التوتر التركي ـ الكردي: جولة جديدة في مسلسل متعاقب

■ إذا كان حزب العمال الكردســتاني، حســب االتهامــات الرســمية التــي صدرت عن الســلطات التركية، هو املســؤول عن التفجيــر اإلرهابي الذي اســتهدف قلــب مدينــة إســطنبول وأوقــع ســتة قتلى وعشــرات اجلرحى، فإنه مســؤول أيضا عن عشــرات القتلى فــي صفــوف مقاتليــه وأنصاره وبعــض املدنيــن أيضــا نتيجــة غــارات الطائرات واملسيرات التركية على قواعده في شمال العراق، وعلــى مواقع قوات ســوريا الدميقراطية ووحدات حمايــة الشــعب الكرديــة التابعــة أو احلليفــة في شمال سوريا.

وإذا لــم يكــن احلــزب مســؤوال عــن التخطيط للتفجيــر فــي شــارع االســتقالل فــي اســطنبول واإلشــراف علــى تنفيــذه، كمــا أعلن، فــإن تاريخ العالقة الشــائكة مع احلكومــات التركية املتعاقبة ال يخلو من عمليات سابقة دامية اتهم فيها احلزب

أيضــا وأريقت خاللها دمــاء املئات مــن املواطنن األتــراك األبرياء، وتســببت بالتالي فــي مزيد من إجــراءات القصــاص التــي اتخذتهــا أنقــرة بحق املواطنن األتراك األكراد أنفسهم.

ومــن حيــث املبــدأ فــإن عقيــدة حــزب العمال الكردســتاني ال تقــر اســتخدام العنــف على نحو علنــي بوصفه خيار ًا كفاحي ًا شــرعي ًا يبيح مختلف الوســائل والطرائــق على أرض تركيــا أو إيران أو ســوريا فقط، بل حدث مــرارًا ويحــدث اآلن أيضًا أن اجلماهيــر الكرديــة ذاتها ليســت مســتثناة من املمارسات العنفية، وهذا ما شهدته مناطق واسعة فــي ســوريا هيمنت عليهــا أذرع احلــزب اخملتلفة، وعلى رأســها حزب االحتــاد الدميقراطــي. وعلى امتــداد عقــود طويلــة برهنــت جتارب النكســات املتعاقبــة على عقم هذا اخليار وأخطاره اجلســيمة وعواقبه الســيئة على نضاالت الشعب الكردي من

أجل نيل حقوقه املشروعة.

وفــي ســنة 2015 كان حــزب الشــعوب الدميقراطي، األبرز في متثيل أكراد تركيا، قد جنح إلى العمل السياســي الســلمي وخاض انتخابات ذلــك العام فحقق نصر ًا صريحــًا وأوصل 80 نائب ًا إلــى البرملــان التركــي، وكانــت النتيجــة الطبيعية التالية هي التوصل إلى صيغة غير معلنة من وقف إطالق النار مع اجليش التركي. صحيح أن 35 سنة من العداء املســتحكم بن السلطات التركية وحزب العمال الكردســتاني تكفلت بإفســاد تلك الهدنة، وتولت األحزاب القوميــة التركية صب الزيت على نيرانها املشــتعلة أصال. إال أن الصحيح في املقابل هو انفتاح زعيم حزب الشعوب الدميقراطي صالح الدين دميرتاش على األجنحة املتشددة في قيادات حزب العمال الكردستاني، ومن املؤسف أنه اليوم يقبع في السجن من دون محاكمة وبتهمة التعاطي

مع اإلرهاب. وفي اجلانب الســوري يخضع صالح مســلم، زعيم حزب االحتــاد الدميقراطي، ملالحقة مــن جانــب اإلنتربــول مبوجــب «نشــرة حمراء» طلبتها احلكومة التركية، وســبق أن مت توقيفه في براغ قبل أن تطلق السلطات التشيكية سراحه.

وعلــى نقيض ما يقال فإن تركيا ليســت بحاجة إلــى تلفيق عمليــة إرهابية في قلب إســطنبول كي تعتمدها ذريعة لشــن الغارات على شــمال سوريا والعراق، وعملية «اخمللب ـ الســيف» ليست سوى جولــة جديدة فــي مسلســل متعاقــب. اإلرهاب ال يخدم القضية الكردية بقدر ما يزود غالة األحزاب القومية املتشــددة بذرائع إضافيــة للتضييق أكثر علــى األكــراد من جهــة أولى، واســتثمار مشــاعر التعصــب وتوظيفهــا سياســيا مــن جهــة ثانيــة، ومســؤولية القــوى الكردية مركزيــة في احلالتن وحاسمة أيضا.