Al-Quds Al-Arabi

اللعبة الشعرية في مجموعة «صليات حب» للبناني محمد وهبة

- علي لفتة ٭ كاتب عراقي

■ احلــب حــرب أيضــا لكنهــا حرب لصناعة احلياة، وليــس لصناعة املوت. هكذا يريد الشــاعر اللبناني محمد وهبة أن يقول في عنوان مجموعته الشــعرية (صليــات حب) ولهــذا أيضا فــإن هذه (الصليــات) التــي أراد أن يصنــع منها حياة تدل على اجلمال واألهمية الشعرية في صياغــة الروح أن تكــون قادرة على ممارسة فعلها، ليس الدفاعي أو الهجومي في احلرب، بل التمكــن من الفوز باعتبار أن املغادرة من صليات احلرب إلى صليات احلب هي الغاية اإلنسانية للوجود.. لذا فهو يفترض لعبة شعرية ترتبط ارتباطا وثيقا ليس باحلرب ومــا متعلق مبفردة (صليات)، بل باحلب ومــا متعلق به من روح. ويثبــت ذلك، اإلهــداء الذي أراده مفتاحا وعتبــة أولى للمجموعــة، التي تبيــن أنه يريــد صنع اجلمــال في زمن القبــح واملصالح األنانيــة واإلنابية وال معنى للكلمــة، لكنه يقول أيضــا يهديها للطبيعــة اجلميلــة والليــل وســكونه وللصباح وشــروقه، والى الزمن اجلميل الــذي رحل لكنه ما زال يشــرق في قلبه. أنه إهداء طويل لكنه مهم ملعرفة املفردات التي ترد في النصوص الشعرية والغاية التــي جعلته يصنــع بابا مهمــا ملدينته الشــعرية على شــكل صليات ســريعة متتالية ومتواليــة، ليبني على ضوء ذلك عامله الشــعري الذي سنكتشف أنه يعمل على تفعيل لعبته اخلاصة في هذا االجتاه الشــعري الذي يحمل املعنى والقصد من خالل استخدام املســتويا­ت الكتابية في عملية التدوين.

إن البنيــة الكتابيــة فــي اجملموعــة تقودهــا اللعبة الشــعرية، التــي تأخذ ثالث مســاحات.. األولى: العنوان وهو حلقة الوصل لبوابــة العنوان الرئيس.. الثانيــة: املتوالية الشــعرية فــي تناغم املفردة والســطر الشــعري مع املوسيقى التــي أرادهــا أن تبدو وزنــا للنص، من خالل طريقتني في بنــاء النص الواحد.. األولــى االحتكام إلى القافيــة التي تأخذ شــكل القصيدة احلّرة التــي تلبس ثوب القصيدة النثرية، أو االحتكام املباشر إلى قصيدة النثر مع إلباسها ما استطاع نوعا من املوسيقى في الســطر الشعري، وإن كان بقافيٍة مختلفة.. أما املســاحة الثالثة فهي: التوزيع املقطعــي الذي يعتمد على وجــود كلمة تك ّرر مــ ّرة، أو تقطيع جملي كانتهاء قافية ومجــيء أخرى.. أو فرش املعنى الكلي على شــكل أســطر شعرية تلبي طموح الفكرة التــي ترتبط باحلب وال شيء غير احلب.

العتبات

ولهذا نــرى أن املســاحة األولى التي تبدأ من العنوان الرئيس للنص الواحد، الــذي ال يخــرج عن مــدار كواكب احلب لديــه، بل هي تســبح فيه مثــل مركزية احلركــة الدائرية.. فنــرى في النصوص عناويــن أحبيني/ احلب املقــدس/ امرأة مــن جنــة/ أنا احلــب/ بوابــة احلب/ توازن احلب/ توهج عشــقي/ جلســة من نــور.. وغيرها مــن العناوين التي تأتــي باعتبارها البوابــات الصغرى للبوابــة الكبيــرة العنــوان الرئيس. ثم تبدأ اللعبــة التدوينيــ­ة لديه عبر االحتكام إلى مفردات بســيطة تشكل قوام الفكرة والقصيدة.. مثلما تشــكل املعنــى والهدف، وســواء كانت هذه املفــردات حتمل نفســها الشــعري املركب، أو أنها حتمل معناها املباشــر واملفهوم، فهو أرادها أن تكون بسيطة تصل إلى املتلقي الــذي قال عنه في إهدائه أنه لم يعــد موجودا، وكأنه يريد به العــودة إليه كي يكون أكثر فهما.. وقد اســتخدم هذه الطريقة لسببني. الســبب األول: إن قصيدة احلب في زمــن الكراهية ال حتتاج إلى تعقيد بالغي. فهو يريد صناعة وزراعــة املفــردة التــي تصل إلى

مقاصدها بسرعة.. والســبب الثاني: إن قصيــدة احلــب واجلمال ال حتتــاج إلى تأويٍل مخفي يبحــث عنه املتلّقي، بقدر ما يحتاج إلى فهم القصيدة ومغزاها، وكأنه يريــد أن يعيد القصيــدة (القبانية) إلى واحتها األولى.. وبجمعه للســببني جند الشــاعر قد اتخذ لعبة املغازلة املباشرة، ليكون حديثه موجها من الذات/ الشاعر، إلى اآلخر الــذي هو متنّوع.. مــّرة يأتي على شــكل أنثى وأخرى على شكل متلق، والثالث على شكل وطن، وما بني الثالثة يقبع البوح القصدي جملريات النص ذاته.

إن اللعبــة التدوينيــ­ة فــي القصيدة الواحــدة اســتخدمت عدة مســتويات من مســتويات البنية الكتابيــة.. أولها: املستويان اإلخباري والتصويري، وهما هنا يبــرزان في االســتهال­ل على شــكل تعريف، فيكون املستوى التحليلي الذي يترّكــب عليه مــا تبّقى مــن القصيدة.. أو على شــكل متهيد أولــي للوصول إلى املستوى الفلســفي للحب. وهو بالتالي

ســيكون على املتلّقي فهم البســاطة في املفــردة مع القصدية فــي التأويل إلنتاج هذا املستوى:

املاضي فاكهة احلاضر احلاضر حديث املاضي املستقبل أمل مقدس

أو

هناك حتت الشمس عند املغيب هناك فوق سطح البحر مديد بعيد حيث الدفء

ولهذا جند أن الشــاعر كان معنيا ليس فــي الشــكل اخلارجي للنــص أو اللعبة املعقــدة لفاعلية اجلملة الشــعرية التي حتتــاج إلى جهد تفكيكي، بــل كان معنيا بإيصال املعلومة عن أهمية احلب حتى إن كان صعبا أو قاســيا أيضا بقدر ما يفرش حتليالته الغائية على مســاحة القصيدة الواحدة، وكأنه يعلن قناعته اخلاصة في هذا االجتاه.

احملتوى الشعري

واملســتوى الثانــي: وهــو املستوى التحليلي الذي يأتي مرة على شــكل مغازلة مباشرة او على تبرير اســتخدامه لبنائية كهذه أو لعبة شــعرية. وهو ما أكده في نص (هذه قناعاتي) التــي كانت عبارة عن رســالة كأنها احملمــول الداللي لكل دالالت وأدلة احملتوى الشعرية للنصــوص، أو هــي حاصــل جمع النصوص لتكون القاســم املشــترك لها: ألجلك تشرق الشمس وتغار منك ألجلك ولد القمر ويتنكر بك ألجلك ولد النبض في القلب

ولد النور في العني زهر الورد في البستان

املســتوى الثالث: املســتوى الفلسفي املبثــوث داخــل املســتوى التصويري، ما يعنــي محاولة االســتمرا­ر بالتحليق والهيام إليصال احملتوى على شكل رسالة مخاطبة مباشــرة وكأنه يحــدث اآلخر/ هي/ املرأة/ احلب

ولهذا جند أن النص فــي نهايته يأخذ بعديــن مهمــني.. األول: البعد اخلالصي للمعنى كرسالة وهو يأتي ضمن املستوى اإلخباري، دون أن يقترب من املســتوى التحليلي:

بل إعالن حب شروق شمس ورحيقا دائما

والبعد الثانــي: النهاية املفتوحة التي يتركهــا للمتلقــي ملعرفة الزاويــة التي ينطلق منها، وهو هنا يعتمد على املستوى القصــدي، الذي يأتي فــي أغلب األحيان بطريقة مباشرة.

أنت إجنيل وقرآن أنت جرس وأذان أنت مهد احلضارات أنت سيد األوطان

هذه اجملموعة أرادها الشاعر أن متتلك قــوة املواجهــة مع النصوص الشــعرية احلزينــة التي جتلــد الــذات، وأن يعاد إنتــاج احلب ولــو على شــكل صليات، وأن تكون قــادرة على التماهي مع حاجة اإلنســان/ املتلقي إلى جرعــٍة تنفعه في التشبث باحلياة/ اجلمال.. لذلك استخدم املفردة البسيطة والبناء املتعاقد واللعبة القصدية.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom