Al-Quds Al-Arabi

وجبة ماكدونالد للمرأة العراقية

- هيفاء زنكنة٭

■ منــذ احتــالل العــراق، عــام ،2003 والذي مت تســويقه حتريرا، ومنظمــة األمم املتحدة ناشــطة، مبثابرة تثير اإلعجاب، في عقد املؤمترات وورشــات التدريب وتوقيع اتفاقيات الشــراكة حول وضع املرأة مع النظام.

آخر االتفاقات، وقعه برنامج األمم املتحدة اإلمنائي وهيئة األمم املتحدة للمســاواة بني اجلنسني ومتكني املرأة في 31 أكتوبر / تشرين األول، بقيمة مليون دوالر لدعم املشاركة السياسية للمرأة ومتثيلها في العراق. يهدف املشروع املشــترك، حســب بيان املنظمة على «معاجلة القيود املفروضة على صوت املرأة السياسي، وتعزيز صنــع القرار والقيــادة للمرأة فــي األماكن املنتخبة، وزيادة القيادة في الفضاءات املدنية».

وكان قد ســبق ذلك بأيــام توقيــع برنامج األمم املتحــدة اإلمنائــي وصندوق األمم املتحدة للســكان اتفاقية لدعــم حكومة العراق في تقييــم حالة تنمية الشــباب في العــراق «من أجــل تعزيز السياســات والبرامج وامليزانيا­ت التي تركز على الشباب».

هذه ليســت املرة األولى التي تقــوم فيها منظمات األمم املتحدة بتوقيع اتفاقيات مع جهات ومؤسســات حكوميــة عراقية حتــاول من خاللهــا معاجلة محنة النساء خاصة والشــباب، عموما، وتنفيذ التوصيات أو بعــض التوصيــات املطروحة في مئــات التقارير األمميــة واحمللية املوثقة باإلحصائيا­ت والشــهادا­ت لتحســني األوضاع. ضمن قائمة املؤمتــرا­ت، عقد في حزيران/ يونيــو من العام احلالي، ما متت تســميته بلغة دبلوماســي­ة مهذبة «تسليط الضوء على الوضع املقلق للزواج املبكر» بدال من جرمية زواج القاصرات، إذا ما أردنا تطبيق القانون الذي يحدد سن الزواج 18 عاما.

تثيــر مواظبــة األمم املتحدة على عقــد املؤمترات وتوقيــع االتفاقيات مــع النظام، ومعظمهــا مبباركة أمريكيــة (الواليــات املتحــدة هي املمول الرئيســي للمنظمة)، تســاؤال حول جدواها مــع جتنب إطالق حكم بســوء النية الدائمة أو منهجيــة إحلاق الضرر أو التبعية املطلقة لسياســة الــدول العظمى. ومنبع التســاؤل مبعثه التردي املتزايد لوضــع املرأة. وقلما يوجد ما يثير األمل بالتحســن ولــو لبضع خطوات خارج نفق املآسي االقتصادية والسياسية واجملتمعية املظلم واملتبدية في تفاصيل العنف األسري باإلضافة إلى العنف الذي تتعرض له في الفضاء العام. فتزويج القاصــرات، مثــال، ارتفع مــن 21.7 إلــى 25.5 خالل السنوات العشر املاضية.

وال يقتصر وضع املرأة املــزري على ارتفاع حاالت تزويج القاصرات بل تشــير كل التقاريــر إلى إزدياد نسبة زواج املتعة (الدعارة الدينية) والعنف األسري ونســبة دعــاوى الطالق، بــل وصل االنحــدار إلى القاع مع جتارة اجلنس، وما تتعرض له النســاء من استغالل ومعاملة ال إنسانية. فما هو سبب هذا التردي والتدهور العام على الرغم من كثرة املؤمترات وتوقيع االتفاقيات ووجود منظمات املرأة؟

هناك عــدة أســباب. أولها، عدم تطبيــق القانون واالتفاقيـ­ـات. فمعظم حاالت تزويــج القاصرات تتم خارج احملاكم وبعقــد زواج في مكاتــب رجال الدين املنتشــرة كالبثور على وجه مراهــق، ويغض النظام النظــر عن وجودهــا، كما انتشــار الدعــارة، إذ من املعروف أن أطراف ًا سياسي ًة وجهات حكومية وحزبي ًة، تســيطر على املكاتب والبيــوت أو تتجاهل وجودها

ألنهــا توفر لهــا مصدر ربح بشــكل أتــاوات يجنبها التجرمي. فهل من مصلحة نظام كهذا تنفيذ االتفاقيات املوقعة لصالح املرأة بعد أن باتت سلعة تحقق الربح؟

يتعلــق الســبب الثانــي بالوضــع االقتصادي وضحيتــه األولى هي املرأة. إذ يحتــل العراق املرتبة 123 من أصل 188 دولة على مؤشــر التنمية البشرية لــأمم املتحدة. وتدل آخر اإلحصــاءا­ت الصادرة عن البنك الدولي إلى أن مســتوى البطالــة بلغ 13.7 في املئة، وهــو املعدل األعلى منذ عــام ،1991 على الرغم من ثروة البالد النفطية الضخمــة التي لو لم يلتهمها الفســاد وســوء اإلدارة ألحدثــت نقلــة نوعية في مستوى املعيشــة وتوفير اخلدمات األساسية، خاصة في مجاالت التعليم والصحة والغذاء، وهي أســاس حتقيق املســاواة املواطنيــ­ة / وبني اجلنســني التي يحتل العراق أحد أدنى تصنيفاتها في منطقة الشــرق األوسط وشمال إفريقيا.

حتت هــذه الظروف، مــن الطبيعــي، أن يتدهور مستوى وعي النســاء بحقوقهن. ومن أبسط األمثلة، أن نســبة 59 باملئة من النساء الالتي بني سن 15 و94 يعتقــدن أن ضرب الرجــل لزوجته هو أمــر مقبول، وترتفع هذه النســبة في املناطــق الريفية إذ تبلغ 70 باملئة وتبلغ بني من لم يلتحقن بالتعليم الرســمي 71 باملئة. وحتتمل النساء في الفئة العمرية من 15 إلى 24 التعرض للعنف حالهن حال النساء األكبر منهن سنا. ورغــم أن الزواج باإلكراه محظور، حســب القانون، إال أن ثلث الشــابات يعتقدن أنه على الفتاة أن تقترن بالشخص الذي يختاره الوصي عليها.

ما هو احلــل واملرأة تعيش العنف على مســتويني. األول خاص بسبب جنسها والثاني عام في ظل التدهور االقتصــاد­ي واحملاصصــ­ة السياســية الطائفية ووجود 63 ميليشــيا ترتكب ما ترتكب بحــق املواطنــن­ي، نســاء ورجاال، بال مســاءلة، فضال عن اســتحضار ممارسة عادات وتقاليــد كان اجملتمع قد تخلــص منها؟ تقول املمثلة املقيمة لبرنامج األمم املتحدة اإلمنائي الســيدة زينة علي أحمد «نحن بحاجــة إلى املزيد من القيادات النسائية في العراق». في ذات الوقت الذي تشغل فيه النســاء 96 مقعدا في مجلس النواب، أي حوالي ثلث أعضائه وفوق احلد األدنــى للكوتا البالغة 25 باملائة. وهي نســبة مشاركة سياســية أعلى من عديد البلدان التي تعيش فيها املرأة بأمان. ممــا يعيدنا إلى بديهية أن كثرة العدد ال تعني النوعية وأن فشل نساء البرملان مــرده والؤهن املطلق ألحزابهن وليــس لقضايا املرأة بــل ووقوفهن ضد قضايا املرأة واألســرة إذا ما اختار احلزب موقفا مناوئا. تدل األمثلة املذكورة، أن القوانني التي حتمي معظم حقوق املــرأة موجودة إال أنها تبقى حبرا على ورق يوقــع عليها النظــام لتبييض وجهه دوليا.

أمــا اخللل اآلخر الــذي قلما يتم التطــرق اليه هو طبيعة عمل منظمات األمم املتحدة، في رؤيتها ملعاجلة قضايا املرأة وفق ذات البرامج املستنسخة متاما لفرط تشــابهها، في كل البلدان، في أرجاء العالم. متحاشية بذلك مس اجلذور احلقيقية للمشــاكل بحكم عملها مع األنظمة، وغالبا، مبواصفات وجبــة ماكدونالد، على حســاب التطور العضــوي النابع مــن داخل اجملتمع نفسه. ٭ كاتبة من العراق

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom