«املقابر الوهمية»... مخطط للسيطرة على القدس عبر بوابة تزييف تاريخ األموات فيها

يزرعونها في أحياء املدينة وحولها

القدس احملتلة «القدس العربي» ـ من سعيد أبو معال:

تضحك احلاجة وفاء العباسي من بلدة سلوان جنوب املسجد االقصى في القدس احملتلــة وتقول «ســبحان اللــه األموات يزرعون زراعة».

وتتابــع: «ال أدرى مــاذا أقــول، عادة ميوت الشــخص فيحفر له قبــر، ومن ثم يدفــن فيه، لكــن لدينا في بلدة ســلوان األمر مختلف جدا.. حيث جتلب احلجارة والتراب لتزرع فكرة أن البلدة مليئة بقبور املوتى اليهود».

وتؤكــد احلاجة العباســي أنها وطول ســنوات عمرهــا الطويلة كانــت متر من املكان في رحلة الذهــاب واإلياب من أجل قطف الزيتون من أراضــي وادي الربابة املهددة أيضا من دون أن ترى أي أثر لقبور في املكان، كمــا أن أوالدهــا لعبوا طويال على األرض ذاتها مــن دون أن يكون فيها شــيء.. لكنها بني ليلة وضحاها أصبحت مقبرة ضخمة.

وخالل أقل من شهرين حتولت املنطقة التــي كانت ممرا وأرضــا مفتوحة ومكانا للعب األطفــال إلــى مقبرة تبــدو عليها عالمــات احلداثــة بفعل التــراب األحمر اجلديــد واحلجــارة البيضــاء الضخمة القدمية نسبيا.

قبور وهمية

وكانت جمعية «العــاد» الصهيونية قد قامت بزرع قبور وهمية عبــر فرد كميات ضخمة من التراب األحمر ووضعت عليها حجارة قدمية ضخمة كالتــي كانت تبنى منهــا منازل الفلســطينيني قدميــا والتي كانت تسمى «عقودا».

وعلــى أكثــر مــن مســاحة متدرجة ومنحــدرة (قطايــن بلغــة الفالحــني املقدسيني) انتشرت مئات القبور اجلديدة ضمن إيقاع خاص.

وقبل أكثر من شــهر حدث األمر نفسه الذي حدث نهاية األســبوع املاضي، حيث قام بعض املســتوطنني بزراعة أشــجار متنوعة صغيــرة احلجم بجانب احلجارة القدمية.

وكانت شــاحنات ضخمة لديها روافع للتنزيل قامت قبل نحو شهر بجلب كميات كبيرة من احلجــارة البيضاء، فيما قامت

شــاحنات أخرى بجلب التــراب األحمر، وعلى مــدى أيام قامــت جرافات صغيرة احلجم بعملية تغيير معالم املكان من فرد التراب ووضع األحجار.

ومن بعيــد يبدو املــكان وكأنه مقبرة جديدة، وهو تغير يحدث ضمن مجموعة كبيرة من التغيرات التي يتسارع إيقاعها لتتناغم مع محــاوالت تهويد معالم املكان في املدينة احملتلة.

في مقابل املقبرة املزيفة أو الوهمية كما يصفها مقدســيون وخبراء وهي التي تقع قبالة املســجد األقصى املبــارك وحتديدا املســجد القبلي، في إشــارة رمزية تريد جمعية «العاد» االستيطانية تأكيدها.

وقبل ســنوات، وفي أماكن متفرقة من بلدة سلوان التي تعتبر مبثابة اخلاصرة اجلنوبية للمســجد األقصى يبدو املشهد مختلــف قليال، حيــث قام مســتوطنون بــزرع قبور كبيرة احلجم فــي أراض غير مزروعة في «وادي الربابة» و«الطنطور» في محيط البلدة.

وتبــدو القبور التــي زرعــت قبل 10 سنوات على األقل قبورا قدمية حيث تبدو عليها آثار وعالمــات الزمن، فيما حتيطها حشائش عشوائية يابسة.

وحسب سكان بلدة سلوان فإن عمليه زرع القبــور الوهمية املزيفــة تترافق مع عمليات تهدف إلى فتح الطريق الرئيســي أمام املستوطنني وحرمان والتضييق على ســكان البلدة، وهو ما يعني دفعهم نحو التهجير وترك املكان.

فعل تهجيري استيالئي

عبــد الكــرمي أبو ســنينة، مــن جلنة الدفــاع عن أراضــي وادي الربابة قال إن ما تتعرض له البلدة بدأ قبل أكثر من عشر ســنوات، حيث عملت جهات استيطانية وإسرائيلية على تأسيس شــبكة املقابر، وحتديد ســلطة حماية الطبيعية وجمعية «العاد» االستيطانية.

وقال في تصريحات صحافية لبرنامج «عــني على القــدس»: «لقد كانــوا يأتون بشاحنات كبيرة وبشــواهد القبور حيث يقومون بزراعتها باحلديد والباطون في عملية ممنهجة لتزوير هوية املكان بشكل كامل».

ويدعــي االحتالل ان أصل األراضي في بلدة ســلون مقابر يهودية، وهي أراض ال يعلم أبو ســنينة على وجهة الدقة من هو صاحب امللكية فيها، لكن املؤكد بالنسبة له

أن عملية توسيع املقابر بشكل كبير جدا ما زال مســتمرا، وزراعة القبور الوهمية أمر موثق بالصوت والصورة.

وتبلغ مساحة األراضي املهددة بالقبور املزيفة في ســلوان حوالى 30 ـ 35 دومنا وتضم االف القبور.

ويضرب أبو ســنينة مثاال بأن والدته املتوفاة (لو كانت حيــة اآلن لكان عمرها أكثر من مئة عــام) لم تر منذ صغرها حتى وفاتهــا أي عمليــة دفن في تلــك املدافن املزيفة، ليكون السؤال: من أين جاءت كل هذه القبور؟

ويعيش في املنطقة املســتهدفة أكثر من 300 مواطن مقدسي، فيما يدعي االحتالل أن األبنية الفلســطينية التي شكلت احلي على مدى خمســني عاما تقــع على مقابر يهودية، وهو التصنيف املعتمد لدى بلدية االحتالل في القدس.

وعن طرق مواجهــة الهجمة التهويدية تساءل أبو ســنينة: «ماذا عسانا أن نفعل وأيدينا مكبلة متاما، فيما يراقب االحتالل املقدســيني حلظيا، وأوالدنا بالســجون، ماذا عسانا نفعل واحلراسة مستمرة ليال ونهارا باملنطقة ؟».

وأكــد أبــو ســنينة أن اجلمعيــات االســتيطانية متــارس فعــال تهجيريــا واســتيالئيا بهــدف بنــاء مســتوطنة إســرائيلية، «ما يدعم هــذا االعتقاد هو طبيعة البنيــة التحتية التي قام االحتالل بوضعها فــي املنطقة وهو ما يؤكد أن بناء املستوطنة أمر قادم ال محالة».

وشــدد أن العملية التهويدية املستمرة تأتــي من أجــل إنهــاء قلب حــي وادي الربابة والســيطرة عليه، وهو أمر صدر في مخططات رســمية عن بلدية االحتالل بالقدس منذ أيلول/سبتمبر من عام ،2002 وحتديدا مع استهداف حي وادي البستان قبل أكثر من 20 عاما.

فعاليات احتجاجية

وكان عشرات املواطنني من أهالي حي وادي الربابة في بلدة ســلوان قد نظموا فعاليات احتجاجية، رفضا لسياســة زرع القبور الوهمية، ونصب كاميرات املراقبة تنتهــك خصوصيــة األهالي فــي املنطقة وتراقب كل ممارسات السكان.

وتضمنــت الفعاليات، التــي دعت لها جلنــة أهالي حــي وادي الربابــة، إقامة صالة اجلمعة علــى أراضي احلي، إضافة العتصــام قرب مســجد احلي «مســجد اإلمــام الغزالي»، حيث ألقــى خالله عدد من املتحدثني كلمــات أكدت رفض األهالي للمخططــات االحتاللية التــي تهدف إلى االســتيالء على أراضيهم ومنازلهم وذلك بزرع قبور بال أموات خللق تاريخ يهودي مزيف في املنطقة.

وتسعى سلطات االحتالل اإلسرائيلي للسيطرة على األراضي اخلالية في محيط املســجد األقصــى بزراعة قبــور وهمية، وتســتهدف منطقة وادي الربابة ووادي حلوة و«الصلودحا» في ســلوان، ورأس العامود أيضا. وأظهرت معطيات مقدسية أن احلدائــق التوراتيــة واملقابر الوهمية التي أقامهــا االحتالل فــي القدس، باتت تســيطر على أكثــر مــن 5 آالف دومن من أراضي املدينة احملتلة.

وبدأت سلطات االحتالل بزراعة القبور الوهمية عام ،1978 في منطقة «الصلودحا» واحلارة الوســطى في ســلوان، ومن ثم امتدت لتشمل حي وادي الربابة على بعد أمتار من منازل املواطنني، ومناطق أخرى،

فلسطينية تصلي فوق أرض مهددة باملصادرة

وصوال إلى حي وادي حلوة، بدعوى أنها كانت «مقابر لليهــود»، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم زرع االحتالل 12 ألفا 800و قبر وهمي في محيط املســجد األقصى، 23٪ منها في ســلوان جنوب املسجد األقصى، من بينها 935 فــي حي وادي الربابة، منها ما يزيد عــن 50 قبرا وضعــت حديثا في أراضي احلي.

ويشــرف على تخطيــط زراعة القبور والتنفيــذ كل مــن بلديــة االحتــالل، ومــا تســمى بوزارتي «شــؤون القدس واألديــان»، وســلطة اآلثــار، وجمعية «إلعاد» االستيطانية، وجمعيات وشركات الدفن اليهودية.

عضو جلنة الدفاع عن أراضي سلوان، فخــري أبــو دياب، يــرى أن سياســات االحتالل ومــن مدخل املقابر تســعى إلى تهويــد احلاضنــة اجلنوبيــة للمســجد األقصى باملقابر الوهمية ونهب األراضي.

يذكــر أن قــوات االحتــالل كانــت قد صــادرت مئــات الدومنات مــن أراضي

القــدس، إلقامــة 7 حدائــق توراتية، من بلدتي ســلوان وجبل املكبــر جنوبا، إلى العيساوية وجبل املشارف شماال، ورأس العامود وبلدة الطور شرقًا، وصوًال لبرك سليمان غربا.

وتركزت احلدائــق في احمليط املالصق للمسجد األقصى وسور القدس التاريخي، وحول البلــدة القدمية واملناطــق املطلة عليها مــن اجلهات اجلنوبية والشــرقية والشمالية.

وأوضــح أبو ديــاب أن االحتالل يريد التقدم فــي مشــاريعه التهويدية، صوب البلــدة القدميــة واملســجد األقصى عبر اســتهداف أراضــي وادي الربابــة ملنع السكان الفلسطينيني من التمدد والبناء.

وإلى جانــب املقابــر الوهمية ميارس االحتالل اســتهداف بلدة ســلوان بشكل يومــي العتبارات من ضمنها أنها تشــكل اخلاصــرة اجلنوبية ألســوار املســجد األقصــى، وهو مــا يجعلها تشــكل جبهة النضــال الوحيدة بالقــدس احملتلة التي

لم تنل منها سلطات االحتالل اإلسرائيلي باعتبارها املنطقة العازلة ذات الســيادة والسيطرة الفلسطينية.

ويصعد االحتالل عبر استهداف البشر بســلوان من خالل إصــدار أوامر إخالء للمنازل والتلويح بهدم عشــرات املنازل بذريعة عدم التراخيص، إلى جانب أوامر املصادرة.

وكانت قوات االحتالل قد اقتحمت منزل محافــظ القدس، عضو اجمللــس الثوري حلركــة «فتح»، عدنان غيــث، في احلارة الوســطى من بلدة سلوان جنوب املسجد األقصــى، وقامــت بتفتيشــه وتخريب محتوياته.

يذكر أن غيــث كان قد اعتقــل 35 مرة منــذ تســلمه ملهامــه محافظــا للقــدس فــي آب/أغســطس ،2018 كمــا يتعرض للمالحقــة واالعتقال ومنع من املشــاركة فــي االجتماعــات أو لقــاء شــخصيات فلســطينية، إلى جانب منعه من السفر أو مغادرة القدس احملتلة.

اعتقال 24 فلسطينيا في مدن متفرقة في الضفة