Al-Quds Al-Arabi

قمة املناخ وكأس العالم... العرب يستطيعون!

- عمرو حمزاوي٭ ٭ كاتب من مصر

■ في جنــاح مصر فــي تنظيم قمة املناخ الســابعة والعشرين )COP27( وفي البدايات الناجحة لتنظيم قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022 أكثر من ســبب لكي نشــعر نحن العرب بشــيء من الثقة فــي قدرتنا على اللحــاق بركب اجملتمعات احلديثة وشــيء من التفاؤل بقرب التغلب على األزمات الكثيرة احمليطة بنا.

ليس في هــذه الكلمات دعــوة لتجاهــل واقع بالد العرب إن بأزماته االقتصادية واالجتماعي­ة والسياسية أو بصراعاتــه األهلية التي تعاني منها ســوريا واليمن وليبيــا وجميعها بالد عزيزة على قلــوب كل العرب أو مبا نشهده من ظلم مستمر ومتراكم يتعرض له الشعب الفلســطين­ي من قبل دولة الفصل العنصري واالحتالل واالستيطان اإلســرائي­لية. غير أن بهذه الكلمات دعوة، أوال، إلى عدم جتاهل النصف اآلخر من احلقيقة، حقيقة أن بالدنــا صــارت حتوز علــى أوجه تقدم مؤسســي وتنظيمــي وتنمية بشــرية يعتد بها وال تقــل أبدا عن نظائرها في بالد الشمال الغني ومجتمعات آسيا الفتية.

في مدينة شرم الشــيخ حيث نظمت خالل األسابيع األولى من شــهر نوفمبــر اجلاري قمة املناخ الســابعة والعشــرين، شــاهدت كيف تكاتفت مصريا املؤسسات احلكومية والهيئات واملصالح اخلاصة إلدارة مفاوضات وفود ما يقرب من مائتي دولة وأنشــطة مئات املنظمات غير احلكومية واجلامعات واملراكز البحثية ونقاشــات العلماء وخبراء البيئة وممثلي بنوك التنمية واملصارف العامليــة في أجــواء آمنــة ومنفتحــة علميــا وفكريا وثقافيا. شــاهدت أيضا كيف استطاع مئات املتطوعات واملتطوعني من شــباب مصر بامتالكهم ألدوات العصر احلديــث املعرفية واللغويــة والتكنولوج­ية تســهيل

مشــاركة اآلالف من احلضور األجانب والتواصل معهم على نحو مبهر ومبهج في آن واحد.

ال يختلف هذا اجليل العشــريني (نسبة إلى متوسط أعمارهــم الذي يــدور حــول منتصف العشــريني­ات) عن أقرانه في أمريكا الشــمالية وأوروبا وبلدان آســيا املتقدمة، ويجمعهم كلهم اإلملــام بثقافة علمية وعصرية تبحث عن فــرص جيدة للعمل والترقي االجتماعي وعن آفاق للحرية والتواصل والتنقل بني أركان العالم دراسة وبحثــا وعمال، وتريد إنقــاذ كوكبنا اجلميــل من عبث أجيالنا األكبــر. أجيالنا األكبر التي لــم تكف أيديها عن الكرة األرضية تلويثا وتدميرا تارة باسم ثورات صناعية راكمت الثروات للشــمال الغني وظلمت اجلنوب العاملي وتركتــه يقاوم الكــوارث البيئية فيضانــات وأعاصير وجفاف وتآكل لليابســة مبفرده، وتارة باســم قوميات وأيديولوجي­ــات وقــراءات دينية متطرفــة اضطهدت اخملتلفني معها وميزت ضدهم ولم تتورع عن اســتخدام العنف والسالح لفرض «احللول النهائية» دون اعتبار ال ألرواح البشر وال للممتلكات العامة واخلاصة. ال يختلف العشرينيون في مصر وبقية بالد العرب عن أقرانهم في الشمال الغني وآســيا املتقدمة، فرفض التلوث والتدمير والعنــف والظلم يجمعهم كما جتمعهــم الرغبة في عالم نظيف وعادل ال يهمش وال يضطهد.

في الدوحة حيث افتتح يوم األحد املاضي 20( نوفمبر )2022 كأس العالم لكرة القــدم وتابع مئات املاليني في مختلف أرجاء املعمــورة اجلميلة حفــال مبهرا للحدث الرياضي األكثــر جماهيرية عامليا والــذي ينظم للمرة األولى على أرض عربية، شــاهدت كيف قدم القطريون صــورة رائعة عــن عرب القــرن احلادي والعشــرين املمتلكــن­ي ألدوات احلداثــة والباحثــن­ي عــن االنفتاح على اآلخــر واإلفــادة منــه واحملبني للتســامح الذي يرونه مكونا أصيال من مكونــات ثقافتهم دينا وتقاليدا وتاريخا. شــاهدت أيضا كيف استطاع شاب قطري من ذوي االحتياجات اخلاصة، وهو الشــاب غامن املفتاح، أن يصبح بدعوته إلى التســامح ورفض الكراهية ونبذ التعصب أكثر ما في حفــل االفتتاح تقدما ورقيا وإبهارا وأن يحوز إعجابا عامليا كممثل لشباب العرب.

ليس فــي كلماتي اليــوم دعوة لتجاهــل واقع بالد العرب مبا تعانيــه فئات ومجموعات ســكانية عديدة بني ظهرانينا إن من قســوة ظروف احلياة وصعوباتها املعيشــية واالقتصادي­ة واالجتماعي­ــة أو من محدودية جودة خدمات التعليــم والرعاية الصحية التي حتصل عليهــا أو من كارثة االرحتــال واللجــوء والعوز التي فرضها غياب الســلم األهلي على أهل ســوريا واليمن وليبيا أو من العنف املمنهج الذي يقاومه الفلسطينيو­ن يوميا داخل إســرائيل وفي األرض احملتلة. غير أن بهذه الكلمات دعوة، ثانيا، إلى التفــاؤل بإمكانية أن تدفعنا جناحات مؤسسية وتنظيمية وبشرية كبرى إلى امتالك الثقة في قدرتنا على تغييــر الواقع إلى األفضل معولني على األجيال العربية الشابة علما وفكرا وثقافة وتقدما تكنولوجيا.

ولكوني أشــير اليوم إلى حدثني عامليني حتتضنهما أرض العرب أحدهما يرتبط بكرة القدم، ال ميكنني سوى استدعاء سابقة تاريخية النتصار غير متوقع حققه في مضمار الكرة فريق وطني لدولة كانت تراوح آنذاك بني الدمار والــركام والتمزق. أما الســابقة التاريخية فهي لكأس العالم لكرة القدم الذي نظمته سويسرا في ،1954

وأما الفريق الوطني الذي حقق االنتصار غيــر املتوقــع وفاز بكأس العالــم للمــرة األولى في تاريخه فكان الفريق األملانــي بقيادة الالعب املبدع فريتز والتر وتدريب األســطورة ســب هيربرغر، وأما الدولة فكانت أملانيــا الغربية التي خرجت في 1949 من عباءة دمار النازية واحتالل وتقســيم أملانيا في نهاية احلرب العامليــة الثانيــة وأزمات فقر وجــوع وغياب للرعايــة الصحية واالجتماعي­ــة والتعليمية كانت تهز أركان شعب حمل عامليا جرائم النظام النازي. في أملانيا املدمرة واملنهارة، وقبل الصفتني هاتني املهزومة واملدانة عامليا، كان االنتصار غير املتوقع لفريق كرة القدم (فيما صار يشــار إليه أملانيا مبعجزة بــرن) هو نقطة البداية احلقيقية لثقة الشــعب األملاني فــي قدرته على التغلب على أزماتــه االقتصاديـ­ـة واالجتماعي­ة والسياســي­ة وإعادة بناء بــالده ودفعها مجددا إلــى مصاف الدول الكبرى دون تورط في جرائــم أو حروب أو عنف. كان االنتصار غيــر املتوقع لرفاق فريتز والتر الشــباب هو نقطة التحــول احلقيقية فــي ســيكولوجي­ا األملان من أمة مهزومة ومدانة إلى شــعب قادر علــى تغيير واقعه وحتقيق النجاح.

دعونا جنعل من النجاح في تنظيم قمة املناخ السابعة والعشرين في مصر ومن التنظيم الناجح لكأس العالم لكرة القدم في قطر نقطة بداية لثقتنا كعرب في قدراتنا، ونقطة حتول في ســيكولوجي­تنا اجلماعية من شعوب مأزومة إلى شعوب تستطيع االنتصار.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom