Al-Quds Al-Arabi

قطر وهجمة كأس العالم

- محمد كريشان٭

■ «قطر... هذا احلقير الصغير».. هكذا اختارت «ليبراســيو­ن» الفرنســية عنوانا لكامل صفحتها األولى التي خصصتها لتقريع الدوحة والقول إنها ليســت جديرة أبدا بتنظيم كأس العالم وذلك في اليوم ذاته التي تنطلق فيه هذه التظاهرة الكروية.

حفل االفتتاح املبهــر األحد املاضي جتاهلت بثه متاما مثال القناة األولى «بي بي سي »1 البريطانية مفضلــة احلديث عن فســاد الفيفــا وتغيير موعد كأس العالــم التقليدي وصغر حجــم قطر ووضع العمال وحقوق اإلنســان واملثليني فيها وغير ذلك. مذيعــة «ســي.ن.ن» األمريكية املســكينة لم جتد في خزانتها ما ترتديه يومها ســوى ذلك الفستان املزركش بالكامل بألوان املثليني الشــهيرة، كما لم يخرج اإلعالم األملاني بــدوره عن هذا املزاج حتى إن صديقة تونســية مقيمــة في أملانيــا بعثت لي مغتاظة تقول: «درست هنا وأعيش هنا منذ 22 عاما ومندمجة متاما في اجملتمع حتى أني متزوجة منهم، لكني لم أر قط هــذا احلقد والكره الذي رأيته جتاه قطر وهي تنظم كأس العالم».

فرنســا، بريطانيا، أملانيا.. مجرد مناذج ال غير فهذا الســعار موجود منذ مدة في كثير من وسائل إعالم غربية لكنه ازداد شراســة كلما اقترب موعد انطالق البطولة ثم كّشر عن كل أنيابه يوم االفتتاح نفســه، حتى أن بعض الصحف الفرنسية لم تعر حفل االفتتاح أي اهتمام لكنها احتفلت، وبعناوين غاية في الشــماتة، بهزمية قطر أمام األكوادور في أول مباراة!

قطر ليســت فــوق أي نقــد ولم يزعــم أي من مســؤوليها أنها جنة للحريات وحقوق اإلنسان، فهي تقول دائما إنها تعمل باســتمرار على إصالح قوانينهــا وواقعهــا، لكــن القضيــة ليســت هنا بالتأكيد، فكما قال، بكل شجاعة، السفير الفرنسي في الدوحة جان باتيســت «نحن ال نعطي دروسا ألن من يعطي دروســًا يجب برأيي أن يكون مثاليًا وكامــال، وما من بلد كامل ومثالــي»، وهو نفس ما ذهب إليه رئيس الفيفا جيوفاني فينتشــنزو حني هاجم بقوة ما اعتبره نفاقا غربيا في هذا اجملال.

لم يجد هذا اإلعالم في رسائل احلوار والتسامح واحلوار التي عبر عنها حفــل االفتتاح ما ميكن أن يشــيد به، في عالم مشحون باحلروب والكوارث، مفضال اخلوض في مســائل قد ال يخلو بعضها من وجاهة لكن أغلبها مفتعــل أو مهول. من املفهوم أن كل بلــد ينظــم كأس العالم ســيجعل كل األضواء تســلط عليــه وعلى ما فيــه من مشــاكل فقد كان حديث األمــن هو الطاغــي حني نظــم في جنوب إفريقيا )2010( وحديث الفقر في البرازيل )2014( وحديث احلريات في روسيا ،)2018( لكنه لم يصل أبــدا إلى هذه الدرجة من التعبئــة والتضخيم كما

يحصل مع قطر اآلن إلى درجة الرغبة في أن يهّمش التظاهرة نفسها. يجري ذلك كّله بنبرة تعاٍل جلية أظهرت أســوأ ما تخفيه األنفس والعقليات من فكر اســتعماري ال يرى نفسه ســوى مركز العالم كله الذي علــى اآلخريــن جميعا أن يــدوروا بالكامل في فلكه ويعتنقوا نفس قيمه، بدءا من السياســة واالقتصاد وصوال إلى العالقات اجلنسية، خاصة إذا كان هذا اآلخــر عربيا ومســلما عليه أن يبقى أســير الصورة النمطية التــي فصلت له على مدى عقود فال يغادرها أبدا.

حني نظــم كأس للعالم في فرنســا عــام 1998 مثال لم نر حديثا عن ماضي فرنســا االســتعما­ري املقيت وال عما تفعله فــي إفريقيا إلى اآلن من نهب للخيرات ودعم للدكتاتوري­ات ومساندة االنقالبات العسكرية وغيرها، وال كيف تتعامل مع املهاجرين في بالدهــا، حتى أولئك الذين ولدوا وآباؤهم على أرضها، وكيف ميارس التمييز ضدهم في التوظيف حتى مبجرد االسم كما أثبتت ذلك دراسات عديدة.

سؤال في النهاية: ترى ماذا لو نظم كأس العالم في «إسرائيل»؟!

هل كنا سنســمع عن صغــر مســاحتها، وهي باملناســب­ة نفس مســاحة قطر تقريبــا، وعن أنها الدولة التي ترعى أقــدم وأطول احتالل في العصر احلديث باحتاللها أراضي الضفة الغربية وغزة منذ 1967 ضاربة عرض احلائط بكل القرارات الدولية؟ هل كنا سنســمع عن التيارات الدينيــة الفاشــية فيهــا وأنهــا تعتبر مواطنيهــا من العــرب مواطنني من درجة ثانيــة؟ وأنها ترتكب في حــق إخوانهم في األراضي احملتلــة كل التجــاوزا­ت املصنفة جرائم حرب، كاالســتيا­لء على األراضــي وضمها بالقوة وإقامة مســتوطنات عليها جتلــب قاطنيها من كل أصقاع العالم، مقابل هدم بيوت السكان األصليني مبقابل مالي فاحش وإال فإن عليــك أن تهدم بيتك بنفســك؟ هل كنا سنســمع عــن اعتقــال األطفال وقتل الصحافيني؟ هل كانت الشــهيدة شيرين أبو عاقلة ســتتحول إلى مادة لكل برنامج قبل وأثناء كأس العالم؟ هل كنا سنســمع عن اآلالف القابعني في الســجون ومئــات اآلالف احملاصرين في غزة املوصوفة بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم؟

رمبا.. رمبا كنا سنسمع بعض التعاطف والتأييد للفلسطينين­ي لو أن هؤالء قرروا رفع رايات املثليني، أو بدلت الســلطة علمها ليصبح بألوانهم الزاهية.. فلرمبا يصبحون وقتها جديرين باالستقالل!!

عالم منافق حقا، لكنه اآلن عار ومفضوح كما لم يكن يوما. ٭ كاتب وإعالمي تونسي

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom