Al-Quds Al-Arabi

اخملرجة مارغريت براون تفضح إرث العبودية والعنصرية في أمريكا

- علي املسعود ٭ كاتب عراقي

■ عندما بدأت مخرجة فيلم «ساللة» مارغريت براون تصوير الفيلم الوثائقي في عــام 2018 كان الناس يبحثون عن بقايا ســفينة «كلوتيلدا» لعقود. كما هو موضح فــي بداية الفيلــم، «كلوتيلدا» آخر ســفينة معروفة لنقل األشــخاص املســتعبد­ين من افريقيــا إلى الواليات املتحدة فــي رحلة غيــر قانونية جرت في عــام .1860 على الرغم من أن جتارة الرقيق ُحّرمــت في الواليــات املتحدة فــي عــام .1808 ويعتقد أن الســفينة «كلوتيلدا» حملت حوالي 110 أشخاص مســتعبدين إلــى أالباما. قــاد الرحلة الكابنت ويليام فوســتر مالك السفينة. ويقال إن رجال ثريا صاحب عمل يدعى تيموثي ميهر كان قد اشترى العديد من األشخاص املستعبدين من هذه الرحلة. وألن هذه الرحلة وجتارة البشــر كانتا غيــر قانونيتني، فقد قام وليم فوســتر بتفجير كلوتيلدا لتدميــر األدلة. وقيل إن ما تبقــى منها كان قد دفــن في املاء قبالة ســاحل موبايل في أالباما، التي ال يزال العديد من أحفاد أســرى كلوتيلدا يعيشون فيها، والتي تضم قسما يسمى (أفريكاتاون) حيــث يعيش العديد من هؤالء األحفاد.

اكتمال احللم

مت التعامل مع الســفينة «مثل ســر صغير قذر» وفقا لغاري لومبرز ســليل أســرى كلوتيلــدا. أدت حركة احلقوق املدنيــة األمريكية، وكذلك مترير قوانني تخــص احلقــوق املدنيــة للملونــني األمريكيــ­ني في منتصــف ،1960 إلى أن يصبح املزيــد من األمريكيــ­ني األفارقة أكثر نشــاطا فــي فعاليــات (االعتزاز باالصــول االفريقية). وكذلــك معرفة املزيد عــن تاريخ األجداد. وبالنســبة ألحفاد أســرى كلوتيلــدا وغيرهم من األشــخاص املهتمني، كان ذلــك يعني العثــور على مــا تبقى مــن كلوتيلدا، من أجــل احلصول علــى دليل ملموس وتاريخي مرتبط بــإرث عدد ال يحصى من الناس. ميكــن للعديد من الناس في الواليــات املتحدة تتبع تاريخ أســرهم إلى ســنوات قبل أن تصبــح الواليات املتحدة دولة في عام .1776 حقيقة األمر مت محو تاريخ األفارقة الذين مت أسرهم واســتعباد­هم في أمريــكا، وبالتالي، فإن أحفادهــم لم ميلكوا القــدرة على تتبع تاريخ أســرهم، يظهر الفيلم كيف «نســقت املنظمات احملليــة والوطنية في يوليو/متــوز 2018 عملية بحث هي األولى من نوعها عن حطــام كلوتيلدا. مت احلفاظ على قصة وصول الســفينة في عام 1860 واألســرى الـــ 110 وفقا لتعليق ورد فــي الفيلم الوثائقي. كانت إحدى أكبــر العقبات فــي العثور على بقايا كلوتيلدا هي املعلومات املتضاربة حول مــكان دفــن حطامهــا على طول الســاحل. في يوليو ،2018 بدأ البحث في بالتوه أالباما. على مر الســنني كان املصدر الرئيسي لتاريخ شعب كلوتيلدا املســتعبد كتــاب املؤرخــة زورا نيــل هيرستون «باركون: تاريخ آخر شحنة ســوداء» الذي كان من املفترض نشره في عام ،1931 لكنــه ظل على الرف ولم يقرأ من قبل اجلمهــور حتى عام .2018 «باراكون» يضــم مقابــالت مكثفة مع كودجو لويس )1840-1935( وهو آخر الناجني املعروفني من أســرى كلوتيلدا املســتعبد­ين. كان لويــس الزعيم غير الرســمي جملتمعه عندمــا حظر إعالن التحــرر مــن العبوديــة، وكان علــى األشخاص املستعبدين سابقا التنقل في احلياة كأشخاص أحرار قانونيا، لكنهم ما زالــوا مضطهدين بســبب عنصرية البيض التي حرمت األشخاص امللونني من احلقوق املتساوية في أمريكا. يشارك إمييت لويس وهو مقيم في أفريكاتاون وســليل لكودجو لويس في شــهادته، يروي قصصا في الفيلم الوثائقي حول كيفيــة قيام والــده إمييت لــي لويس (الذي توفي في عام 2008 عن عمر يناهز 61 عاما) بأخذه كطفل إلى مقبرة محلية في موبايل بعد منتصف الليل وتعليمه تاريخ العائلة من أسالفهم وغيرهم من األشخاص املدفونني هناك.

يحتوي فيلم «ســاللة» على لقطات مؤثــرة إلمييت لويس وهــو يعود إلى هذه املقبــرة ويزور قبــر والده. ميكن رؤية وزن عواطفه على الشاشة. كذلك تظهر فيرنيتا هندرســون وهي واحدة من أحفاد رحلة االســتعبا­د للســفينة كلوتيلدا، في الفيلم الوثائقي تعلق على حملة البحث عن الســفينة كلوتيلدا في عام .2018 وتقول إنها ستشعر باكتمال احللم أو األمنية إذا مت العثور على بقايا الســفينة، ألنها ســتمأل فراغ األسئلة التــي لم تتم اإلجابــة عليها، وتضيف: «السفينة دليل على حدوثها. إنها قصة تستحق مشاركتها مع العالم بأسره».

العنصرية والعبودية

على النقيض من ذلك، تظهر جوسلني ديفيــس، وهــي ســليل آخر ألســرى كلوتيلــدا. علــى الرغــم مــن أن عددا قليال من أحفاد فوســتر مالك كلوتيلدا يظهــرون ويجرون مقابــالت معهم في فيلم ســاللة» إال أن خامتة فــي الفيلم الوثائقــي تخبرنا إن أحفــاد تيموثي ميهر لم يستجيبوا لطلبات املشاركة في الفيلــم الوثائقي. في نهاية املطاف، يتم العثور على بقايا كلوتيلدا في عام 2019 ومت تأكيدها علميا من خالل التعليق في الفيلم الوثائقي.

كان هذا االكتشــاف التاريخي خبرا أثريا كبيرا وبدأ فصال جديدا في تاريخ منطقــة موبايل. يتضمــن الفيلم كذلك مقابــالت ولقطات أخــرى للصحافي/ الغــواص بن راينز، الذي ينســب إليه الفضل إلى حــد كبير في الكشــف عن األدلة احلاســمة التــي أدت إلى العثور على ما تبقــى من كلوتيلــدا. ليس من املســتغرب أن يكتــب راينــز كتابا عن جتاربــه في كلوتيلدا: «ســفينة العبيد األخيرة: القصة احلقيقية لكيفية العثور علــى كلوتيلــدا». مت نشــر الكتاب في يناير/كانون الثاني 2022 وهو الشــهر نفســه الذي عــرض فيــه الفيلم ألول مرة في العالم فــي مهرجان صندانس الســينمائ­ي. يتضمن الفيلــم الوثائقي مشهدا حيث يتم الكشف عن رسم لوحة بتكليف مــن ناشــيونال جيوغرافيك لرحلــة كلوتيلدا عــام 1860 في مؤمتر صحافي، حيث تظهــر اللوحة مجموعة األشــخاص املســتعبد­ين وهــم عراة ومتجمعني في خوف في قاع الســفينة. وتعكــس املآســي وســوء املعاملــة وانتهــاكا­ت حقوق اإلنســان املرتبطة بسفن العبيد مثل كلوتيلدا.

يشــير الفيلم الوثائقــي إلى حقائق حــول كيفية متثيــل كلوتيلــدا لإلرث اخملــزي للعبوديــة والعنصريــ­ة املتعصبــة للبيض في أمريــكا. انتقلت ديفيس املقيمة فــي أفريكاتاون املصابة بالســرطان، بعد أن كانــت غير مهتمة بكلوتيلدا فــي عام ،2018 إلى أن تصبح ناشــطة مشــاركة في قضايــا العدالة البيئية في أفريكاتــا­ون، هي اآلن تريد أن يعــرف النــاس عــن اإلرث الكامل لكلوتيلــد­ا وغيرهــا من الســفن التي حملت أشخاصا مستعبدين من افريقيا. وتقول ديفيس «إن اكتشــاف كلوتيلدا أعطاها اآلن املزيد من الفخر بأســالفها، فضــال عــن ندمهــا ألنها شــعرت في السابق ببعض اخلجل من كونها سليلة أشخاص مستعبدين من كلوتيلدا».

وفي واحدة من أبــرز أحداث الفيلم الوثائقــي حــني تذهــب ديفيــس إلى واشــنطن العاصمة وتأخذهــا مديرة املتحف مــاري إليــوت فــي جولة في متحف سميثســوني­ان الوطني للتاريخ والثقافــة األمريكيــ­ة االفريقيــ­ة. إنها جتربة مثيرة لالهتمام ومؤثرة عاطفيا، حيث ميكــن لديفيس أن ترى بنفســها كيف أن كلوتيلــدا وأفريكا تــاون هما جزء مــن العديد من القصــص املماثلة للعائالت، وهــي اإلرث األمريكي لذوي األصــول االفريقيــ­ة. خامتــة الفيلــم الوثائقــي حتدثت عــن تخصيص بيت لتــراث أفريكاتاون (متحــف من املقرر افتتاحه في عــام .2025 يظهــر الفيلم إعالن حتديد يوم أحفــاد كلوتيلدا في 8 فبراير/شــباط 2020 لتكــرمي هؤالء األحفاد. الفيلم الوثائقي ال يســمح أبدا للمشــاهدي­ن بنســيان أن الضرر الذي ال ميكن إصالحــه الناجم عن العبودية ال تــزال له آثار باقية. فــي نهاية الفيلم يظهر مايكل فوســتر أحــد أحفاد مالك الســفينة كلوتيلدا ويليام فوســتر في هــذا احلفــل، حيــث يتم تقدميــه إلى روبــرت لويس ســليل كودجو لويس. يجري الرجالن محادثة ودية وقصيرة محرجة بعض الشــيء. لقد كانت فكرة اســتعادة التاريــخ، تاريخيــا عملية شاقة، خاصة عندما يكون هذا التاريخ مــرآة للعبوديــة، اخلطيئــة الكبرى ألمريكا التي ال تزال متجذرة في اخليال الشعبي، كظلم ال تزال أصداؤه تؤثر في الوجود امللموس للســكان الســود في البالد. إن الفصــل العنصري والتمييز وحتديد العمــل قبل مئتي عام أفرز عدم املســاواة االجتماعية واالقتصادي­ة في قلب النظــام، بحيث ال ميكــن للحرية الشــخصية واحلريــات املدنيــة التي يتمتع بها اجلميع اليوم أن تخفي متاما املعالم العرقية لالستغالل، التي ال تزال قائمة فــي الصناعــة واأليديولو­جيا. إن التقارب النســبي بني مالكي العبيد وأحفادهم يضع العــرق في إطار حميم بشــكل غير مريح تشــمل نقاط تركيزه الشعور بالذنب األبيض والتعويضات ومسألة الوكالة الشخصية، هل ميكننا جتنب مفاهيــم املســؤولي­ة األخالقية من خالل إطــار قانوني بحــت؟ وماذا يحــدث عندما تواجه وجهــا لوجه مع شخص كان أســالفه ميتلكون أسالفك ويبيعونهم؟

العدالة األمريكية

في النهاية فيلم «ســليل» هو إعالن جلزء مهم من تاريخ األمريكيني األفارقة حاول بعض الناس دفنــه حرفيا. كان العرض العاملي األول للفيلم في مهرجان صندانس السينمائي لعام ،2022 حيث فاز بجائــزة جلنة التحكيــم الوثائقية اخلاصة األمريكية للرؤية اإلبداعية. كما شارك الفيلم في العديد من املهرجانات السينمائية األخرى.

بعــد العثور علــى كلوتيلــدا، يقول كامــاو صادقي، وهو غواص رئيســي من مشروع حطام العبيد، بشكل قاطع: «اآلن، حان الوقت لتحقيــق العدالة». يقول قاضــي البلدية املتنقل فينلي، إنه على الرغم من أنــه ال ميكن مقاضاة أي

شــخص جنائيا على رحلــة كلوتيلدا األخيــرة، إال أن هناك احتماال بأن أفراد عائلــة ميهــر الذين بنيــت ثروتهم من عمل األشخاص املســتعبد­ين، ميكن أن يتحملوا املســؤولي­ة في قضية مدنية. وتعلق فيدا تونســتال ابنة هندرسون وهــي مــن نســل ســكان كلوتيلــدا املســتعبد­ين على فكــرة احلصول على التعويضــا­ت وتوزيعهــا: «ليس لدي أي فكــرة عن كيفيــة عملهــا. طاملا أن تيموثــي ميهر ليــس هنــا، ال أعتقد أن هناك من يعاقب». أما بالنســبة ألي قدر مــن العدالة، يقــول الناس فــي الفيلم الوثائقــي إنه على أقــل تقدير، ينبغي عدم االحتفال بالشخصيات التاريخية التي استعبدت وقاتلت من أجل احلفاظ على العبوديــة قانونيا فــي الواليات املتحدة، أو كانت أعضــاء في جماعات تفوق العرق األبيض من خالل تســمية األشــياء باســمائها، أو من خالل إقامة متاثيل تكرميا لها. ومن بني األشــخاص اآلخرين الذين متت مقابلتهم أو عرضهم فــي الفيلــم الوثائقــي زعيــم مجتمع أفريكاتــا­ون كليون جونز. الفولكلوري كيرن جاكســون. عالم اآلثار ناشيونال جيوغرافيــ­ك املقيم فريدريــك هيبرت. عالم اآلثار البحريــة جيمس ديلغادو. أحفــاد كلوتيلدا األســير لورنا وودز، باتريشــيا فريــزر، بوبي دينيســون ودارون باترســون؛ وناشــطو مجتمع أفريكاتــا­ون جو ووماك ومــاي جونز وأندرسون فلني.

إن اســتيعاب هذا العــدد الكبير من املشــاركن­ي، يتطلب دراســة عميقة في كيفيــة تشــكيل املادة لتحقيــق أفضل النتائج. يتعمــق فيلم مارغريت براون الوثائقــي اجلميل واملؤثــر في عالقة أمريكا املضطربة مع العبودية، ويحول عدسته إلى آخر ســفينة معروفة تنقل األفارقة بشــكل غير قانوني إلى البالد. الســفينة «كلوتيلدا» ليســت ســوى جــزء من القصــة. من املقابــال­ت التي ال تعــد وال حتصــى التــي أجريت مع األحفاد، والناشــطن­ي، وعلماء اآلثار، والغواصني، وما إلى ذلك، هناك حاجة غير معلنة للمســاءلة والعدالة. يطرح موضــوع التعويض أكثر مــن مرة في هذا الفيلم الوثائقي. في حني أن معظم األحفاد يرغبون في الشــفاء من ندوب الكراهية والعنصريــ­ة. وجهات النظر املتنوعة املنبثقة عن شعب أفريكاتاون وشــعورهم بالوحــدة للبحــث عــن احلقيقة الكاملة، جتعل فيلم «ســاللة» ممتع ومؤثر. أصبح اكتشــاف السفينة أيضا قطعة ملموســة من اللغز لتاريخ عائلــة العديد مــن النــاس الذين مت التعامل معهــم بعيدا عن اإلنســاني­ة. وال يتجاهــل هذه األســئلة: «من الذي اســتفاد أكثر من العبودية والعنصرية الفوقيــة البيضاء؟ ومــن الذي ال يزال يســتفيد حتى لو كان ذلك بشــكل غير مباشر؟

 ?? ?? مشهد من فيلم «ساللة»
مشهد من فيلم «ساللة»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom