بفن املصغرات: لبناني يجسد أزمة بالده االقتصادية واملعيشية
■ بيــروت - األناضول: اختــار املهندس اللبناني عمر منيمنة 32( عاما) أن يجسد أزمة بالده االقتصادية من خالل فــن املصغرات (املينياتور)، ليصنع مشــهدا يعكس حال اللبنانيني ومعاناتهم املعيشية وأحالمهم.
ويعرف «املينياتور» أيضًا باســم «فــّن املنمنمات» أو «اجملســمات فائقــة الصغــر»، ويهدف مــن خالله املصممون إلى جتسيد مشاهد أو أحداث بنسخ صغيرة منها وهو يتطلب مهارة وحرفية عالية.
وحتت عنوان «حتية الى شــعب يعيــش االنتظار على حافة األمل»، صنع منيمنة مشهدًا سورياليًا (غير حقيقي) يجســد واقع اللبنانيــني الباحثني عن بقعة ضوء داخل نفق األزمة املظلم في بلدهم.
املشــهد عبارة عن مجســم لطائرة سفر، حتيط بها العديد مــن احلاجات الضرورية التي تشــكل هاجس اللبنانيــني منــذ 3 أعوام أبرزهــا الطاقــة والكهرباء واملياه، حيث تعاني البالد من شح حاد فيها.
كمــا دفعت األزمــة املالية ومــا رافقها مــن تدهور معيشــي، بعشــرات اآلالف من املواطنني إلى الهجرة، فيما يسعى آخرون إلى ســلوك نفس الطريق هربا من املعاناة، وأمال مبستقبل وحياة أفضل.
وفي 2 نوفمبر/ تشــرين الثاني اجلاري، قال رئيس احلكومة جنيب ميقاتي، في كلمته خالل القمة العربية باجلزائر: «نواجه أســوأ أزمــة اقتصادية واجتماعية في تاريخنا، نالــت من املؤسســات ووضعت غالبية اللبنانيني حتت خط الفقر، وتسببت بهجرة الكثير من الطاقات الشابة والواعدة».
ومنذ العــام 2019 يعانــي لبنان أزمــة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار مالي ومعيشــي وارتفاع قياسي مبعدالت الفقر، باإلضافة إلى شــح في الوقود والطاقة واألدوية وسلع أساسية أخرى.
وقال املهندس منيمنة، إنه قرر أن يجسد واقع بالده
من خالل مشــهد يحاكــي معانــاة اللبنانيني وطريقة عيشــهم في ظل األزمــة. وأضاف: «اختــرت الطائرة كعنصر أساسي ألنه من املعروف أن العديد من الناس يسعون إلى الهجرة هذه الفترة، فيما قسم آخر ما زال يتأمل خيرا وينتظر حتسن األوضاع».
اجملســم يبلغ حجمــه حوالي 50 ســم ويظهر أبرز احلاجات التي يســعى إليها املواطنون اللبنانيون كي يتمكنوا من االســتمرار في العيــش، متل مولد كهرباء خاص وألواح طاقة شمسية وخزانات مياه.
وذكــر منيمنة أنه في الوقــت الذي يطمح فيه الكثير من النــاس للهجرة، يحاول آخرون التكيــف مــع الواقع الصعــب، وهو ما تعكســه املعدات واللوازم امللتصقة واحمليطة بهيكل الطائرة.
ويعد شــح الوقــود اخملصص لتوليد الطاقة أحد أبرز انعكاسات األزمة االقتصادية فــي لبنان، ما أدى إلــى توقف معظــم محطات الكهربــاء احلكوميــة، األمر الذي يدفــع باللبنانيني إلى االســتعانة مبولدات كهربائية خاصة.
وفي تفاصيــل أخرى مبجســمه، قال منيمنــة: «تعمــدت أن تكون الطائــرة قدمية ويغطــي الصدأ بعــض جوانبها، كي أعكــس العامل الزمني لألزمة املستمرة منذ 3 سنوات».
ورغم املعاناة لم يتخل قسم كبير من اللبنانيني عن طوقهم للفرح والترفيه عن أنفسهم، لذاك جعل منيمنة من إحــدى جناحي الطائرة مكانــا لتالقي العائلة في حديقة حتت ظل شجرة.
أما الشــادر الذي يغطي جزءا من ســقف الطائرة ويحمل شــعار إحدى املنظمات األمميــة، فهو يعكس الثغــرات اخلدماتيــة التــي خلفتهــا األزمــة، فيمــا حتــاول املنظمــات األممية واملساعدات الدولية تغطيــة هــذا العجز، بحســب املهندس اللبناني. كما يظهر اجملســم «بلوكات» أسمنتية في محيط الطائرة حتاكي االنقســامات (املناطقية والطائفية) في مجتمع بلده، فيما تعكس لوحــة تعريفية مرميــة بجانب الطريق، حالة تردي املؤسسات احلكومية، على حد قوله. واســتغرق اجناز هذا اجملســم الفني نحو 6 أشهر، أمــا املواد املســتخدمة فمعظمها يتكون من اخلشــب، باإلضافة إلى معادن واسفنج وبالستيك. الشــغف احلرفي بدأ مع منيمنة منذ نعومة أظافره،
إال أن تركيــزه على هذا النوع من الفــن بدأ قبل عامني عندما حاول صناعة بعض اجملسمات فجاءت النتيجة باهرة، حينها قرر املواظبة على ذلك.
وأشــار منيمنة إلى أن من أبرز اجملسمات التي القت رواجًا كبيرًا على مواقع التواصل كان مشــربية تابعة ملبنى أثري يعود إلى احلقبة العثمانية ،)1918-1516( هذا املبنــى هو قصر «بيــت الدين» أحد أبــرز األبنية التاريخية في لبنان، ويســتخدم جزء منه حاليا مقرا صيفيا لرئاسة اجلمهورية.
املهندس منيمنــة الذي يحمل إجازة في الهندســة الداخلية من اجلامعة اللبنانية، يعمل مبجال التصميم والبناء في شركة مقاوالت، إال أنه يطمح أن يصبح فن صناعة اجملسمات الصغيرة مصدر رزقه األساسي في املستقبل.