إجناز قطري معتبر

اســتضافة دولة قطر ملونديال كأس العالــم ُيشــكل إجنــاز ًا تاريخيــ ًا غير مسبوق على املســتوى العربي، إذ هذه هي املرة األولى التــي تتمكن فيها دولة عربية من استضافة هذا احلدث الذي يشهده العالم مرة كل أربع ســنوات، منذ أكثر من تسعني عاما، ويستقطب اهتمام مئات املاليني من البشر في كل مرة.

حفل االفتتاح كان تاريخيًا ومميــزًا بامتياز، وكان حفًال يليق بالعــرب كأمة ذات تاريخ عريق، كمــا حمل معه جملة من الرموز والرســائل بالغة األهمية، وهي رســائل رمبا لم يكن العــرب يحلمون ـ ولو طال الزمــان ـ بأن ينجحوا في إيصالها للبشــرية، كما أن هذه البطولة االستثنائية تشكل مناســبة لتغيير الصورة النمطية عن العرب واملسلمني في العالــم، بعد عقود من وصمهم باإلرهــاب، وربطهم بالعنف أينمــا كانوا في العالــم، إذ أن هذه األلعاب ســتكون آية ال ُتنسى في التسامح والتعايش والتفاهم مع اآلخر، فضًال عن أن هذه اآلية يتم تســجيلها في دولة خليجية وليس عربية فقط، أي دولــة يعتقد اآلخرون بأنها أقل انفتاحا من غيرها، وهي اليوم تثبت لهم بأن هذه القناعات الســلبية السائدة ليست صحيحة.

في حفل االفتتاح املهيب ملونديال كأس العالم 2022 أثبت القطريــون أن كأس العالم الذي هو أهم حــدث دولي على املستويني الشعبي والرســمي، يمكن أن يتم افتتاحه بآيات من القرآن الكــرمي، ويمكن أن يتضمن حفــال غنائيا عربيا، ومــن املمكن أيضا أن تكون كلمة االفتتاح الرئيســية باللغة العربية وعلى لسان رئيس دولة عربية، الذي هو أمير دولة قطر الشيخ متيم، الذي خاطب الكون بلغته األصلية وليس باإلنكليزية وال اإلسبانية وال غيرهما، كما كان يرتدي الزي العربي التقليدي (الثوب والشــماغ) وهو يقول للعالم إننا جنحنا في تنظيم هذه البطولة وسنواصل النجاح حتى آخر مباراة وآخر مشــجع، وإننا نحن العرب قادرون على ذلك، ولسنا أقَل شأنًا من األمم األخرى.

من املؤكد أن مئات املاليني من البشر سمعوا آيات القرآن الكرمي، وطلبوا ترجمتها وســألوا عــن معانيها، ومن املؤكد أيضا أن أمير دولة قطر كان مبقدوره أن يرتدي بدلة سوداء وربطــة عنــق أنيقة على أرقــى وأحدث طــراز، ومن أفخم املــاركات العاملية لكنــه لم يفعل ذلك وفضــل أن يخرج إلى العالم بلباســه الوطني العربي التقليدي، وبلسانه العربي الفصيح مذكرًا أمم العالم بأننا نحُن العرب نســتضيف هذه البطولة الكونية الكبرى. ثمة رســالة أخــرى رمبا هي أهم وأبلغ وأوضح من كافة املضامني األخرى، وهي أن أمير دولة قطر تعمد بوضوح أن يكــون إلى جانبه حكام دول احلصار الثالثة: الســعودية واإلمارات ومصر، إلى جانب طبعا ملك األردن والرئيــس التركي رجب طيب أردوغان، وغيرهم من رموز هذه املنطقة، إذ هي رســالة واضحة مفادها أن هؤالء األشقاء، وإن اختلفوا وتصارعوا وتناحروا، فإنهم يعودون إلى أحضان بعضهــم في نهاية املطــاف ويتعالون على أي خالف، ويتجاوزون أي أزمة، ألن هذه األمة واحدة وال يمكن تفتيتها وال تفريقها وال زرع الفتنة فيها إلى األبد.

أراد القطريون حتويل حفــل افتتاح كأس العالم إلى قمة مصاحلة عربية، وإلى لقاء قمة عاملي مشــترك، وقد جنحوا في ذلــك، كما أرادوا أن يقولوا ملاليني املشــجعني في العالم أن أي خالف سياســي يجب أن ال يفســد الود الرياضي وال الــروح العالية التي يتوجب التحلي بهــا دوما. وأرادوا أن يقولوا للعالم بأن العرب هم الذين يســتضيفون املونديال وليــس قطر وحدها، وأن هؤالء العــرب أمة واحدة وعائلة ال يمكن تفكيكها، وأن اخلالفات الســابقة ال ميكن أن تستمر، بــل طويــت صفحتها، وكــذا أي خالفات مقبلة ســوف لن تســتمر طويال إذا نشــبت. جناح قطر في تنظيم املونديال هو جنــاح لألمــة العربية بأكملهــا، وإجناز كبيــر للدولة املضيفة، وهذه الرســائل التي وصلت حتى اآلن من العرب إلى مليارات البشــر حول العالم، لم يكن من املمكن إيصالها لوال هذا املونديال. فضال عن قائمة طويلة من املكاسب التي ســيحصدها القطريــون أوال ثم جيرانهــم اخلليجيون ثم العرب جميعا.

هذه البطولة االستثنائية تشكل مناسبة لتغيير الصورة النمطية عن العرب واملسلمني في العالم، بعد عقود من وصمهم باإلرهاب، وربطهم بالعنف