Al-Quds Al-Arabi

اليوم العاملي للفلسفة ... أفكار عن احلرب والسلم

- نزار بدران٭ ٭ كاتب فلسطيني

■ تشــكل احلرب مصدر حيرة بالنســبة للفيلسوف، فهو على طريقة كانط الفيلسوف االملاني، في كتابه «نحو الســالم الدائم» عام 1795 يفضل التفلسف في مجال السالم. هذا األخير هو موضوع فلسفي واضــح، مقارنــة بضبابية احلرب. رغــم ذلك فهناك من الفالســفة من حاول وضع مفهوم فلســفي للحرب. أول من فكر في ذلك هو الفيلسوف اليونانــي أفالطون، والذي اعتقد أن احلروب بــني املدن اإلغريقية كان شــيئا طبيعيا مفيدا، بهدف احلفاظ على مفاهيم الشــجاعة والشهامة والفروسية والتي بنيت عليها أخالقيات ذلك الزمن.

احلرب هي اختراع إنســاني بحت، فاحليوانات ال تعرفها، كانط فسر ذلك بإرادة الطبيعة والتي وضعت في اجلنس البشــري قاطبة وسائل البقاء وليس في األفراد كما فعلت مع احليوانات. الصراع عنده (كتاب: ما هي األنوار) هو وســيلة الطبيعة لدفع البشــر وضــع قوانني مقيدة للحريــة حتى يتمكنوا من احلياة، وإال ألفنــوا بعضهم بعضا. لذلك فهو يعتقد أن اإلنســان يســير ولو بعد زمن طويل جدا نحو السالم الدائم. هذا السالم قد يتحقق داخل اجملتمعات أي داخل الدول لكن حتت طائلة القانون، لكننا نبقى بعيدين جدا من متكن وضع الدول نفسها حتت حكم القانون والذي هو شــرط الســالم، فهي حتتكم فقط إلى توازن القوى محولة فكرة الســلم الدائــم إلى أطروحة وهمية وفكرة ســاذجة، رغم وجود منظمات وقوانني دولية عديدة لتنظيم اإلنســاني­ة، لكن ســيادة الدولة تبقى حلد اآلن أعلى من القانون الدولي.

قليلة هي الدول كما هو احلال في الواليات املشــكلة للواليات املتحدة األمريكيــ­ة أو دول اإلحتاد األوروبــي، التي تقبــل االنتقاص الطوعي من ســيادتها في مجاالت محددة لصالح اجملموعــة، مثل إلغاء احلدود والعمالت الوطنية أو توحيد األنظمة االجتماعية الداخلية.

ابتداء من القرن السادس عشر، قام الفالسفة بتحديد أنواع احلروب، فهناك مفهوم احلرب العادلة، وأهم مؤسســيها الفيلسوف األملاني ليبتز في القرن السابع عشر، تلك التي تهدف إلى استعادة حق منهوب وإعادة الوضع كما كان ســابقا، أو معاقبة املعتدي عليها «حرب احلقوق» وهنا توضــع القوة في خدمة القانــون. وهناك احلرب املؤسســة، تلك التي تهدف إلى إقامة وضع حقوقي جديد «حرب التأســيس» ومن املدافعني عنها الفيلســوف اإلنكليزي هوبز في القرن السادس عشر، وهنا يوضع القانون في خدمة القوة. هذان مفهومان متضاربان، احلرب على العراق وضعها األمريكيون في خانة احلرب العادلة ألنها كانت تهدف الستعادة الســيادة الكويتية، أما الثورة اإلســالمي­ة واحلرب مع العراق وضعها اإليرانيون في خانة حرب مؤسسة أي تهدف إلقامة نظام حقوقي جديد.

اختالف طبيعيــة احلروب عــن بعضها البعض، وعــدم خضوعها لقوانني ثابتة، يدفعنا للتكلم عن «فلسفة زمن احلرب» وليس عن فلسفة احلرب. مبعنى فلســفة العالقة بني احلضارة واحلرب، وانعكاسات تلك األخيرة على اجملتمعات على املــدى الطويل، وما تخلقه أوال من جتارب فكرية خصوصًا في اجملال الثقافي وما تثيره من نزعات قومية شوفينية مع ظهــور االنعزالية أو العدوانية، كما حصل في أوروبا في بداية القرن العشــرين أو ما نرى حاليا في احلرب بني أرمينيا وأذربيجان (مســلم ضد مسيحي مع غطاء قومي). كذلك ثانيًا التغيرات التي تدخلها احلرب على رؤيتنا للتاريخ، وإمكانية تصحيــح أو تغيير مجراه كما رأينا مثال مع انتهاء نظام الفصل العنصري فــي جنوب افريقيا، أو قبل ذلك حرب االســتقال­ل اجلزائرية. أو أخيرا مــا تلهمه احلرب للبحث عن فلســفة جديدة للســالم، بعد أن يتعــب املقاتلون، كما حصل مع إقامة الســالم داخل الدول األوروبيــ­ة بعد قرون من حروب مدمــرة. وذلك من خالل احتاد األطراف املتقاتلة بعد انتهاء احلرب، مظهرا بشــكل واضح عبثية تلك األخيرة، واضعة الســلم كهدف وحتد جديد أمام اجلميع، أكبر وأهم كثيرا من احلرب، فالسالم ال ميكن أن يكون مقبوال من طرف املتقاتلني إن كان يعني التراجع واجلنب واملذلة.

جعل أرسطو عندما قال: « نحن نقوم باحلرب حتى نعيش في سالم»، الســالم كالهدف الوحيد للحرب، لكن ذلك يســتثني حــروب اإلبادة، فسالم املقابر ليس سالما. ميكننا إذا أن جنعل الهدف النهائي ألي حرب، العيش في سالم وعدالة.

هذا املنطق الذي يربط احلرب بالســلم، هو من أسس ملفهوم احلرب العادلة، وكان رجل الدولة الروماني شيشــرون 43-106( قبل امليالد) أول من قنن احلرب واضعا سبع نقاط، ما زالت ليومنا هذا ملهمة لقوانني احلرب املتعارف عليها، وهي: احلرب لها سبب عادل؛ الدفاع عن النفس أو عن اآلخر لها هدف وحيد شرعي وهو السالم ال حتدث إال بعد فشل كل الوسائل األخرى تقررها سلطة شرعية تعلن على املأ وبشكل رسمي متارس باعتدال وبشكل متناسب تقــارن بعناية فوائد قيام احلــرب أو عدمه، لتســمح بتقدير الدمار واملعاناة الناجتة عنها، وأن ذلك ال يتجاوز األذى الذي يراد محاربته.

لــو طبقنا هذه القواعد القدمية على حرب بوتــني في أوكرانيا، فإننا ســنجد أنها ال تتطابق وال حتى مع نقطة واحدة. من املفارقة مالحظة أن كل احلروب جتــد لتبريرها تعليالت أخالقيــة لتحميلها معايير احلرب العادلة، رأينا ذلك مع أكاذيب األمريكيني في حربهم على العراق، وكذبة أســلحة الدمار الشامل، أي كونها حربا عقابية مشروعة. كما نرى اليوم تعليل بوتني حلربه كونها تهدف إعادة بناء العالقات الدولية على أسس جديدة أكثر عدال، وكأنها حرب تأسيسية، بينما ال تهدف في حقيقتها إال تثبيت حكمه الديكتاتور­ي، وانهاء أي خطر من عدوى دميقراطية قادما من كييف.

أين تقع حروبنــا العربية الداخلية من مفهوم احلــرب، كما نرى في سوريا او اليمن وليبيا، هي ليست حروب تؤسس لشيء جديد، فالربيع العربي اختار طريق الســلمية في نضاله وليس احلرب، وهي ليســت بهدف اســترداد حق مفقود، وهذه األخيرة كثيرة وال يحارب من أجلها أحد كمــا نرى مثال في فلســطني. هي فقط كعادة العــرب حروب أهلية داخلية عبثيــة، مرتبطة بوضع تاريخي مهلهل منــذ قرون، وهو غياب الدولة والتي هي الوحيدة التي حتمي الســلم االجتماعي، وهذا الوضع لن يغيره حرب وال سلم.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom