Al-Quds Al-Arabi

حني يصمت الالعب اليهودي عند عزف «هاتكفاه» في «مونديال قتل الفلسطينين­ي»

في صورة تخالف الشجاعة التي حتلى بها املنتخب اإليراني في الدوحة

-

مرت الكاميــرا رويــدًا رويــدًا مــن العب إلى آخر، أظهرت قسمات وجوههم حتمل التعابير القاســية ذاتهــا، حازمة وقوية؛ لــم تتعرق أي عضلة في وجوههم، شــفاههم مكبلة. عشــرة شــباب يرتدون األحمر وآخر يرتــدي األزرق، وقفــوا كتفــا بكتــف ودعمــوا بعضهــم فــي ساعتهم الصعبة.

تصعــب معرفة ما الذي خطر ببالهم في تلك اللحظة. وما يصعب أكثر معرفة كيف ولد ذلك: متــى خططوا ذلك، هل وافــق اجلميع على ذلك مســبقا، من بادر إلى ذلك، من عرف، من حاول اإلقنــاع، ألم يتردد واحد منهم؟ عزف النشــيد الوطني فــي اجلمهورية اإلســامية اإليرانية، بادهم، وبقيت شفاههم مغلقة. صمتوا كرجل واحد. ودوى صمتهم في أرجاء العالم. حلظة تأسيســية ولدت في اإلســتاد داخل الدوحة. صمت دوى أكثر من أي ضجة.

من غيــر الواضح ما ســيكون مصيرهم عند عودتهم، هــذا إذا عادوا، إلــى بادهم. رمبا لن يحصلوا على متثيل بادهم مرة أخرى. اخلطر الذي أخذوه علــى عاتقهم كبير، وحصلوا على تقديــر في أرجاء العالم. اإلســرائي­ليون تأثروا أيضا، فهــم يعرفون كيف يقدرون الشــجاعة، لكــن فقط ملــن يعارضــون النظــام فــي الدول األخرى. ما حدث في الدوحة لن يحدث في أي يوم في منتخب إســرائيل اليهودي، ليس فقط ألن إسرائيل لن تصل إلى كأس العالم.

الاعبــون العــرب فــي منتخــب إســرائيل ال ينشــدون النشــيد الوطنــي، بســبب بعض الكلمــات التي ال تناســبهم فيه. ولكن الســبب أعمق من ذلــك؛ فهم أيضا يعارضــون النظام، نظــام تفوق اليهود الذي يقــول «نفس يهودي هائمــة» في دولــة يوجد فيها شــعبان. اخلطر الــذي يأخذونــه علــى عاتقهــم بعــدم إنشــاد النشــيد الوطني خطر محــدود. ال أحد طردهم مــن املنتخب حتى اآلن، وال شــيء نتحدث فيه عن االعتقــال. وال يجب اإلكثار من التحدث عن الفروق بــن النظام فــي إيران والنظــام املتبع في إســرائيل. في الســاحة اخللفية إلسرائيل يحــدث اســتبداد شــمولي مثــل االســتبدا­د اإليرانــي. في واجهتها، التي يعيش فيها أيضا العبو املنتخب العرب، هناك نظام حر، حتى لو

لم تكن فيه مساواة.

عندمــا لــم ينشــد بيبــرس ناتخو النشــيد الوطنــي، لــم يخطــر ببال أحــد مــن أصدقائه اليهــود فــي املنتخــب أن يظهــر تضامنــه معه وينضــم لنضالــه. عندما اقتبــس مؤنس دبور من القرآن الكرمي في عملية «حارس األســوار» وقــال « َو َلا َت ْح َســ َب َّن ال َّلــ َه َغا ِفــ ًلا َع َّمــا َي ْع َمــ ُل الَّظاِلُمــوَن ۚ»، مت إبعــاده عن املنتخــب مؤقتًا إلى أن اســتقال نهائيا. ال أحد هب للدفاع عنه. لــم يولد بعــد أي العب فــي املنتخــب اليهودي ســيتماهى مــع األقليــة املضطهــدة. الاعبون اليهــود فــي املنتخــب ومعظــم العاملــن فيه، ومشــجعوه، يتنافســون بينهم أيهم ســيظهر وطنية أكثر ضد من يعارضون النظام عندنا.

املنشــقون في إيران أبطــال، وعندنا خونة.

مــن ايــال باركوفيتش وحتــى عيــران زهافي يظهر التهديد بأنه ال ميكن من ال ينشــد النشيد الوطنــي أن يكــون رئيســا للفريق. لــو كان لنا عدد أكبــر بقليل من الاعبــن اليهود اجليدين لفضلت األغلبية منتخبــًا يهوديًا متامًا كما هو جدير بالدولة اليهودية.

الذين قدروا موقف هؤالء في الدوحة عليهم تقديــر ناتخو ودبــور. من تأثــروا من الاعبن اإليرانين عليهم أن يكونوا نزيهن مع أنفسهم ويعترفوا بأنه ال يوجد في إســرائيل اليهودية أي احتجــاج شــجاع وال يوجــد تضامن. آيات الله ليســوا في إيران فقط. والنظام الوحشــي القمعــي التهجيــري قاتــل املتظاهريـ­ـن غيــر املسلحن واألبرياء، ليسوا في طهران وحدها. فلســنا بحاجــة إلى آيــات اللــه اإليرانين كي

نثور. يكفي العيش قرب ديكتاتورية عســكرية من أجل االحتجاج بشجاعة.

عرفنــا فــي الدوحــة قــوة الشــجاعة، لكن املشــكلة في إسرائيل أخطر من عدم الشجاعة. معظــم العبــي كــرة القــدم اليهــود، ومعظــم اإلســرائي­لين أيضــا بشــكل عــام، ال يدركون املوجــود هنا من أجل االحتجــاج عليه. احلياة جميلــة، وإســرائيل هــي الدولــة الدميقراطي­ة الوحيدة. هل يوجد هنا أحد يقتل املتظاهرين؟ هــل وقعتــم علــى رؤوســكم؟ على العــرب أن يقولوا لنا شكرا ألننا نسمح لهم باللعب. يكفي أن يحتــج اإليرانيون، أما نحن فســنصفق لهم بفخر.

هآرتس 2022/11/24

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom