ملك األردن في «رئاسة الوزراء»... ملن كانت «الرسالة اجلادة»؟

اإليحاء واإلمياءة و«ما لم يقله صراحة»

عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

الهامــش واإليحــاء واإلمياء وما لم يقل مباشــرة ألعضاء مجلس الــوزراء هي اجلوانــب األكثر أهمية في زيارة ملكية جمللس وزراء احلكومة األردنية تعني الكثير سياسي ًا ووطني ًا.

ويبدو أن تلك الزيارة تضمنت رسائل تتجاوز حتى املعاني والدالالت املباشــرة فــي توجيهات وتوجهات القصر، مما يؤشــر ضمنا على وجود مالحظات ملكية ليس حتــت بند الســعي ملراقبة احلكومــة كما أبلغت رســميا من امللك عبد الله الثاني وبصورة مباشــرة، ولكــن أيضــا على صعيد اســتقبال بعض اجملســات وبعض املعطيات التي تشــير إلــى أن "بعض األمور ال تســير كما ينبغي"، واإلفادة من تقاريــر التقييم، مما يوحي سياســيا بأن لدى مؤسســة القصر مالحظات وحتفظات.

استراتيجية دولة

وهنا حصرا وحتت شعار "حتديث الدولة"، املطلوب امتالك جرأة املبادرة واملضي قدما، فيما الزيارة امللكية لرئاســة الوزراء ظهر األربعاء قفزت لـ"تأكيد املؤكد" والدفع باجتاه ترتيــب األوراق والتفاصيل في خدمة ما سّماه امللك شــخصيًا بـ"تالزم املســارات الثالثة". مجددا، احلديث فــي احلالة امللكية هنا عن مســارات حتديث املنظومة السياســية ثــم التمكن االقتصادي، وأخيرا اإلصالح اإلداري مع الربط املباشر حتت عنوان تالزم املسارات "مشروع وخيار دولة".

ال يوجد تأكيد مرجعي ملكــي أكبر وأضخم وأفخم وأهم من هذا التأكيد، وعلى اعتبار أن املســألة - وهنا الرســالة للرأي العــام والقوى السياســية واحلراك الشــعبي وغيره من األطراف الناقــدة، تثبيت لواقعة أن املسألة لم تعد خيار حكومة، وال عالقة لها بتقديرات مطابخ وأطقم وزراء، بقدر ما هي اســتراتيجية دولة تقررت.

تطلب األمر وبوضوح التطرق إلى بعض التفاصيل فــي تلك الزيارة التي أثارت نقاشــ ًا وجد ًال عاصف ًا بن النخب السياســية طوال فترة مســاء األربعاء وحتى عصر اخلميس، بســبب اللغة املباشــرة واإليحاءات العابرة في شــرح ما بعد التفاصيل. وتضمن اخلطاب امللكي لفت نظر كل مســؤول أو وزيــر ال يلتحق بركب املســارات الثالثة، باعتبارهــا خيــارات الدولة إلى إمكانية االنســحاب، ألن وجوده يعيق التقدم ويعيق مسيرة اآلخرين.

وميكن تصنيف هذه اإلشــارة حتديــدا باعتبارها تفويض ًا شام ًال لرئيس الوزراء بالتدقيق في التفاصيل مع الــوزراء وكبــار املوظفن واملســؤولن في أجهزة احلكومة، وهو تفويض يعني إطــالق يد احلكومة في احملاســبة واملراقبة والتعقيب، ال بــل تفويض رئيس الوزراء بالتصرف واتخاذ قرار بعزل أي موظف يعيق التقدم في املسارات اإلصالحية اآلن، مع ترجيح ضمني بأن سيناريو خيارات الدولة على احملك اليوم، وليس اجتهادات احلكومــة أو تلك النصوص التي نتجت عن ورشات عصف ذهني.

في اإليحاء توضيح إضافي كشــفت عنه لـ"القدس العربي" بعــض املصادر املطلعة علــى أن التوجيهات امللكيــة لرئيس الوزراء جتاوزت مــا قيل أمام مجلس الوزراء، خصوصا فــي جزئية التشــبيك مع مجلس النواب واحلرص على اشــتراك السلطتن في التجهيز حملور ما يســمى اآلن في القاموس السياسي األردني حتديث الدولة عشــية مئويتها الثانيــة، وفقا للتعبير الذي اســتخدمه وزير التنمية السياســية وشــؤون البرملان وجيه العزايزة، أمام نخبة من العسكرين في كلية الدفاع الوطني.

إمياءة وإشارات

في اإلمياءة إشارات إلى أن التفويض بعزل أو دفع املوظفن الذين يعيقون املســيرة قــد يتجاوز الوزراء وكبار املوظفن البيروقراطيــن، مبعنى تزويد القصر امللكي بتقييــم األثر وبتغذيــة عكســية قوامها أيضا رســالة عابرة للحكومة باجتاه بقية املســؤولن في أجهزة الدولة بأن عن القصر امللكي اآلن ستراقب ومن ســيتجاوز حدود التكليف والتوجيه املركزي عليه أن يدفع الثمن.

ذلك بالتــالزم مع جرعة حتاول تعزيز توطن رأس املال الوطني على نطاق االستثمار وإبالغ املستثمرين املتشككن أو الذين يكثرون من الشكوى بأن االستثمار في اخلارج قد ال يعني حتقيق مكاســب لهم. ومن هنا،

أمر امللك احلكومة بأن تنظر ملوضوع االستثمار في هذا السياق وعلى أساس أن من يدفع ماال لغرض االستثمار في البالد يتوقع أن يحقق بعض األرباح، وهو توجيه ملكي نادر يدخل عمليا في سياق التفاصيل.

طبعا، تضمنت اإلشارات أن مؤسسة القصر تراقب وتطالب بتقارير أداء وتقييم. وعمليا، ميكن القول منذ اآلن بأن رســالة امللك خالل زيارته جمللس الوزراء قد تكون مبثابــة التعميد الوطني واملركزي العميق خلطة املســارات الثالثة، وبطريقة ال يوجد مجال لاللتباس بهــا أو لقراءتها وتفســيرها خارج ســياقها. واملعنى أن الوثائــق واألدبيات والنصوص موجــودة اليوم وحظيــت بالتوافقات، وأن مؤسســات الدولة تخضع للمعيــار والتوجيه امللكي، وأن املطلــوب االنتقال إلى املستوى التنفيذي.

وكان أعضــاء اجمللس الــوزاري قد اســتبقوا هذا التحــول املهم في اخلطــاب التوجيهي بسلســلة من املصارحات والشفافية جراء تعليمات أساسية مباشرة لرئيــس احلكومة الدكتور بشــر اخلصاونة وطاقمه، سبقت حتى الزيارة. وهي تعليمات مت تكرارها بصورة علنية أمام الوزراء، وقوامها دفع املســؤولن والوزراء للتحدث مع الناس ثم دفعهم للتعامل مع وسائل اإلعالم حتى ال تبقى الروايات الســلبية وحدهــا في امليدان، وحتى تبرز املنجــزات والروايات اإليجابية، باملقابل. وهو أمر ســبق أن نادى به وحتدث عنه العشرات من اخلبراء املســتقلن احلريصن على التخفيف من حدة السوداوية والســلبية التي اشــتكى منها اخلصاونة وغيره طوال األعوام املاضية. 2022

ملك األردن عبد الله الثاني

Volume 34 - Issue 10817 Friday 25 November