Al-Quds Al-Arabi

فكرة العدالة تهزم أجندة الغرب في قطر

- بالل التليدي٭ ٭ كاتب وباحث مغربي

■ ألول مرة، يتفجــر اخلالف احلاد في كأس العالم حول جدل الرياضة والسياســة، وتصر بعض الدول األوروبيــ­ة على وجــه اخلصوص علــى أن جتعل من هذا احلدث الكروي العاملي مناسبة لتصريف تصورها اخلــاص ملوضوع حقوق اإلنســان من داخــل فعالية عاملية تنظمها دولة عربيــة حتتفظ برؤيتها وتقاليدها وثقافتها اإلسالمية، ويتخذ االحتاد الدولي لكرة القدم قرارا بإبعاد رياضة كرة القدم عن هذه اإلقحامات غير الرياضية، التي يقصد منها استفزاز اجملتمعات العربية اإلســالمي­ة، وخلق حالة ضغط ورهاب من أجل إقناع االحتاد الدولي لكرة القدم بإنهاء ظاهرة تنظيم الدول العربية اإلسالمية لهذه الفعالية العاملية.

ال يهمنا في هذا املقال أن نناقش على وجه التفصيل مواقف هذه الدول واألشــكال التــي اتخذتها للضغط ونوع احلمــالت التي خاضتها، فمثل هذه النقاشــات التفصيلية، ميكن أن تدرس من زاوية العالقات الدولية أو زاوية الصراع السياســي، بحكــم أن املقاصد وراء هــذه الضغوط ال تنفصل عن جوهــر الصراع الدولي، والذي يتمحور اجلزء األكبر منه حول الطاقة.

نرجئ هذه الزاوية في النقاش ملستقبل األيام، بعد أن تظهر مؤشــرات كافية لترتيب تأمــل في املوضوع، لكن، ما يهمنا في هذا النقاش في هذه املرحلة هو بعده الفكري واحلقوقي والقيمــي، وأيضا تأطيره النظري، بحكم أن املوضوع ال يجري فــي فضاء حقوقي، وإمنا يجري فــي فضاء الرياضــة، وأن قضايا احلقوق، هي مجرد تعبيرات، يراد تصريفها ضمن فضاء هذا احلقل.

نشــير في البدء، أن احلملة التــي خيضت ضد قطر من قبل بعض الدول األوروبية، ارتكزت على محورين اثنني، األول يتعلق بحقوق العمال األجانب، والثاني، يتعلق باألجندة احلقوقية الدولية، و«ضيق املعادالت الثقافية العربية» عن استيعابها، ثم ما لبثت أن أزاحت املوضــوع األول، ليبقى املوضــوع احلقوقي وحده في الســاحة، ليضيق هذا املوضوع نفســه، ويتحول إلى موضوع املثلية اجلنسية.

يطرح هذا املوضوع ثالثة إشكاالت جوهرية، األول شــرعية حقوقيتــه، أي احلجة النظريــة التي جتعل منه موضوعا حقوقيا كونيــا، ويتعلق الثاني، بحجم التواطــؤ الدولي حــول حقوقيته، والثالــث، يتعلق بشرعية تصريفه في فضاء الرياضة.

تبدو هذه اإلشكاالت متباينة من حيث الظاهر، لكنها مترابطة واقعيا وبشــكل متسلســل، إذ ال ميكن الزعم بأن قضية املثلية هــي موضوع حقوقي حتى يتم إقامة احلجــة النظرية على ذلك، وحتى إذا مت القطع بأن هذا املوضوع حقوقي، فإن ســلطة اإللزام تشترط التواطؤ الدولي حــول حقوقيته، وأال يكــون موضوعا خالفيا يســمح بتفعيل اخلصوصية أو التأويل أو أي شكل من أشكال التفاعل اخلاص التي تفرضها املواثيق الدولية مع احلقوق اخلالفية. ثــم على فرض أن هذا املوضوع ال يحظى باإلجماع احلقوقــي الدولي، وعلى فرض أن األغلبية تدعمه، والواقع ال يدعــم هذه الفرضية، فإن ســؤال تصريفه، وبشــكل خاص في فضاء الرياضة، يطرح ســؤال الشــرعية، بحكم أن هذا الفضاء مؤطر بجملة قواعد دولية ملزمة ال ميكن اخلروج عنها.

امللخص أن احلجة النظرية والعلمية غير قائمة على حقوقية املثليــة، وأن لوبي املثلية، رغم الضغوط التي مارسها ليزيح بأدوات غير علمية اخلالصات البحثية التي تنسف أطروحته، فإنه لم يستطع تقدمي أي حجة علمية نظرية حتظى بإجماع اجملتمع األكادميي.

اجلانب الثاني من هذه القضيــة، أي اجلانب الذي يهم ســلوك ومواقــف الــدول اجتاه هــذا املوضوع،

فإنه يســير في االجتاه نفســه، أي تعزيز خالفية هذا املوضوع.

علــى أن األمر ال يتعلق مبواقــف الغرب الداعم في مقابل الشرق احملافظ أو املعترض، بل يتعلق بانقسام اجملتمعــا­ت الغربية نفســها حول هــذا املوضوع، مبا في ذلــك الدول التي ينظــر إليها دائمــا كمصدر إلهام للمثليــة فــي العالم، فهــذه القضية كما تكشــف عن ذلك اســتطالعا­ت مركــز بيو األمريكي هــي موضوع خالفــي يخترق اجملتمع األمريكي ويقســمه قســمني، وذلك حســب االنتماءات اإليديولوج­ية والسياسية، كما يختــرق الواليــات األمريكية نفســها، بل بعض الواليات األمريكية، تتغيــر والءاتها في هذا املوضوع حســب اللون السياسي الذي تأخذه، جمهوريا كان أم دميقراطيا.

ميكن أن نلقي نظرة بســيطة على خارطة الوالءات داخل اجملتمــع الدولــي، لنختبر حجــم الزيف الذي ميارســه اإلعالم الغربي املوجه بأجنــدة لوبي املثلية في العالم، وأن أقصى ما ميكن إثباته بهذا اخلصوص، هو خالفية هذا املوضــوع داخل اجملتمع الغربي، وميل أغلبية دول الشرق إلى نبذه، ووجود إجماع في العالم العربي واإلسالمي على رفضه.

ملخــص هذه الفقــرة، أو الفقرتني الســابقتن­ي، أال وجود حلجة علميــة ونظرية تؤكد حقوقية املثلية، وال توجد ممارســة دولية محل اتفاق وإجماع تدعم هذه الشــرعية، وأن هناك محاولة حتايــل كبيرة يقوم بها لوبي دعم املثلية في العالــم للعبث باحلقيقة العلمية، والعبث أيضا مبواقف الدول ومتثيليتها الدولية.

الــذي يزيد املشــكلة تعقيدا، أن املثليــة، ال حتظى بهاتــني الشــرعيتن­ي، وترتكب حماقة اســتغالل فراغ الفضــاءات، لتمــارس تغوال على القانــون والقواعد الدوليــة، لتفــرض أجندتها، كمــا ولو كانــت حقيقة مطلقة تناهــض بها ممانعة شــعوب رفضت أن تساير منطقها.

فاألصــل أن القواعــد الدولية، التــي تضبط إيقاع االحتاد الدولي لكرة القدم، تفرض إبعاد السياسة عن الرياضــة، وهو ما يعني من باب أولى إبعاد أي أجندة سياســية أو حقوقية ليست محل اتفاق دولي فما بالك إن كانت تســاهم في تقســيم الدول وتقويض أهداف الرياضة، لكن بعض الدول الغربية، وبسبب من واقع غياب املنافسة، أو غياب القوة احملتجة واملمانعة، كانت تستثمر فراغ الفضاء التعبيري الذي تتيحه الرياضة، فتمــأله بأجندتهــا اخلاصــة، وأحيانا متــارس عنفا ومصادرة حلق الشعوب األخرى في التعبير عن جزء من قناعاتها عبر هذا الفضاء، وفي الوقت الذي تنامى فيه الوعي بضرورة التعامل بأحد املعيارين العادلني: إما فتح الفضاء لكل التعبيرات على قدم املساواة ( دعم حق الشعب الفلســطين­ي في التحرر من االحتالل في مقابل دعم الشــعب األوكراني) أو االنضباط للقواعد الدولية احلاكمة للفضاء الرياضي (االمتناع عن إقحام السياسة في الرياضة وبشكل خاص القضايا اخلالفية التي تعاكس أهداف الرياضة في وحدة الشعوب)، في هذا الوقت بالذات، شــعرت بعض الدول الغربية، أن الفضاء صار ينتزع منها، فصارت تبرر لنفســها القيام بحمالت ظاملة، حتى تســترد الفضــاء كامال، وجتعله حكرا علــى أراضيها، حتى تضع حدا للمنافســة التي تنبهها لفكرة العدالة في التعامل مع الفضاء التعبيري الذي تتيحه الرياضة. 2022

‪Volume 34 - Issue 10817 Friday 25 November‬

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom