األردن: اإلصرار على عملية سالم ماتت
■ ال يوجــد له حتى لــو بحثنا فــي القاموس اسم آخر ســوى «التعايش» حتت ضغط املفاصل األساسية املصلحية مع عدو يتربص باألردن قيادة ودولة وشعبا هو اليمني اإلســرائيلي الذي يزداد تطرفا هذه األيام. األرجح انه منط تعايشــي يعيد األردن قصرا الى بيت الطاعة، يسميه زميل ومحلل كبير بـ « مســار التكيف». ويســميه بعضنا اآلخر براغماتية الواقع واألزمة».
وبعضنــا الثالــث تفاعل مــع وقائــع األمور واســتجابة لنصائح األصدقاء ولم يعد ســرا أن األصدقــاء فــي حالــة النصيحة املشــار اليها هم أشــقاء في بعض دول اخلليج وحلفاء مفترضون لن يكونوا معنا في اللحظات احلرجة في الواليات املتحدة.
نعم لنقول األشياء كما هي وبصراحة: استئناف االتصاالت مع بنيامني نتنياهو تكيف ال ميكن عمليا لوم الوطن عليه، واالسترســال في توقيع مذكرات إعالن مبــادئ بذرائع واهية مرة باســم الكهرباء واملاء وأخرى باســم تنظيف حــواف نهر األردن تعايش براغماتي مع اخلطر.
تلــك وقائع نقــدر عبرهــا ونحن نشــاهدها نرصدها بألم بعدما تركنا أخوتنا العرب وحدنا مع الفلسطينيني في منطقة الالمكان.
ظروف البالد وأصحاب القرار واضحة ونتفهم بثقة االعتبارات في املوقف الرســمي والتحوالت الغامضة الدراماتيكية في اإلقليم واجملتمع.
كما نتفهم صعوبة تغيير اجلاد والروح والذات معا عبر بناء رهان ســرعان ما قد يتبني أنه واهن أيضا على محور املقاومة وتوابعه املعروفة.
واجبنا أن نثق مبؤسساتنا األردنية وحساباتها وتقديراتهــا واعتباراتهــا ومصاحلهــا. لكن هذا الواجــب يصبح منقوصا إذا لــم نكمله نحن بزرع مفــردة «ولكن» بعد مفردات مثــل «نقدر ونتفهم». «لكــن» كبيرة لكل مــا يجري بعدما أصبح مســار التعايش أو التكيف أو حتى اخلضوع لقوى الواقع املوضوعي إقليميا ودوليا إن شئتم.
ونحن نحذر من شــيطان التفاصيل ومن كلفة وفاتورة اإلصرار على عملية ســالم ماتت ودفنت وشبعت لطما.
وثانيا: على تصنيف اإلســرائيلي بأنه صديق محتمل أو شريك مفترض.
ال هذه وال تلك فإسرائيل اليوم تعلن مشروعها وفي طريقها البتــالع املصالح الوطنيــة األردنية األساســية احلساســة فيما القوم في بعض دوائر القرار مــن موظفني ومستشــارين وأحيانا وزراء يواصلون التورط في الكمــني الذي حذر منه علنا يوما اخملضرم الكبير زيد الرفاعي وفي مؤسســات عســكرية عندما قال باحلرف «وضع القيادة ـ أي قيادة فــي أي وقت أمام خيار اســتراتيجي واحد خطوة ترقى إلى مستوى اخليانة».
ذلــك ما قاله أحــد أهم وأعتى رجــاالت الطبقة السياســية في تاريخ الدولة األردنية احلديث ولم يقلها حراكي صاحب أجندة في الشارع أو معارض ما يبث ســمومه في اخلــارج أو لديه طموحات في الداخل.
وصية الرفاعي تلــك آن أوانها ونعيد من بعده التذكيــر بأن إصــرار بعض النخــب احلالية على وضع مركز صناعة القرار أمام خيار اســتراتيجي واحد بعنــوان التكيــف أو التعايش مــع اليمني اإلسرائيلي سلوك طائش وعبثي حتى ال نستخدم تعبيرات الرفاعي نفسه.
للتذكير فقــط نتنياهو الذي يخطط قومنا اليوم لفكرة التعايش معه هو نفســه الذي كتب مؤلفات فــي الوطن البديل وهو نفســه الرجــل الذي كافأ موظفه القاتل بعدما قتل مواطنني أردنيني بدم بارد في عمان ثم استقبله وطلب منه السهر مع عشيقته.
ونتنياهو هو الذي كاد يعلن احلرب ألن األردن قرر اســتعادة أراضــي الباقورة ورفــض بيعنا 8 ماليني متر مكعب من املياه وقت احلاجة، وهو أيضا الذي ضرب عرض احلائط بكل مصاحلنا وأحالمنا عندما حمل معوال وزرع شــجرة ثم ابتسم للكاميرا متاما على احلــد الفاصل في منطقــة األغوار وهو يعلن ضمهم.
نتنياهو نفســه لم يتغير وأغلب التقدير أنه لن يتغيــر ألنه ال يوجــد في علم السياســة اليوم أي قــوة تدفعــه ألي تغيير. وبالتالي التنظير لســلوك التعايــش معــه مجــددا شــائن ومقيــت ويظهــر ضعفــا فــي غيــر مكانه، ليس فقــط ألن طموحات نتنياهو وأفكاره وأفالمه معروفة ومسجلة، ولكن أيضا ألن حلظة التعايش املشــار إليها هي اللحظة التي ينسحب فيها القول أردنيــا ووطنيا بأنــه آن األوان لتنويع اخليارات االستراتيجية ووقف أحاديتها اخملتلة.
وآن األوان لإلميــان محليــا بــأن معادلة أمن الدولة والنظام ليست وال ميكنها أن تكون معزولة عن أمن الوطن والشــعب األردنــي مادامت هوية األردنيني السياســية والوطنية ال يــزال نظامهم السياســي يعبر عنها. األردن لديه أوراق قوية إذا لم تســتخدم اآلن قد ال تستخدم الحقا. دور اململكة في اســتقرار املنطقة ومكافحة اإلرهاب واحتضان اللجوء السوري أوراق قوة.
حتصني اجلبهة الداخلية واإلصالح السياســي الدميقراطــي احلقيقــي واالســتعانة بالشــرفاء والعودة للعمل مع الزعامات الوطنية والعشائرية واالجتماعية هي الورقة الرابحة أكثر.
أال تعقل األدوات والنخب.