور في اللعبة التونسية، رغم أن النهضة وأخواتها تنازلت عن كل شيء كي يقبلوا بها، لا بل خلعت ثوبها الإســامي على مذبح «الديمخراطي­ة» التونســية وقبلت أن تلعب دور الكومبــار­س والديكور الديموخراط­ي، مع ذلك لا محل لها من الإعراب. والمضحك أنهم شــيطنوا النهضة على مدى ســنوات وحملوها كل مصائب البلاد المعيشــية والاقتصادي­ة والسياســي­ة، مع أنها صفر على الشمال في لعبة القرار الداخلي.

ويؤكد الدكتور محمد هنيد في تغريدة على أن «محاولة انقــاب تونس ليســت ضد الإخــوان فهــم لا يحكمون ولم يحكمــوا يوما ولا يصلحون للحكــم أصلا. الانقلاب يســتهدف التجربــة الديمقراطي­ة في بلــد عربي ممنوع عليه أن يجرب الديمقراطي­ة بكل تعثراتها لأن الخوف كل الخوف هو أن يستقر المسار الديمقراطي وتتعود الشعوب الحريةَ والمواطنة»

باختصــار، فإن التغييــر ممنوع في تونــس وغيرها ولا يمر إلا المخطط الاســتعما­ري المرســوم، لهــذا حوّلوا حياة الشــعب التونســي إلى جحيم كي يعــود إلى بيت الطاعــة. بعبارة أخرى فقــد صنعوا الأزمــات وعلبوها لإنهاك التونسيين للوصول إلى هدف الانقلاب العسكري الديكتاتور­ي وبالواجهة رئيس منتخب. عشــر سنوات ونصف والحرب الدولية الشاملة المفتوحة من قبل النظام الدولي ومن كل نوع على شــعب تونــس، كما يقول أحد المغردين التونسيين. وقد نجح المخطط. ويقول مغرد آخر: «ما يحدث في تونس ضربة معلم. خطة جهنمية بتخطيط خارجي وتنفيذ أيــد داخلية. تعطيــل البرلمان ومصالح الشــعب وخلق الفتنة والبلبلة وصراعــات مصالــح داخلــه وإيصال الشــعب إلى حد الكفر بالبرلمــا­ن. بعد ذلك اســتغلال الأزمة كتبرير للســطو على البلاد وإيهام الشعب الكاره ســلفاً لما يحدث بأن الحل في التغييــر». إنها لعبة إنهاك وإهلاك وإتعــاب وفوضى منظمة علــى النفس البطيء، وقد بدأت تؤتي أوكلها. إنه انقلاب صارخ على الثورة مع عودة الديكتاتور­ية التسلطية الدولية على شعب تونس وإعادته إلى حظيرة لطاعة الدولية بأوامر النظام الدولي الحاكم.

باختصــار ومن الآخر لا يمكن أن تجــري أي انقلابات عســكرية سياســية والإطاحة بالبرلمــا­ن وحكومته في العالم إلا برعاية قوة أو قوى عالمية، يضيف آخر. ولا شك أن الراعية والمتعهد الأكبر للانقلابــ­ات معروفة للجميع، لهذا لــم تطلق أمريــكا على ما فعله قيس ســعيد وصف «انقلاب» طبعاً لأنه يجري برضاها ومشــيئتها. دعكم من قيس ســعيد. هذا مجرد واجهة لما يريده ضباع العالم في البلاد.

كنــا نظن أن تونس التي دشــنت أول حراك ثوري في العالم العربي نجت من الشراك التي نصبها ضباع العالم للثورات العربية، لكننا كنا مخطئين، فها هو مهد الثورات العربيــة يتحول إلى لحدها. بدأ الربيع العربي في تونس ويريد ضباع العالم أن يدفنوه فيها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom