Al-Quds Al-Arabi

باحث: إسرائيل 2022يف ليست الدولة ذاتها قبل خمس دورات انتخابية

محذرا من تعميق التصدعات الداخلية

-

يرى باحث إســرائيلي بارز أن إســرائيل اليوم مختلفة عما كانت عليه قبل اجلــوالت االنتخابية البرملانية املتتالية بــدءا من .2019 ويقول إن هناك أوجه شــبه كثيرة ما بــني االنتخابــ­ات األخيرة وانقالب ســنة7791 حينما انتصر «الليكود» للمرة األولى علــى «العمل» منــذ انتخابات الكنيســت األولى عام .1949

ويوضح الدكتور ميخائيل ميليشتاين، الباحث اخملتص بالشــؤون الفلســطين­ية في مقال نشرته «معاريــف» أنه فــي احلالتــني 1977( و )2022 مت انتخاب قيادة ميينية واضحة من معســكر اليمني، تريد أن تضع إســرائيل على مســار اســتراتيج­ي جديد مختلــف جوهريا عن النظــام القدمي: حكم «مباي» الطويل و«حكومة التغيير» القصيرة العمر برئاسة نفتالي بينيت ويائير البيد. كما يوضح أنه في احلالتني، كانت مشــاعر اإلحباط تسيطر على فئات واسعة في اجملتمع اإلسرائيلي اتسع تأثيرها بعد االنتخابات: الشــرقيون في انتخابات ،1977 والصهيونية الدينية اليوم.

انقالب 1977

ويعتبر أن االنقالب في سنة 1977 اّتسم بصعود قيادة حتمــل رؤية سياســية ورأيــًا مختلفًا عن القيادة التي ســيطرت قبل ذلك، لكن من الناحيتني الثقافيــة واالجتماعي­ة، دار احلديث عن ممثلني من طبقة «النخب»(العمل والليكود) تتشارك في عدة أمور، وبصورة خاصة في مجــال تعريف املصالح االستراتيج­ية األساسية إلسرائيل والعالقات بني فئات اجملتمــع، وما بينها وبني مؤسســات احلكم اخملتلفة. أما في االنتخابــ­ات األخيرة، فقد تعززت قــوة فئة ثورية متثلــت في الصهيونيــ­ة الدينية، املعنيــة بتغييرات أساســية، داخليــًا وخارجيًا: الصورة اجلغرافية إلســرائيل (تطبيق الســيادة على الضفة الغربية والتشدد باخلط املعتمد حيال الســلطة الفلســطين­ية)؛ مكانة الديــن في حياة الســكان، والعالقة بني الســلطات، مــع التركيز على تقليل تأثير املنظومــة القضائية. الفتا الى أن هذا كلــه، من دون وضوح في السياســات املتبعة جتاه»املواطنــن­ي» العرب في إســرائيل، وأســئلة عديدة عن العالقات اخلارجية اإلسرائيلي­ة.

عدم احلفاظ على الوضع الراهن

ويتابع ضمــن مقارباته بــني الفترتــني: «إذا، يدور احلديث عــن ائتالف حكومي وشــيك، على األقــل ربعه يريد تغييــر ًا دراماتيكيـ­ـ ًا للواقع، وال يريد احلفاظ علــى الوضع القائــم. فقبل تنصيب احلكومة اجلديدة حتــى، هناك الكثير من اخملاوف مــن الداخل واخلارج، بعضها حزبــي لكن بعضها أصلي وحقيقــي ويرتبط بأســئلة الهوية والقيم والرؤية. لذلك، هناك حاجة إلى بعض احلساسية من طــرف احلكومة املقبلة، وذلــك ألنها من املمكن أن تؤدي إلــى منو بؤر توتر واحتكاك مســتقبلية داخل اجملتمع اليهودي، وكذلك توتر بني الســلطة احلاكمــة واملؤسســا­ت الرســمية اخملتلفة، وبني الدولة واملواطنني العرب، وبينها وبني جاراتها في الساحة اإلقليمية والدولية».

أحزاب الرجل الواحد

ويتوقف ميليشــتاي­ن عند تغير مهم آخر بقوله إنه فيما يتعلق باملنظومة السياســية نفسها، تظهر تغييــرات ُأخرى: تقريبًا نصف أعضاء الكنيســت املنتخبني اآلن محســوبون على أحــزاب ال تجري انتخابات داخلية، وهو ما يعني مشاركة محدودة نســبيا في احليــاة السياســية داخل األجســام املنتخبة نفســها، ولذلــك، من املفضل أن تســمى «قوائــم» أكثر مما هــي «أحزاب». منوهــا إلى أن احلديث يدور عن ظاهرة ليســت جديدة (بصورة خاصة في األحزاب احلريديــة، وليس فيها فقط)، لكن حجــم هــذه الظاهــرة ازداد، وخصوصا في معسكر «الوسط»، حزب يوجد مستقبل، واملعسكر الرســمي، وإســرائيل بيتنا احملكومة كل منها من قبل شخص واحد باألســاس. ويقول إنه إذا كانت فروع األحزاب سابقا تشكل بؤر حياة سياسية في حياة اجلمهور- في األيام التي كانت فيها لألحزاب السياسية برامج وأفكار عميقة وواضحة ووظيفة مركزية في صــوغ الهوية الشــخصية واجلماعية

فلسطيني يرفع شارة النصر في الضفة خالل مواجهات مع مستوطنني في حماية قوات االحتالل

للمواطنني- فاليوم، يدور احلديث عن قوائم متثل، في أغلب األحيــان، طريقة حيــاة قيمية وصورة ثقافية عامة أكثر مما هي رؤية.

ويقــول أيضــا إن القوائم نفســها تعيش أكثر من مرة داخــل الفضاء االفتراضي، فــي اللقاءات اجلماهيرية، أو داخــل اجللســات املنزلية (التي تــزداد وتيرتها قبل االنتخابــ­ات) أكثر مما تعيش داخل مبــا ٍن ثابتة في احليز العام، وتتحول أحيان ًا إلى رموز. ويــرى أن «الليكود» إلى جانب «اجلبهة الدميقراطي­ة للسالم واملساواة» و«القائمة العربية املوحدة» وحزب «العمل» هــي األحزاب الوحيدة تقريبا التي ال تــزال حتافظ علــى التقليد القدمي، التي تدمج ما بني دعوة اجلمهور إلى املشــاركة في اللعبة السياسية وبني وجود فروع للحزب كمواقع نشــطة في احليز العام عالوة على اعتماد احلسم الدميقراطي داخل مؤسساتها.

العالقات العربية اليهودية الداخلية

ويوضح ميليشــتاي­ن أن هناك اجتاهات عميقة أخرى تعكسها هذه االنتخابات البرملانية األخيرة تتطــرق إلــى «القصــة اليهوديــة- العربية» في إســرائيل. منبها إلــى أن انتخابات ســنة 2022 أشارت، ليس فقط إلى فشــل «جتربة» دمج حزب عربي في احلكم في إســرائيل (من املمكن أن يكون موقتًا) إمنا أيضــًا إلى عمق الفجوة بني اجملتمعْين العربــي واليهــودي، وهو ما تشــير إليــه أمناط التصويت.

وللتدليــل علــى وجود هــذه الفجــوة يتابع «فالتخوف من ســيطرة العرب، الذي رافقه خوف من عــودة «أحــداث» أيــار/ مايــو1202 وفقدان الســيادة الواســع في مواقع مختلفة فــي الدولة (خاصة النقب)، دور مركــزي في التصويت داخل اجلمهور اليهــودي الذي انزاح أكثــر نحو اليمني املتطرف، وأجواء مشــابهة يدلل عليها التصويت الواســع حلزب التجمع الوطني الدميقراطي، الذي كان على عتبة عبور نسبة احلسم.

ويضيف»داخــل اجملتمــع العربــي، شــكلت االنتخابات األخيرة، إلى حد ما، نهاية السياســة القدمية. تلك التــي بدأت تتفكك مع دخول « القائمة العربيــة املوحدة» إلى االئتــالف وقيامها بخطوة «ثورية» برفــض الوقــوف جانبا، بل املشــاركة الفعالة في اللعبة السياســية اإلسرائيلي­ة وتلقت هــذه السياســة ضربة عميقــة مع تفــكك القائمة املشــتركة نهائيــا عشــية االنتخابــ­ات والضياع العميق بعد ذلك».

ويقول ميليشــتاي­ن إن احلزبني املتنافســ­ني«اجلبهــة العربية للتغييــر» - واملوحــدة وجدا نفسيهما ســويا في املعارضة اآلن من دون تأثير، فــي الوقت الــذي بقــي «التجمع» خــارج النظام

البرملانــ­ي، وميكن أن يتحول إلــى البديل امليداني خارج السياسة الرسمية، مستغال شعور اإلحباط واخلوف واالغتراب املسيطر على فئات واسعة من اجلمهور العربي في أعقاب االنتخابات.

تغيرات امليزان الدميغرافي

ويعتبر ميليشــتاي­ن على غرار باحثني ومعلقني إســرائيلي­ني آخرين أن االنتخابات األخيرة ليست فقــط تعبيرا عــن التغييرات في الــرؤى أو املزاج العام للشرائح داخل إســرائيل، إمنا تعكس أيضا امليــزان الدميغرافـ­ـي الداخلي. ويضيــف في هذا املضمار:»تعــزز قــوة اليمني ليس نتيجــة التوتر العربي- اليهــودي فقط، و«موجــات اإلرهاب»، أو التغييــرا­ت في الســاحة اإلقليميــ­ة، إمنا أيضا حقيقة أن الــوزن الدميغرافي للفئــات املقربة من الرؤية ذاتها يرتفع في ظــل ازدياد أعدد احلريدمي واملستوطنن­ي حيث نســبة الزيادة الطبيعية عالية جــدا». منوها أنه لدى اجلمهــور العربي، ال توجد االجتاهات نفسها، إما بســبب املشاركة املنخفضة في االنتخابات، وإما بســبب نسبة الوالدات التي تنخفض بالتدريج (اليوم نســبة الــوالدات لدى النســاء اليهوديات في إســرائيل أعلى منها لدى النساء املسلمات عدا في منطقة النقب).

البعد الثقافي

ويقول إنه في البعد الثقافي، عبرت االنتخابات األخيرة بشــكل صارخ جدا عن وزن اجليل اجلديد املولود ما قبل عام 2000 أو بعده بقليل ممن شــهد بعضهــم عــدة جــوالت انتخابية في الســنوات األخيــرة. ويــرى أن املميزات األساســية العاملية لهــذا اجليل تغلغلــت إلى عمق اللغة السياســية، وأثرت إلى حد معني في نتائج االنتخابات: مركزية شبكات التواصل االجتماعي كأداة مترير الرسائل واملعلومــ­ات وتشــكيل رأي، وامليل إلــى مضامني ســطحية وشــعارات يتم فيها دمج أخبار كاذبة، وصعوبة في التعامل مع القضايا املعقدة، وتفضيل رد واضح، قاطع وســريع ملشــاكل الســاعة على محاوالت تفسير االجتاهات وتوضيح أنه ال توجد حلول ســحرية (احلديث يدور عن نــوع قيادات كانت موجودة سابقا واختفت).

ويشــير الى أنه بعــد ثالثة أعــوام ونصف من الفوضى السياســية املستمرة، حســمت إسرائيل طريقها االســترات­يجي. ويضيــف «صحيح أنها ال تبدو الدولة نفســها كما كانت عليه في نهاية سنة .2018 معسكر «اليســار» تقلص، وتقريبا اختفى، القصة اليهودية- العربية شــهدت زعزعة عميقة وبقيت كقصة مفتوحة ميكنهــا أن تنفجر، ويوجد عمليا معسكر سياسي- جماهيري واحد فقط تقف

أمامه مجموعة من املؤسســات املتناقضة داخليا، وال ميكن القول إنها «معسكر»، استصعبت وال تزال تستصعب العمل بتنسيق، واألسوأ أن تتوحد».

ويقول ميليشــتاي­ن إن دوال أخــرى في العالم كانت ستنهار بسبب الفراغ السياسي واالستقطاب االجتماعي املتصاعد كما حدث في األعوام األخيرة، معتبــرا أن «األمــراء» الذين ســاعدوا إســرائيل لتنجح في عبــور هذه الفتــرة كان اجملتمع املدني املتماســك، واالقتصاد القوي، واملنظومات األمنية والبيروقرا­طية املستقرة واملؤسساتي­ة، باإلضافة إلــى حقيقــة أن أغلبية أعــداء إســرائيل، وعلى رأسها إيران، تعاني بســبب ضعف عميق داخليا، ومنشــغلة بتحديات ُأخــرى، بدًال من اســتغالل احلساســية الداخلية املســتمرة، بهــدف زعزعة االستقرار الداخلي داخل إسرائيل».

ويخلص ميليشتاين الذي شغل منصبا رفيعا في االستخبارا­ت العسكرية للقول إن إسرائيل ما بعد االنتخابات ليست هادئة أو متكتلة أكثر، ويتابع ان العكس هــو الصحيح، التوترات الداخلية ميكن أن تزداد في الواقع، بسبب اخملاوف في أوساط الفئات اخملتلفة مــن تغيير دراماتيكي وســريع. اخلطاب السائد الذي ســيطر على الوجود اإلسرائيلي في األعــوام األخيرة ـ «نعــم نتنياهــو وال نتنياهو» ـ ومنع النقاش في القضايا االســترات­يجية، لكنه يتــرك احليز لنقاشــات محتدمة ومتوترة بشــأن قضايا جوهرية».

نصيحة للحكومة

وفي اخلامتــة يــرى ميليشــتاي­ن أن احلكومة اجلديدة حتســن صنعا إن فهمت بعمق التوترات احلقيقية الناجتة وتعمل على تفضيل االستمراري­ة على تغييرات ثورية من شــأنها تعميق التصدعات بني اإلســرائي­ليني الذين ينزفــون نتيجة خالفات داخلية طويلة ويتطلعون لالستقرار واملصاحلة.

ويتابع»أكثر من ذلك ســيكون حيويا لو دفعت احلكومــة خطواتها بواســطة حــوار موضوعي داخلــي ـ سياســي وجماهيري ـ حــول الطريق االســترات­يجية والقرارات احلاســمة املطلوبة في قضايــا جوهرية بــدال من محاولة فــرض رؤيتها املستقبلية عنوة. صحيح أن الفائزين فازوا باحلكم بشــكل واضح لكن دون حساســيات وفهم الواقع املركب من شــأنهم أن يجدوا أنفسهم أمام عواصف قاســية متس بكل اإلســرائي­ليني». يشــار الى أن بعض اجلهات اإلسرائيلي­ة سبق وحذر في املاضي من خطورة االنقســام­ات الداخلية أبرزهم رئيس إســرائيل الســابق رؤوفني ريفلني الذي قال عام 2015 إن اخلالفات العميقة بني األســباط األربعة داخــل إســرائيل (غربيــني وشــرقيني ومتدينني وعلمانيني وعرب ويهود) أخطر من قنبلة إيران.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom