Al-Quds Al-Arabi

جرح الكبد والروح في «جرجيس» التونسية هل أصبح الشهر احلالي قاتال لنساء اجلزائر؟

مرمي بوزيد سبابو ٭

-

بدأت أحداث جرجيس منذ ســبتمبر/أيلول الفائت. واشتعلت القلوب حزنا على مفقوديها، في شهر أكتوبر/تشرين األول، بعدما بدأت األمواج تلفظ جثث املهاجرين، غير النظاميني، كما يسميهم اإلعالم الرسمي.

ليســت فقط بسبب «احلرقة» واملوت املفجع لـ 18 ضحية، رغم اإلحصاء الرسمي الذي عد 17 جثــة. باعتبار أن الصبية ذات حول، اعتبرت حيوانا بحريا مت دفنه بال مباالة، بل لتعامل الســلطات مع اجلثث والتســتر عليها ودفنهــا في مقبرة حدائق افريقيــا جملهولي الهويــة واألجانب، مما أشــعل فتيل الغضب وتنظيم مســيرات حاشدة، وخاصة «مســيرة الغضب» التي زحفت نحو جزيرة «جربة»(81 نوفمبر/ تشــرين الثاني ،)2022 حيث يوجد الرئيس قيس ســعيد ورؤســاء العالم في قمة الفرنكفوني­ة. املســيرة، التي منعت بالقوة من طرف قوات األمن. وكذلك اإلضرابات العامة، التي شــلت جميــع املرافق. على هذه اخللفية كتبت «شــيراز بن مراد» على صفحتها على فيسبوك «، وخالفا ملا ادعته بعض األصوات اإلذاعية، من أن محتجي جرجيس وأهالــي ضحايا فاجعة مركب الـ81 الذين خرجوا في مســيرة في اجتاه جربة، حيث القمــة الفرنكفوني­ة، اعتبروا مشوشــني ومخربني ومشــوهني. وهي توصيفــات مخجلة، فاحملتجون أصحاب قضية عادلة متس كل التونســين­ي، الذين اختاروا مغادرة البالد نحو أوروبا بطريقة غيــر نظامية، مخاطرين بأرواحهم بعد أن أغلقت في وجوههم األبواب، فالصورة ليست هكذا، وعلى العالم والقوى الكبرى واإلعالم والفرنكوفو­نيني عامة أن يدركوا ما تعيشــه تونس من صعوبات حياتية. فقد باتت البــالد منصة للعبور نحو الضفاف األوروبيــ­ة، عليهم أن يعوا أن تونس بحاجة الى إعانات واستراتيجي­ات ملعاجلة الظاهرة وتوفير مراكز إيواء وسياسات حتترم الذات البشــرية، مهما كانت جنســيتها. الدولة بلجوئهــا للحلول األمنية من ترويع وايقافات وغازات مســيلة للدموع تشــّوه صورتها. وتفّوت على نفسها باألخص فرصة مهمة لتحســيس الرأي العام الفرنكفوني وغيره من القوى الكبرى احلاضرة في القمة مبا يحدث جنوب املتوسط، بشأن حركة الهجرة املتصاعدة، وما يالزمها مــن أحداث مروعة في عرض البحر، ومن مآس جراء سياســات اقتصادية فاشــلة من قبل الدولة، وأيضا من قبل نفس هذه القــوى الكبرى، التي تدير وجهها عما يحدث في القارة االفريقية من حروب وأزمات. ومشاكل في نفاد للماء والغذاء.

وآخر انفالت الوضع، رمي القنابل املســيلة للدموع، عشوائيا، والتي مست حتى تالميذ املدارس، وســببت اختناقات بينهم وبني الســاكنة هناك، ممــا جعل نقابة أطبــاء القطاع اخلاص تصدر عريضة، جــاء فيها «نظرا إلى مــا وصل إليه الوضع من احتقان وتأزم، واالســتعم­ال املفرط للغاز املســيل للدموع، قــرب مركز الصحة واملصحــات واملدارس واألحياء الســكنية، نتج عنها العديد مــن احلاالت املرضية احلادة واخلطيرة. لذا نطالب وبإحلاح ايقاف استعمال الغاز املسيل للدموع، خاصة وأن الغاز املســتعمل له مضاعفات خطيرة»(من صفحــة أخبار جرجيس)! كل هذه األحــداث اخلطيرة في كفة، جاءت لتظهر ما حتمله الكفة األخرى من جرمية ارتكبت بحق املفقودين املتوفــني، وحرمانهم من الدفن الطبيعي وطقــوس جنائزية، علها تخفف من ألم وحسرة األهالي. وكأنه فيلم من أفالم اخليال التي ال تصدق!

مقبرة حدائق افريقيا

«في وقــت دفن جثتني، دون إعالم أحــد باألمر، في ما يســمى بـ»مقبرة حدائق افريقيا»، أيــن يدفن مجهولو الهويــة واألجانب». أوهموهــم «أن املركب التي تقل «صغارهم» وصلت إلى ليبيا بســالم. حسب ما صرح املعتمد ألهالي املفقودين، وأكد لهــم أنه «اتصل مع اجلهات الليبية، وقال إن املركب هناك». حســب قناة »دريبة تي في»، التي رصدت وقائع احلادثة منذ البداية إلى آخر املســتجدا­ت. وقامت بتقصي احلقائق واالحداث، كأنها أهوال «القيامة» بالنســبة لســاكنة جرجيس، وبالضبط منطقة «بنانــة» الواقعة بني «العقلة» و»الســويحل» التابعة لبلدية «شــماخ» من معتمديــة جرجيس. بدأت األحداث تباعا منذ 21 ســبتمبر/أيلول 2022 على الثامنة ليال». إلى غاية كتابة هذه الســطور. عدم إعالم السلطات احمللية أهل ضحايا قارب 18 بإيجــاد جثث الضحايا في عرض البحر، هنا وهناك، ودفن البعض (أربع جثث) في مقبــرة مجهولي الهوية القادمني من بلدان الســاحل االفريقــي، واعتبارهم من هــؤالء ودون إجراء حتليل جيني لهم، هو ما أثار فتيــل األحداث، واعتبرت جرمية مكتملة األركان، األمر جعل األهالي يثورون ويحتجزون «املعتمد» ويرغمون الوالي على اجمليء. وحتت الضغط نبشت قبور الضحايا األربع، وبعد حتليل «دي أن إيه» تبني أن اجلثث لكل من: «محمد علي خنيشــيل» و«أمين الورميي» و«ســيف الدين بلهيبة» و«ياســني عبد الكرمي». وهذا ما اعتبره األهالي متأخرا جدا. وأمام مماطلة املســؤولن­ي، انطلق البحارة مبجهودهم الشــخصي، ومعهــم املواطنون في رحلة البحث التي اســتغرقت أياما، ومع هذا لم يتصل أحد من اجلهات الرسمية باألهالي ليعلمهــم بأنهم وجدوا جثثا»! ولم تكشــف الكارثة إال بعد اكتشــاف جثة إحداهن وهــي «مالك الورميي»، وعرفت بواســطة «البراســلي­ه» الذي كان يحمل اســمها. ومت نقل جثتهــا لـ«قابس». بدأت رحلة الكشــف عن احلقيقة، حقيقــة املفقودين، في غياب تام للســلطات، التي كانت منهمكة بقمة الفرنكفوني­ــة في جربة، والتي ال يفصلها عن جرجيس ســوى «قنطرة»، حسب تصريح أحدهم فقد اخته في احلادثة «املوضوع مش موضوع حرقة. 50 حيا. 50 ميتا، لكن اإلشــكال في كيفية التعامل مع اجلثث اخلاصة بأوالدنا. هــذا معناه كل يوم جنيب اجلثث مــن البحر وندفن فيها وماتعلمناش كفاش متشي ترميهم في مقبرة الغرباء».

ويبقى ســؤال األهالــي املطروح «متى يتــم اإلطالع على تقرير الطب الشــرعي النهائي»؟ (دائما، حســب التحقيق املكثف الذي قامــت به قناة «دريبة تي في» على اليوتيوب). وجع جرجيس كبير ليس بسبب املوت فقط، بل بسبب ال مباالة اجلهات الرســمية، األمر الذي جعل بعضا من أهلها يرون في ذلك قضية «جهوية» باعتبارها مدينة جنوبيــة. وباعتبارها قريبة من ليبيا، لهذا صرخــت إحدى أمهات الضحايا بحرقــة كبيرة وثورة: «الله ال يربحكم. الله ال يباركلهم. ترانا مرضنا على وليداتنا. كان نلقى أنا وهاني عزوز قدامكم نحرق. خلي يحرقوا ما عندهم لوان قاعدين. احنا مش توانســة. وجهونا ليبيا. خلينا نهجوا. خليهم يقعدوا هم فيها. ورئيس الدولة وين راقــد؟ هاني قدامكم بالوجه إجــو هزوني. ما خايفني من حــد. عكارة أنا. في االنتخابات كانوا يدوروا وايجونا ما بالصــة لبالصة. مايدوروش بينا. اللي جانا ظالم روحو !« الفاجعة التي ألهمت قرائح الشــعراء واملغنــني املوجوعة بتخليد ما وقع وإبراز العديد من مظاهر الالعدالة وعدم املساواة في تعامل السلطة السياسية مــع مواطني «الهامش» كاجلنــوب. وها هي صرخة ابنة جرجيــس «هناء كردالة» وقصيدتها التي تناقلتها مختلف املواقع ومنصات التواصل االجتماعي: يا ليل يا ليل...غربة عايشها فبالدي يا ليل يا ليل حتى منوت يقولوا عادي يا ليل يا ليل اللي ما عرفت هويتنا يا ليل يال يل بالدي ومحسوبة دولتنا... يا ليل يا ليل يا تاريخ اكتب اللي صار يا ليل يال يل شباب كالتو البحار يا ليل يا ليل اللي انحطوا في صاشية (كيس بالستيكي) يا ليل يا ليل املوتة والد العكارية». و«عكارة» هي قبيلة تتكون من ســتة عروش مشــتركة فــي اللحمة والعصبية والنســب واألرض والرمزية التاريخية والرباط إلى ســيدي صياح العكاري، اجلد املؤسس الشريف املغربي، كما تقول شجرة النسب (على لسان الدكتور سالم لبيض املتخصص في سوسيولوجيا عكارة، كما جاء في موقع صحيفة احلرية). وهي أيضا «قبيلة مغاربية ممتدة من جرجيس إلى املغرب فــي الرباط ومراكش وفاس وليبيا واملشرق العربي (حسب ما جاء بكتاب عكارة - في سوسيولوجيا القبيلة املغاربية للدكتور سالم لبيض كذلك من موقع «باب نت تونس).

تريندات قتل النساء في اجلزائر

منذ عشرة أيام فقدنا ثالث نســاء. نقل موقع «فمنيسيد» وقائع اجلرائم الثالث: «نادية معروف» كانت تدرس في مســجد حيها. قتلها ابنها بطعنات ســكني في حي بــن زرجب، بلدية مســرغني، دائرة بوتليليس، وهران، حســب جريــدة «النهار» وأقوال الناس إن ابنها كان مريضا عقليا: «شــطاح هاجر... امرأة مطلقة وأم لثالثة أطفال. الكبرى تدرس الســنة خامسة. كانت هاجر فرحانة وحتضر لفاحتتها. كانت ســتتزوج. كان طليقها يهددها لكي ترجع إليه. صباح 14 الشهر اجلاري نفذ تهديده وذبحها أمام ابنها البالغ من العمر 4 سنوات». حتى بعد الطالق ولم تعد املرأة آمنة!

«رزيقة بوباشــا» 39 ســنة، كانت أما لبنتني تشتغل مهندســة معمارية في عني الدفلــى. كان زوجها يعنفها ملدة طويلة، حتى يوم 7 من الشــهر اجلاري حني ضربها مبطرقة على رأســها إلى أن ماتت. مت توقيف اجلاني. لألسف الشديد ال يوجد تكفل خاص لألطفال الذين، بني يوم وليلة يجدون أنفسهم بني أم مقتولة وأب قاتل!

رزيقة هي املرأة السادسة عشرة التي قتلها زوجها منذ بداية السنة. أغلبيتهن كن معنفات من طرف أزواجهن من قبل». شهر دموي على اجملتمع النسائي في اجلزائر!

٭

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom